خلال عام 1981 أرسل شاب لشيخ الأزهر آنذاك الشيخ الجليل جاد الحق على جاد الحق مشكلة مفادها أن والده يمنعه من إطلاق لحيته خوفاً عليه من الاشتبهات الأمنية.. وجاء رد العالم الجليل من خلال الفتوى رقم 666 قى 8/ 11 من العام نفسه كالآتى: "إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة. وقد كان يعنى بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها - وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - فيما كان يفعله وما يختاره - وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب فى الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، كالأحاديث المرغبة فى السواك وقص الأظافر والشارب - وقد حمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الأمر، وسماها كثير منهم سنة يثاب عليها فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا دليل لمن قال إن حلق اللحية حرام أو منكر إلا الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين. ويستكمل الفتوى قائلاً: "ولما كان السائل يقول إن والديه أمراه بحلق لحيته، وبألا يطيلها، ويتساءل هل حرام حلق اللحية إذ إنه يرغب فى إطلاق لحيته كسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان ذلك كان السائل بين مخافتين أو محظورين، هما عصيان الوالدين وإيذاؤهما بهذا العصيان بإعفاء اللحية وإطالتها، وفى حلقها طاعة لهما مخالفة للسنة، وإذ كانت مصاحبة الوالدين بالمعروف ثابتة بنص القرآن فى قوله تعالى "وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا" (لقمان 15)، وبغير هذا من الآيات الكريمة فى القرآن وبالأحاديث الشريفة، وهذا من الأوامر الواجبة الاتباع قطعا، ولذلك كان إيذاء الوالدين بعصيان أوامرهما من الكبائر، إلا فى الشرك أو فيما يوازيه من الكبائر، وليس حلق اللحية من الكبائر، وإذ كان إطلاق اللحية أو حلقها من الأمور التى اختلف العلماء فى مدلول الأمر الوارد فى السنة فى شأنها، هل هو من باب الواجب أو السنة أو الندب، إذ كان ذلك كان على السائل الالتزام بالأمر الوارد فى القرآن الكريم الثابت قطعا الذى يؤذى تركه إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر هى إغضاب الوالدين وإيذاؤهما، بينما حلق اللحية ليس من المعاصى الثابتة قطعا، إذ إعفاؤها من السنن، والسنة تفسر بمعنى الطريقة كما تفسر بما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولا شك أن الأولى تنفيذ الأمر بحسن الصحبة مع الوالدين، إلى أن يقنعهما برغبته فى إطلاق لحيته اتباعا للسنة أيا كان المقصود بها. وينتهى الشيخ جاد الحق رحمه الله إلى: أن حلق اللحية أهون وأخف ضررا من إغضاب الوالدين وإيذائهما بإطلاقها، لأن إيذاء الوالدين بعصيانهما لا يكون إلا فى الشرك بالله وما يساويه، وحلق اللحية ليس من هذا القبيل فى الحكم والثبوت والله سبحانه وتعالى أعلم". ووبعد هذا التاريخ بأكثر من 25 عاما أرسل شاب بالسؤال نفسه إلى قناة "الناس"، حيث بدأ الشيخ محمد حسن يعقوب الرد علية بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم "وتلى الاية الكريمة من القرآن الكريم: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى ثُمَّ إِلَى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". الفرق بين الفتوتين ليس مجرد ربع قرن من الزمان، ولكنه فرق بين رؤيتين وتفسيرين.. أحدهما يقدم الترابط الأسرى وصحة العلاقات المجتمعية وطاعة الوالدين والآخر يقدم الشكل والمظهر. وحول ذات المشكلة كان للفقهاء آراء مختلفة. الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتاوى بالأزهر الشريف، يرد: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب"، فترك اللحية ليست واجبة لكنها سنة مؤكدة، من يعفيها لم يأخذ ثواب، ومن يتركها يأخذ ثوابا، وكل منا على حسب نيته من تركها أو إعفائها، لكن إذا كانت تسبب مشاكل لصاحبها ويصمم الأب على حلق ابنه للحيته، فيجب أن يتبع الابن والده ويسمع كلامه ويعفى لحيته، فالأب يخاف على ابنه ليس أكثر. ويضيف "أرشدنا التاريخ القديم فى حياة العرب وغيرهم إلى أن إعفاء اللحية كانت عادة مُستحسنة، ولا تزال كذلك عند كثير من الأمم فى علمائها وفلاسفتها، بالرغم من الاختلافٍ فى الدين والجنسية والإقليم. فيَرون فيها مظهرًا جماليا لهيئة الفرد، ورسم الوقار والاحترام على وجهه. والرسول - صلى عليه وسلم - أرشد أمته إلى ما يجعلهم فى مقدمة أرباب العادات المُسْتحسنة، التى توفر بحسب العُرف مظاهر الوقار، وجمال الهيئة، ومِن ذلك جاءت أحاديث الترغيب فى توفير اللحْية، كما جاءت أحاديث الترغيب فى السواك وتنظيف عُقد الأصابع ومَعاطفها". الدكتور يوسف القرضاوى تناول هذا الموضوع من خلال عدد من المواقع الخاصة به والكثير من البرامج قائلا: "روى البخارى عن ابن عمر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب" وتوفيرها هو إعفاؤها "أى تركها وإبقاءها". وبين الحديث علة هذه الدعوى وهو مخالفة المشركين، فكانوا يقصون لحاهم، ومنهم من كان يحلقها. وإنما أمر الرسول بمخالفتهم، ليربى المسلمين على استقلال الشخصية، والتميز فى المعنى والصورة، والمخبر والمظهر، فضلا عما فى حلق اللحية من تمرد على الفطرة، وتشبه بالنساء، إذ اللحية من تمام الرجولة، ودلائلها المميزة. فالشاب صاحب اللحية يأخذ ثوابا على إطلاق لحيته، ويجب أن يستمر على مبدئه ولن يحلق لحيته مهما حدث، فالثبات من الله سبحانه وتعالى، ويجب أن يقنع والده بأنه على الطريق الصحيح. الشيخ محمد حسين يعقوب يؤكد على موقعه الرسمى أن حلاقة اللحية حرام شرعا معتمدا على قول الرسول الكريم: "خفوا اللحى وأحفوا الشوارب"، ويقول "هى أمر واجب وليس سنة كما يذكر البعض، فأصبح الجمهور الأعظم من المسلمين يحلقون لحاهم، تقليدا لأعداء دينهم ومستعمرى بلادهم من النصارى واليهود، كما يولع المغلوب دائما بتقليد الغالب، غافلين عن أمر الرسول بمخالفة الكفار، ونهيه عن التشبه بهم، فإن من تشبه بقوم فهو منهم". ويرى يعقوب أن ثبات الابن على مبدأه وطاعة الله أمر واجب، فطاعة الله واجبة عن طاعة الأب، فالابن يجب أن يطيع والده طالما لا يغضب الله، وحلاقة اللحية حرام، وتغضب الله ورسوله فيجب التمسك بالمبدأ مهما حدث. فريقٌ آخر ذهب إلى القول بأن إعفاء اللحية سُنَّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وحلْقها مَكروه، وليس بحرام، ولا يُعَدُّ مِن الكبائر، وقد استندوا فى ذلك إلى ما رواه مسلم فى صحيحه عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "عشْرٌ مِن الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحْية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصُّ الأظفار، وغسْل البراجِم (البراجم: مَفاصل الأصابع من ظهر الكف". ونَتْفُ الإبِط، وحلْق العانَة، وانتقاص الماء (أى الاستنجاء). قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المَضمضة. المفكر الإسلامى جمال البنا يرى أن حلق اللحية شيئا عاديا وليس فيه أى معصية، فإطلاق اللحية من وجهة نظره ليس أكثر من كونه مظهر لا يعطى صاحبها الإيمان، فالإيمان فى القلب وليس فى اللحية أو المظهر. ويقول: "إذا كانت اللحية تسبب مشاكل لصاحبها يجب فورا حلقها، فهى ليست هامة فى حياته، والأمر هنا هو إرضاء الأب أم لا، بل إنها شيئا مظهريا ليس له قمية أو ثواب حتى". الراحل الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر كان له رأى فى اختلاف الآراء حول هذه المسألة قائلاً: "هذه هى الآراء، ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه". وأنصح بعدم التعصب وحدة الخلاف فى هذا الموضوع إلى الدرجة التى تكون فيها مقاطعة وخصام واحتقار وعدم اقتداء فى الصلاة، فالحرمة ليس مجمعًا عليها من الفقهاء، وليست بالقدر الذى حرمت به السرقة والربا والرشوة وما إلى ذلك من الأمور التى يجب أن نوجه إليها اهتمامنا لنطهر أنفسنا ومجتمعنا منها، ولندخر قوانا الفكرية والعصبية والنفسية للوقت الذى ينادينا فيه ديننا للنهوض بأهله وتخليصهم من تحكم العدو فيهم، فذلك جهاد لا ينقطع إلى يوم القيامة.