ما الذى يحدث فى هذا العالم؟ أى خلل أصابه؟ أى مصير ينتظر هذا الإنسان وسط هذا الجنون الكونى الذى تجاوز كل حد، قبل سنوات هللنا وصفقنا جميعا لانهيار جدار برلين باعتباره كان يرمز لمرحلة الحرب الباردة، والمخاطر التى خيمت على العالم وقتذاك عندما كان سباق التسلح يلتهم غلال البشر، وقد ظن البعض أن الدنيا أصبحت أفضل من دون هذا الرمز واليوم نرى ألف ألف جدار برلين تمتد بيننا وسط كرنفال بشع وطويل للموت بدأ، ويبدو أنه لن ينتهى، جدران عنصرية تذكرنا بمآثر القرون الوسطى، وجدران طائفية تعيدنا إلى عوالم سحيقة من التخلف وجدران تكنولوجية تقسم العالم إلى فئات وطبقات، بل وتنزع عن البشر إنسانيتهم وحقهم فى العلم والمعرفة، وتحولهم إلى مجرد أدوات فى سوق مفتوح كل شىء فيه للبيع. باسم الحرية والديمقراطية قتل المحتل الأمريكى مئات الآلاف من العراقيين وزرع بينهم جدرانا للفصل الطائفى واخترع جبهات وخطوط تماس بين القوميات والطوائف، أعاد البلد إلى العصور السحيقة، ومازال يردد أنه يريد لهم النماء والتقدم والديمقراطية، أسقط النظام الذى كان يدير البلاد على علاته، وأنشأ الفوضى، وكذلك فعلت إسرائيل إذ باسم الأمن وما يسمى حق إسرائيل فى الوجود أنشأ المحتل الإسرائيلى جداره العنصرى ليفرز (الإنسان اليهودى المتحضر ..!) عن "الإنسان الفلسطينى المتخلف..!" وسط صمت وتواطؤ دولى غير مسبوقين، وباسم الدين الإسلامى والسلف رسم عدد من المتخلفين جدرانا بينهم وبين الآخر، فأقاموا الحد عليه وكفروه، شوهوا صورة العربى والمسلم وأعطوا القتلة سبباً آخر لزهق أرواح الأبرياء. وباسم الاقتصاد ورفاهية الشعوب، حجب العلم عن بلاد وأمم بعدما أقيمت جدران عالية لحجب المعرفة وتكريس الجهل، وعلى سبيل المثال حين لاحت فى الأفق إمكانية استخدام الطاقة الذرية سلميا فى خدمة الشعوب صرخت الدول التى تملك أسلحة الدمار الشامل، بل استخدمت هذه الأسلحة بوحشية فى اليابان منتصف القرن الماضى وأعادت استخدامها منضبة فى العراق أوائل هذا القرن، صرخت ونبهت ورأت فى ذلك تهديدا للاستقرار الدولى، وهذا جدار عنصرى آخر يحدد من يسمح له امتلاك القوة – المعرفة، ومن لا يحق له امتلاك ذلك. إسرائيل القاتلة المحتلة لأراضى الغير الرافضة للالتزام بقرارات الشرعية الدولية تملك أكثر من مائتى قنبلة نووية لا تهدد منطقتنا فحسب، بل العالم بأسره، والأسرة الدولية مشغولة بإيران التى تعلن كل يوم أنها تريد استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، أى ضمير هذا الذى يقود هذه السلوكيات الاستثنائية التى تفرق بين إنسان وآخر، بين شعب وآخر، بين أمة وأخرى، بين بلد وآخر. كل مسئول أو زعيم يخدم الولاياتالمتحدة وتوابعها شرعى حتى ولو كان ديكتاتورا تفوح من يديه رائحة دم الأبرياء، وكل مسئول أو زعيم يدافع عن مصالح بلاده وأمته بصدق وإخلاص، ولا يستجيب لرغبات الولاياتالمتحدة إنما هو فاقد للشرعية ولابد من إسقاطه ورشقه بالاتهامات، وإشعال الأرض تحت قدميه وصب الرعب فوق رأسه وفوق رؤوس شعبه، وأمته (هل أقصد تشافيز .؟ نعم وأقصد غيره أيضا) أليس هذا جداراً آخر ..؟..منذ الأحداث المؤسفة فى نيويورك والعربى والمسلم ملاحق فى المطارات والجامعات، بل فى الجوامع ودور العبادة بوصفه يحمل فى دمه صبغيات الإرهاب..! حين تصل طائرة ما إلى مطار غربى يفرز رجل الحدود " "الشاطر" العربى عن غير العربى، وحين يشتبه بأن اسم الراكب يعطى دلالة على انتمائه للإسلام يعامله بطريقة خشنة مبنية على الريبة والشك والازدراء حتى ولو كان مسيحياً، وعينك لا ترى ما الذى يحدث مع من يعترض أو يمتعض من هذه السلوكيات "الديمقراطية جدا"؟ وهذا جدار ما بعده جدار وثمة حالة أخرى أكثر تعقيدا، حين يتم إشعال معركة بين المحتل الأمريكى وجماعة أصولية تسأل نفسك أين تقف؟ فى ظل أى جدار ..!؟ هل أنت مع القاتل الأمريكى أم مع ابن لادن الذى يعيش خارج العصر؟.. ولو قررت أن استمر فى الكتابة عن جدران أخرى رأيتها وسمعت وقرأت عنها فى هذا العالم الحر لما اكتفيت بصفحات هذه الصحيفة كلها، إن العالم ولاشك دخل فى مرحلة انعدام الوزن والثقافة التى تكرسها القوة فى وسائل الإعلام على هذا النحو العنصرى ستؤدى إلى تحولات تفرض نفسها عاجلا أو عاجلا وليس آجلاً أبدا وسيكون ذلك مكلفا ولاشك، مكلفاُ للناس على طرفى كل جدار وسيقوم من رماد هذه الحروب المشتعلة فى كل أرجاء الأرض من يفهم أن الطريق الأقصر لتحقيق العدالة والاستقرار يمر بهدم هذه الجدران التى بدأت تجعل العالم، وكأنه دخل مرحلة الجحيم، أو وكأن القيامة قامت ونحن لم ندر.. سقى الله أيام جدار برلين.