الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    الأوقاف: افتتاح 21 مسجدًا الجمعة المقبلة    غدا، محافظة القاهرة تبدأ فتح باب تلقى طلبات التصالح في مخالفات البناء    وزارة السياحة والآثار تشارك في سوق السفر العربي بالإمارات    بعد غد.. انطلاق مؤتمر "إعلام القاهرة" حول التغيرات المناخية    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    المقاومة تطلق رشقات صاروخية على مستوطنات إسرائيلية فى غلاف غزة    المقاومة في العراق تستهدف بالطيران المسيّر قاعدة "يوهنتن" الإسرائيلية    مدينة برازيلية تغرق تحت مياه الفيضان    كريم شحاتة: تقدمت باستقالتي من البنك الأهلي حفاظا على كرامتي    بيان رسمي من نادي الزمالك بشأن أخطاء الحكام ضد الأبيض في الدوري الممتاز    تعرف على أسباب خروج «ديانج» من حسابات «كولر»    أخبار مصر اليوم: السيسي يدعو كل الأطراف للوصول إلى اتفاق هدنة بغزة.. قرار جديد بشأن طلبات التصالح في مخالفات البناء    الخميس.. إيزيس الدولي لمسرح المرأة يعلن تفاصيل دورته الثانية    اهم عادات أبناء الإسماعيلية في شم النسيم حرق "اللمبي" وقضاء اليوم في الحدائق    ليلى علوي تحتفل بشم النسيم مع إبنها خالد | صورة    محمد عدوية: أشكر الشركة المتحدة لرعايتها حفلات «ليالي مصر» ودعمها للفن    هل يجب تغطية قَدَم المرأة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    أدعية استقبال شهر ذي القعدة.. رددها عند رؤية الهلال    لذيذة وطعمها هايل.. تورتة الفانيليا    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    تفاصيل التجهيز للدورة الثانية لمهرجان الغردقة.. وعرض فيلمين لأول مرة ل "عمر الشريف"    التيار الإصلاحى الحر: اقتحام الاحتلال ل"رفح الفلسطينية" جريمة حرب    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    برلماني يحذر من اجتياح جيش الاحتلال لرفح: تهديد بجريمة إبادة جماعية جديدة    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة أنور عكاشة: أتعجب من تعبير الإسلام السياسى والدولة الدينية انتهت بوفاة الرسول
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 12 - 2009

تدريجيا تفلح ابتسامة الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة فى إزاحة الرهبة التى استشعرها عند أول كل لقاء لى معه، لكن ما يصعب التخلص منه هو الدهشة التى تشعلها فى بساطته وهو يتحدث عن أشد القضايا تعقيدا، سألته عن قضايا سياسية وإبداعية ووجودية أيضا فأجابنى بنفس اليقين الذى يخبر به أحدنا الآخر عن اسمه، تهكم أكثر ما احتد، وأرشف الأحداث الفائتة والآنية منطقيا بنفس الطريقة إلى يسوى بها أوراقا كانت أمامه وطرح لكل القضايا الحالية أكثر من سيناريو رجح بعضها واستبعد بعضها وانحاز لبعضها عن الآخر..
عن أحدث أعماله الأدبية والدرامية، عن القضايا التى أشعلها قبل عامين كقضية القومية العربية وحجاب الفنانات، عن النجم الأمريكى الأسمر، والنجم المصرى المرتقب، وعن قضايا التطبيع والأسلمة والهوية تحدث الكاتب الكبير:
الشروق: بعد عودتك للأدب برواية «سوناتا لتشرين» وعدت قرَّاءك برواية كل عام لماذا تأخرت رواية هذا العام؟ هل تراجعت عن قرارك بالتفرغ للأدب بعد الانتهاء من مسلسل المصراوية؟
أسامة: انتهيت بالفعل من رواية بعنوان «شق النهار» تنشر حاليا فى جريدة الأهرام على حلقات، وبعد اكتمال حلقاتها ستجمع فى كتاب، ويدور موضوعها حول الإنسان وصدامه مع الواقع.
أما «المصراوية» فقد تأجل باقى أجزائها لظروف إنتاجية، لذا أكتب حاليا دراما ثانية بعنوان «تنابلة السلطان». وقد كنت أتمنى أن تكون «المصراوية» آخر أعمالى الدرامية، لكن تعطيل إنتاجها نتج عنه وقت جعلنى أركز فى مشروع آخر.
الشروق: فى كتابك «الجسر» كشفت عن أن مجمل أعمالك سواء الدرامية أو الأدبية هى تنويعات أو مقتطفات من سيرتك الذاتية كيف يمكن أن تكون كل هذه الأعمال سيرة شخص واحد؟
أسامة: بالفعل هناك ضمن هذا الكتاب رواية بعنوان «تلك الأيام» بها تقاطع أو تماس مع السيرة الشخصية ولكن ليس فى كل التفاصيل، فى هذه الرواية قد تجدين شذرات من سيرتى الشخصية لكنها ليست سيرة بالمعنى الكامل.
أما أعمالى الدرامية فبعيدة تماما عن سيرتى الشخصية، وإن كانت بعض شخصيات هذه الأعمال بها جوانب منى لكنها ليست أنا.
الشروق: لكن لماذا لم تفكر فى جمع هذه السيرة فى كتاب واحد كنجيب محفوظ؟
أسامة: هناك أحد الصحفيين قام بعمل ما يشبه السيرة لى، عبر مجموعة حوارات أجراها معى ونشرت فى مجلة «نصف الدنيا» على 11 حلقة، وأخبرنى مؤخرا أنه على وشك إصدارها فى كتاب.
الشروق: ولماذا لم تفكر فى كتابة سيرتك بنفسك أو تنتجها كعمل درامى؟
أسامة: لأن أدب الاعترافات ليس مطلق السراح فى ظروفنا أو فى مجتمعنا المصرى، فثقافتنا لا تحتمل أن يكون الإنسان صريحا صراحة مطلقة سواء مع نفسه أو مع الناس.
الشروق: مرة ثانية نجيب محفوظ. هو كان مؤرخ الحارة فى السينما المصرية، وأنت كنت مؤرخها فى الدراما المصرية، إلى أى مدى تقاطعت أو اختلفت تصوراتكما عنها؟
أسامة: الأستاذ نجيب كان مؤرخ الحارة فى الروايات التى كتبها عنها، فهو كان ابن الطبقة الوسطى التى كانت تعيش فى قلب القاهرة الفاطمية أو المملوكية فى تلك الفترة، والتى استطاع أن يسجلها باقتدار وبصورة غير مسبوقة فى أعماله الكثيرة كخان الخليلى وزقاق المدق والثلاثية وحتى فى الحرافيش التى كان بها الكثير من رائحة هذا المكان. لكن تشبيه بعض أعمالى بأعماله ناتج عن كونى أنا وجميع كتاب جيلى أبناء نجيب محفوظ بالجينات الأدبية، لقد خرجنا جميعا من عباءته، هو الأب الشرعى لنا جميعا، وقد تأثرنا كلنا بهذه الصلة.
الشروق: وماذا عن الحارة عند كل منكما؟
أسامة: حارة الأستاذ نجيب كانت فى زمن قديم ربما كان مواكبا لثورة 1919، أما أنا فقد تحدثت عن الحارة فى زمن لاحق بدءا من الأربعينيات، لكن تستطيعين القول إن نموذج حارة محفوظ كان «الباترون» الذى اشتغلنا عليه جميعا.
الشروق: الآن صار لهذه الحارة شكل مختلف عما نحته وصوره كل منكما، بدت أقرب إلى العشوائية، بدلا من شكلها الشعبى الأصيل، كيف تفسر هذا التغيير الذى طرأ عليها؟
أسامة: هذا لأن التغييرات أو لنقل التشوهات التى حدثت للمجتمع المصرى عقب قرارات الانفتاح الاقتصادى عام 1975، وما ترتب عليها من خلل اجتماعى أدى إلى قلب موازين المجتمع المصرى كله، قضت على الصورة التقليدية للحارة المصرية التى كانت ترمز دائما للأصالة والجدعنة، واستبدلتها بحارة شوهاء تشبه الحارة القديمة فى الفقر لكنها تختلف عنها كثيرا فى السلوكيات الاجتماعية.
لقد أصبحت الحارة مكانا للمشوهين اجتماعيا واقتصاديا، وانتشرت فيها بؤر الإجرام بشدة، فصارت كما لو أنها عصارة التغييرات السلبية التى طرأت على المجتمع المصرى خلال ال35 سنة الأخيرة.
الشروق: فى الفترة الأخيرة طرحت بشدة قضية التطبيع الثقافى مع إسرائيل بعد موافقة الشاعرة إيمان مرسال على ترجمة أعمالها للعبرية، هل ترى أن المصريين لديهم مفهوم دقيق حول التطبيع؟.
أسامة: التطبيع بغض النظر عن تقسيمه إلى ثقافى واقتصادى واجتماعى يقوم على فكرة واحدة هى محاولة إيجاد علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل، وهذا الأمر رفضه المصريون لحين حل المشاكل الرئيسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن القضية الفلسطينية دخلت بعد ذلك فى متاهة، وفى سلسلة من الانشقاقات والتأجيلات التى جعلت من قضية إسرائيل وفلسطين قضية فلسطينية فلسطينية، بعدما اشتعل الخلاف بين الجماعات الفلسطينية وبعضها، وأصبح الإصلاح بين هذه الجماعات أصعب من الإصلاح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا بلا شك أضعف صف المعادين للتطبيع، وخلق نوعا من الاستسلام للأمر الواقع.
رغم ذلك يجب ألا نخلط الأمور، فما فعلته إيمان مرسال ليس تطبيعا، ومسألة الترجمة للعبرية قديمة ومنتشرة، ومنذ 40 عاما ترجم وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق «أبا إيبن» أعمال نجيب محفوظ إلى العبرية.
الشروق: لكن هذا كان دون موافقة محفوظ؟
أسامة: هو بالفعل لم يتخذ موقفا قانونيا، لكن الترجمة من لغة إلى لغة مسألة أدبية لا يجب أن تسبب لنا كل هذا الإزعاج، وليست خرقا للموقف الشعبى المصرى من التطبيع، لأن الإسرائيليين يترجمون سواء بموافقتنا أو بدونها، والترجمة فى النهاية جزء من الانفتاح الإنسانى على الآداب كلها، لذا لا أستطيع أن ألوم إيمان على قبولها ترجمة أشعارها للعبرية.
أما الفنانة هند صبرى فلم تكن ذاهبة للإسرائيليين، إذ لم يكن هناك منفذ يوصلها للأرض المحتلة إلا المنافذ الإسرائيلية فماذا تفعل؟ هل كانت ستنزل بالباراشوت؟، هند كانت تريد التواصل مع الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة ومرورها من البوابة الإسرائيلية كان نوعا من الإكراه الذى فرضه الواقع السياسى فى المنطقة وليس اختيارا منها، لذا يجب علينا أن نقتصد فى الاتهامات ولنفكر فى المسألة بعقلانية أكثر. ولا داعى لأن نعتبر أى ظاهرة تطبيعا، ونسارع بإطلاق اتهامات الخيانة والارتداد وغيرها.
الشروق: قبل عامين صدر عنك العديد من التصريحات الجدلية الساخنة مثل، هجومك على الصحابى عمرو بن العاص، وقضية حجاب الفنانات، وانتقادك لمسألة القومية العربية وغيرها.. لماذا تلاحقت هذه التصريحات وقتها؟
أسامة: وقتها والآن فما زلت عند رأيى. ولم يكن دافعى حينها أى شىء لأقول ما أقول، لكن تصريحاتى بشأن عمرو بن العاص تم تأويلها بشكل خاطئ، فقد تحدثت فى السياسة لكنهم «جروا» الكلام للدين، وأنا لم أقصد ولم أتعرض مطلقا لموقف عمرو بن العاص الدينى، لكننى هاجمت الشخصية السياسية التى كانت ميالة دائما للميكيافيللية، وقامت بدور خطير فى شق صف المسلمين أيام النزاع بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، هاجمت الموقف الهدام الذى اتخذه بن العاص وأدى إلى انشقاق لازالت آثاره إلى الآن تقسم المسلمين إلى شيعة وسنة، لكن هواة الصيد فى الماء العكر، الذين يتربصون بى على النواصى ليصطادونى جعلوا منها قضية دينية، وطالب بعضهم برفع دعوى حسبة على ضمن حملة مشبوهة لم تكن لله.
وبالنسبة لمسألة القومية العربية فمنذ تاريخ حرب الخليج الثانية وتقاتل العرب مع بعضهم فى عاصفة الصحراء سواء تحت مظلة أمريكية أو بدونها وأنا أعتقد أن الفكرة العربية أصيبت فى مقتل. وقد أصدرت فى هذا الوقت مسلسل «أرابيسك» الذى يعد الأول الذى يناقش هذه القضية، وطرحت فيه أسئلة الهوية كلها، فتساءلت على لسان بطله قائلا «إذا لم نكن عربا فماذا نكون؟، لقد بدت مسألة القومية العربية أشبه بسرابات جرينا وراءها لأجيال طويلة، وتجاهلنا أنها كانت فى الأصل لعبة من المخابرات الإنجليزية التى خدعت الشريف حسين وأوهمته أنه لو انقلب على الدولة العثمانية فسيجعلونه ملكا على العرب واستغل الانجليز ذلك أسوأ استغلال، ثم استغلها قادة حزب البعث كدعوة حزبية، وبعد حرب السويس وخروج عبدالناصر منها بطلا شعبيا استقطبوه للفكرة بدعوى درء الخطر عن سوريا، وهكذا نشأت دولة الوحدة التى استمرت لثلاث سنوات ثم حدث الانفصال.
لكن للأسف الشديد على طول تاريخ العرب لم يتحدوا فى يوم من الأيام، وعلى طول تاريخهم وهم يتصارعون ويتقاتلون فيما بينهم، ويقتلون من بعضهم أكثر مما قتل منهم أعدائهم، فماذا يمكن للإنسان أن يستخلص من كل هذا التاريخ؟، أنا شخصيا قلت إن القومية العربية هنا دعوة عنصرية وأننا عرب بالثقافة وليس فى الأصل العرقى.
الشروق: لكن هل تعتقد أن الثقافة العربية فعلا واحدة؟
أسامة: طبعا. فالوحدة الثقافية هى الوحدة الوحيدة التى أفلحنا فى إيجادها بينما فشلنا فى كل المحاولات الأخرى للوحدة، سياسية كانت أو عسكرية أو اقتصادية لأنها لم تكن قائمة على أساس سليم. لكننا حققنا بالفعل وحدة ثقافية وفنية عن طريق الكتاب والإذاعة والسينما وأخيرا التليفزيون لأننا أبناء ثقافة واحدة، لغتنا العربية ومرجعها الأساسى هو القرآن، وتقاليدنا كلها متشابهة لأن منبعها جميعا الثقافة العربية.
إذن لابد أن نفرق بين الثقافة العربية والجنس العربى، فمصر وغيرها من الدول العربية ليست مجبرة على أن تلتحق بالجنس العربى لأن هذا الجنس غير موجود إلا فى شبه الجزيرة العربية أما باقى الدول فلها خصوصيتها، ويكفى مصر أن تكون مصرية لكنها ذات ثقافة عربية بحكم التاريخ والجغرافيا واللغة وغيرها.
نأتى لقضية الحجاب. أنا لم أهاجم الحجاب وإنما الفنانات اللواتى اخترن الحجاب ثم تراجعن، وقلت إن موقفهن من البداية لم يكن سليما، وإنهن لم يخترنه عن اقتناع وإنما طمعا فى شىء ما وعندما لم يتحقق هذا الشىء عدن ليبحثن عن المكسب، وهذا فارق مهم أود أن ألفت النظر إليه، لأنه شاع للأسف أننى ضد الحجاب رغم أننى لم أهاجمه ولا يمكن أن أهاجمه لأننى اعتبره جزءا من الاختيار والحرية الشخصية ولدى ابنتان محجبتان.
الشروق: لكن لماذا لم نسمع تصريحا لك فى الفترة الأخيرة رغم اشتعال عدد من القضايا على الساحة السياسية والثقافية، مثلا لماذا لم تعلق على تغيير السياسة الأمريكية وصعود النجم السياسى باراك أوباما؟
أسامة: أنا دائما أكتب رأيى لكن فى هدوء دون أن افتعل معارك، وقد كتبت عن أوباما بالفعل وكان رأيى أنه ظاهرة جديدة تذكر الناس بالرئيس الأمريكى السابق «جون كينيدى»، وأن انتخابه كان خروجا على التقاليد الأمريكية التى كانت تمنع أى إنسان من أصل غير أبيض من الوصول إلى منصب حساس إلى هذه الدرجة، واعتبرت انتخابه دليلا على أن المجتمع الأمريكى استفاد من التعددية الموجودة به، وأصبح أكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحا، وهو رأى اتفق معى فيه الكثيرون لذا لم يكن مجال معركة كغيره من التصريحات.
الشروق: وما رأيك فى تلقى الشارع العربى لأوباما وكأنه مخلص أو بطل قومى جديد؟
أسامة: هذه عادتنا كعرب؛ إما أن نفرط فى التفاؤل أو نعلق أخطاءنا على شماعة المؤامرة الدولية، فعندما جاء أوباما تعاملنا معه وكأنه قد جاء خصيصا ليغير السياسة الأمريكية لصالح العرب وهذا غير حقيقى، فأوباما «أمريكانى» بالدرجة الأولى، يمكن أن يقول كلمة طيبة فى حق المسلمين أو يزور القاهرة ويلقى بها خطابا عن سماحة الإسلام والتآخى بين الأديان لكن كل هذا لا يغير من حقيقة أنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التى لها سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء، لذا يمكن القول بأننا «هللنا وتوسعنا فى أمالنا وغمرنا التفاؤل تجاه أوباما بلا مناسبة، وفى المقابل فإن أى شىء يحدث لنا نعتبره جزءا من المؤامرة الأمريكية، وهذه للأسف طبيعة العقلية المسطحة للشعوب التى فى حالة تخلف أو تراجع تاريخى.
الشروق: هل يمكن أن ينطبق ذلك على معركة اليونسكو الأخيرة والتى أشيع أن أمريكا كانت وراء خسارة المرشح المصرى فيها؟
أسامة: نعم. فقد اعتبرها المصريون مؤامرة رغم أنها ليست مؤامرة ولا يحزنون. ولو كانت كذلك لخرج فاروق حسنى من الجولة الأولى للانتخابات وليس فى الجولة قبل الأخيرة والتى كان خلالها أسبق من منافسته البلغارية «بوكوفا»، لكن أصوات المترددين هى التى رجحت كفتها فى آخر جولة.
الشروق: إذن أنت ترى أن أصوات المترددين هى السبب. لكن البعض يرى أن الحكومة المصرية فشلت فى إدارة معركة اليونسكو وحتى فى اختيار مرشحها؟
أسامة: مبدئيا مصر لم تعد تجيد إدارة أى معارك سياسية أو ثقافية أو دبلوماسية، فمنذ إدارة أبوالغيط للسياسة للخارجية ولدينا قصور فى تخطيط مثل هذه المعارك، وأنا أشك أن الإدارة المصرية كان لها أى دور فى معركة اليونسكو، وأعتقد أن فاروق كان بمفرده فى مواجهة ممثلى باقى الدول، رغم ذلك فإن النتيجة التى وصل لها تعد نجاحا نسبيا أو خسارة بطعم المكسب، على الأقل لم تتكرر مأساة صفر المونديال.
الشروق: التوريث سيظل قضية الساعة طوال العامين المقبلين، لو قدر لك أن تكتب هذا السيناريو لصالح السلطة كيف سيكون؟
أسامة: لقد عرضت على إحدى الصحف بالفعل أن أكتب ذلك وأنشره كسيناريو لكننى وجدت فى هذه المسألة قدرا من الهزل الذى لا يتفق مع الظروف التى تبدو جادة لدرجة العبوس. لكننى أرى أن المسائل تسير فى طريق بقاء الأمور كما هى عليه سواء ترشح الرئيس مبارك لفترة سادسة أو دُفع بنجله السيد جمال مبارك إلى الترشيح بدلا منه، وأرى أن السيناريو الثانى هو الأقرب إلى التحقق بشرط أن يتم بموافقة المؤسسة العسكرية بوصفها القوة الوحيدة التى تستطيع سد الفراغات.
أما سيناريو الفوضى الذى يعتمد على اختفاء الرئيس فجأة وتصارع الفصائل القليلة الباقية فى الشارع وحدوث الانفجار فهذا لن يتم إلا إذا اكتفى الجيش بالمشاهدة ولا أعتقد أنه سيفعل ذلك، أيضا ربما يحدث تكرار للسيناريو التركى بمعنى أن يكون هناك دستور علمانى أو مدنى جديد يحكم فى حراسة القوات المسلحة وهذا أحد السيناريوهات المرشحة للتحقق.
الشروق: ولكن بأى السيناريوهات تنصح السلطة الحالية؟
أسامة: أنصح بما نصح به الأستاذ هيكل لكن دون تحديد أو اختيار أسماء بعينها، وأدعو الرئيس مبارك وأركان نظامه للتفكير فى مشروع جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد لمصر تكون فيه جمهورية برلمانية الرئيس فيها رمز وشعار وتكون كل السلطة فى يد الوزارة المنتخبة انتخابا مباشرا من الشعب، تماما مثل النظام الملكى فى انجلترا أو كالنظام الإيطالى والإسرائيلى الذى يكون فيه الحاكم رئيسا بروتوكوليا.
الشروق: لن أسألك ثانية عن المد السلفى أو الوهابى الذى طالما هاجمت دوره فى تحجيم العقل المصرى وتشويه الثقافة، ولكن ماذا عن الإسلام السياسى؟ كيف تقيم دور الإخوان المسلمين على الساحة السياسية؟
أسامة: الإخوان هم الفئة الوحيدة التى سمح لها بممارسة السياسة وذلك بموجب صفقة أعتقد أنها تمت بينهم وبين الحزب الوطنى، لكننى أتعجب من تعبير الإسلام السياسى، ولا أعلم من أين أتى الإسلاميون بفكرة الحاكمية لله ووجوب أن تكون الدولة دينية رغم أن الإسلام لم يكن دولة إلا فى عهد الرسول فقط وانتهى ذلك بوفاته، فلم تعد الدولة دينية وإنما دولة دينها الإسلام والفرق بين الاثنتين كبير.
ففى الأولى كان رئيس الدولة هو رئيس الدين وكان صلى الله عليه وسلم يؤسس دولة ويقيم دينا فى الوقت نفسه لذا كان الحكم سياسيا دينيا، ولكن بمجىء أبى بكر كان ينفذ سياسة ولا يشرع دينا، وتبعه فى ذلك باقى الخلفاء ومن بعدهم جاء الأمويون والعباسيون ومن تلاهم.
الشروق: ماذا لو سمح للإخوان بتشكيل حزب ينافس على السلطة؟
أسامة: ولم لا «يا ريت». نحن لا يمكننا تجاهل حق مواطنين مصريين لهم رأى وعقيدة خاصة فى ممارسة السياسة لكن بشرط ألا يختصوا أنفسهم بصفة الإسلام، وأن يبحثوا لحزبهم عن تسمية أخرى كحزب الوسط أو العمل، وليبقوا على جمعية الإخوان المسلمين كجماعة دينية لا شأن لها بالسياسة، تماما كالجمعية الشرعية وجمعية الشبان المسلمين وغيرها.
الشروق: فلنختم بالأدب كما بدأنا به ما رأيك فى مجمل الأعمال التى صدرت مؤخرا؟ ما أكثر عمل أعجبك أو استفزك فيها؟
أسامة: من أشهر الأعمال التى لفتت النظر مؤخرا أعمال الدكتور علاء الأسوانى بدءا من «يعقوبيان» و«نيران صديقة» و«شيكاجو» وغيرها، ويظل طبعا أى عمل يتمه جمال الغيطانى وبهاء طاهر ويظهر للقراء حدثا مهما.
الشروق: وبالنسبة للشباب؟
الشباب كثيرون جدا. وهناك من بينهم مواهب واعدة بصدق، لكننا ننتظر منهم الاستمرار والتطور معا.
الشروق: وما رأيك فى الظواهر التسويقية المرتبطة بالأعمال الأدبية كحفلات التوقيع والأفضل مبيعا والجوائز المستحدثة وغيرها؟
أسامة: لست ضد أى من هذه الأشياء على اختلاف مستوياتها طالما أنها تصب فى خانة النشاط الثقافى وتحرك الساكن والراكد فى الحياة الثقافية.
الشروق: أخيرا «نوبل» حلم جميع كتاب العالم ألم تفكر فيها؟
أسامة: لا، لقد شطح بك الخيال كثيرا فى هذه النقطة. لأن فوز الأستاذ محفوظ بنوبل حجبها عن الكتاب العرب لنصف قرن على الأقل لأن للجائزة اعتبارات جغرافية بجانب اعتبارات القيمة الأدبية، وفى رأيى أنه لو ستمنح نوبل لعربى فى وقت قريب فالأحق بها الكاتب المغربى «الطاهر بن جلون» لأنه كان فى نفس السبق مع الأستاذ نجيب محفوظ والدكتور يوسف إدريس وكان رابعهم أدونيس، أما أنا فإسهامى الأكبر فى مجال الدراما التليفزيونية وهى فئة إبداعية لا تدخل ضمن أنشطة جائزة نوبل.
الشروق: إذن ما هو الحلم الذى تتمنى أن تتوج به مشوارك الإبداعى؟
أسامة: لا أحلم بأى نقلات. كل ما أتمناه أن أظل أكتب لآخر لحظة فى حياتى، وألا أشعر فى أى وقت بأننى عاجز عن الإمساك بالقلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.