نجح عام 2013 فى أن يكتب نهاية درامية، استعصت على أى سيناريست أن يكتبها، لجماعة الإخوان المسلمين، حتى مؤسسها «حسن البنا» نفسه، الذى أنشأ الجماعة، وصنع مجدها الأول فى عشرينيات القرن الماضى، لم يكن ليأتى بذهنه، أن يحقق خلفاؤه حلمه فى السلطة، والسطوة والنفوذ، قبل أن ينكسروا بعد عام واحد فقط من وصولهم إليها، وتحقيق الحلم. وضع 2013 نقطة الحبر الأخيرة فى مداد الجماعة، بعدما قضى «محمد بديع» و«خيرت الشاطر» و«محمد مرسى» على ماضيها، وكفاح 80 عاما، وسعى لم ينقطع طوال ثمانية عقود متواصلة، للوصول إلى السلطة، خلال عام واحد، منذ تولى محمد مرسى السلطة فى 30 يونيو 2012، وحتى عزله منها فى الثالث من يوليو 2013، اجتاح مصر إعصار شهوة الأخونة، التى كان الفضل فيها أولا وأخيرا لرعونة قادة مكتب الإرشاد، الذين أصروا على التهام كل منصب والاستحواذ على كل سلطة، ومغالبة كل الأطراف وإقصاء شركاء مؤتمر «فيرمونت» الذى تعاهدت فيه القوى السياسية على دعم محمد مرسى ليأتى مشهد النهاية، بخروج ملايين إلى الشوارع منتصف 2013، مطالبين بإزاحة «مرسى» ومكتب الإرشاد، وسط تهديدات بالسحق والتفجير والإرهاب، انطلقت من تيار الإسلام السياسى، الذى حشده أعضاء مكتب الإرشاد فى منطقة «رابعة العدوية» التى تحولت إلى بؤرة اعتصام كبيرة اضطرت الدولة لفضها بالقوة، بعد فشل محاولات دبلوماسيين غربيين ووسطاء عرب، قطريين، وإماراتيين، وهو ما استتبعه انسحاب محمد البرادعى، الذى أصبح رئيسا للجمهورية بعد إسقاط مرسى وعزله، من المشهد الذى شارك فيه فى الثالث من يوليو. هنا نرصد أبرز أحداث العام، الذى لا نبالغ إذا وصفناه بأنه عام الحداد والدم، فأوله كانت آثار مذبحتى «الاتحادية» نهاية 2012، ومذبحة سجن بورسعيد فى يناير، وأوسطه تم عزل مرسى بثورة عارمة وآخره أعلنت الدولة رسميا جماعة الإخوان جماعة إرهابية، بعد واقعة تفجير مديرية الأمن بالمنصورة، التى أسفرت عن استشهاد 15، وإصابة أكثر من مائة. «جمعات الخلاص والحساب ونهاية شهر العسل بين الثوار والإخوان» انتهى شهر العسل بين «الإخوان» والثوار، هكذا يمكن أن نصف مطلع العام الذى لم يستمر فيه حكم محمد مرسى، وذلك بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره فى نهاية نوفمبر 2012، وبعدما أجرت الجماعة أول فض اعتصام للثوار بالقوة، فى الخامس من ديسمبر 2012، اندلعت المظاهرات الغاضبة، وتدفقت المسيرات على قصر الاتحادية، مطالبة بإسقاط «مرسى» الذى اضطر لمغادرة القصر مسرعا، وسط غضب وهتاف حناجر تطالب بإسقاطه، فى إحياء ذكرى الثورة الثانية يوم 25 يناير، كانت جبهة الإنقاذ التى تشكلت حديثا، قد وصل قيادياها محمد البرادعى، وحمدين صباحى، لصلاة الجمعة فى مسجد مصطفى محمود قبل أن يقودا مسيرة إلى ميدان التحرير، لإحياء ذكرى الثورة الثانية، حيث تعهدت الحكومة على لسان رئيس الوزراء آنذاك هشام قنديل، بحماية المتظاهرين خلالها، لكن ما جرى على الأرض كان غير ذلك، ففى اليوم التالى، اندلعت أحداث سجن بورسعيد، الحدث الذى تحول لمذبحة أمام السجن العمومى، بعدما أصدر قاضى محكمة جنايات بورسعيد حكما قضائيا بإحالة أوراق 21 متهما فى مذبحة الاستاد، 2012، إلى المفتى، مما تسبب فى غضب الأهالى، الذين هرعوا إلى السجن لمحاولة يائسة لتحرير أبنائهم، فاشتعلت الأحداث، وتبادل الجانبان إطلاق النيران، وتأجج المشهد، وفرض محمد مرسى حظر التجوال على مدن القناة الثلاثة، التى امتدت إليها الأحداث الساخنة، ففى الإسماعيلية والسويس، جرت مواجهات هيستيرية بين الشرطة ومتظاهرين، مما جعل الرئيس يخرج مهددا فى التليفزيون بقوله الشهير: «ها أنا أفعل»، كان واضحا أن «مرسى صار شخصا آخر، غير ذلك الذى ظهر وديعا فى حوارات تليفزيونية قبل أشهر، لإقناع الثوار بالتصويت لصالحه، وكان واضحا أن هذا الشخص غير قادر على شد زمام الأمور، التى تأكد انفلاتها، حينما سخر مواطنو مدن القناة من قرارات حظر التجوال، وتعمدوا كسره ليلا، بمسيرات، ومباريات لكرة القدم». الترويج لشائعات إقالة «السيسى» والتراجع عنها كان أبرز أحداث الشهر، المواجهة التى جرت بين قصر الرئاسة ووزارة الدفاع، وعلى رأسها الفريق أول عبد الفتاح السيسى، كان من الواضح أن مياه الجفاء جرت بين الجانبين، خاصة بعد فشل جولات الحوار الوطنى الصورية، التى دعا إليها محمد مرسى، فجأة انتشرت شائعات عن إقالة وزير الدفاع، الذى اختاره مرسى منذ أشهر، والذى روجت له بوابة الحرية والعدالة، بأنه وزير دفاع ثورى، ورددت تقول إنه يصلى وملتزم، فجأة وفى التاسع عشر من فبراير، خرج مصدر عسكرى بتصريح يقول: الترويج لإقالة السيسى انتحار للنظام بأكمله، وسارعت مصادر فى قصر الرئاسة، تقول ظهرا: لا نية لإقالة السيسى، فى محاولة منها لحفظ ماء الوجه، فجاء رد مؤسسة الجيش فى المساء، يعلن السماح والعفو عن هذه السقطة، فى تصريح رسمى يؤكد أن القوات المسلحة لم تدل بأى بيانات رسمية، كان الشد والجذب واضحا بين المؤسستين، فى لعبة فرض الإرادات، بالتزامن مع تناقص فريق مرسى الرئاسى، فاستقال كل من أيمن الصياد، وسمير مرقص، ورفيق حبيب، وسكينة فؤاد، وسيف عبد الفتاح، وفاروق جويدة ومحمد عصمت سيف الدولة، وخرج خالد علم الدين فى فضيحة إبعاد مبهمة، واستقال بالتبعية بسام الزرقا، وتبعه عصام العريان، بعدما أدلى بتصريح مثير الجدل عن عودة اليهود إلى مصر، وسط تواصل العصيان المدنى فى محافظة بورسعيد. «مرسى»: القرد لو مات.. القرداتى يشتغل إيه..؟ تميز الشهر باستمرار سخونة المواجهات بين القوى الثورية الرافضة لأى مبادرة يطرحها الإخوان، الذين بدأوا يتحصنون وراء أسوار مكتب الإرشاد، بتعليتها فى المقطم، بينما يساق الإعلامى الساخر باسم يوسف إلى المحكمة، بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، ذهب «باسم يوسف» إلى دار القضاء العالى للتحقيق معه فى التهمة، مرتديا «طاقية» مرسى التى ارتداها فى باكستان، مثيرا دوامات من السخرية ضد الرئيس، الذى واصل إطلاق التصريحات المضحكة، حيث قال فى الدوحة، فى اجتماعه مع الجالية المصرية «الإخوانية» هناك، سؤالا عجيبا: إذا القرد مات، القرداتى يشتغل إيه؟ كان شباب الثورة قد صعد إلى المقطم، للتظاهر حوله، فيما عٌرف بجمعة «رد الكرامة» التى نظموها يوم 22 مارس، حاصروا خلالها عددا من شباب الجماعة، واعتدوا عليهم اعتداءات قاسية، ردا على مواجهات للإخوان، مع بعض الشباب الذين تظاهروا الأسبوع الذى سبقه، ورسموا «جرافيتى» أمام مقر الإرشاد، مما أسفر عن استمرار المواجهات الساخنة، التى تطورت إلى موجات من الاعتداءات على مقار حزب الحرية والعدالة فى المحافظات. «تمرد» قالب «الدومينو» الهش يهدم قلعة «الإخوان» فى البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك قبل أن يحاربوك، هكذا شقت حركة «تمرد» التى ظهرت فى شهر إبريل، طريقها الصعب، بصبر وأناة، بوهن عجوز، وحكمة شيخ، وذكاء وحيوية شباب قلبه نابض، مشتعل، غيور على بلده، ووطنه، شق أعضاء حركة تمرد طريقهم بورقة مساحتها A4 تحوى اسما ورقم بطاقة وكلمة تمرد بالعربية والإنجليزية، نجحت الورقة فى الانتشار فى القاهرة، والجيزة، شهدت رواجا بعدما أعلن مؤسسا الحركة محمود بدر وحسن شاهين بدء حركة تمرد وتوزيع استماراتها على نطاق واسع، بالتزامن مع تجاهل النظام انتشار الحركة الكبيرة، بل خرج بعض أقطابه آنذاك ومنهم المستشار حاتم بجاتو، بتصريحات قال فيها إن «مرسى» لا يتم إسقاطه إلا إذا ارتكب جريمة الخيانة العظمى، أو أصيب بمرض عضال يمنعه من ممارسة عمله، أو توفى، لكن الحركة شقت طريقها فى صبر وأناة، ونجحت بعد أسبوعين فى جمع مليونين و29 ألف استمارة، وذلك فى مؤتمر صحفى عقده أعضاء الحملة يوم الأحد 12 مايو. فى المقابل حاول الإخوان الترويج لمرسى، بإعلان أن زيارته إلى روسيا التى جرت خلال هذا الشهر، حققت مكاسب وفيرة لمصر، بدعم روسى مالى، واستثمارات فى مشروعات مرتقبة، لكن الزيارة كانت فاشلة، وتم استقبال مرسى فيها استقبالا مهينا، وصدر خلال هذا الشهر عن حزب الحرية والعدالة، كتاب عن إنجازات محمد مرسى، أثار سخرية النشطاء، بعدما تضمن عبارات من قبيل: «أول رئيس ملتح يصلى الجمعة، وأول رئيس يصوم الاثنين والخميس، وأول رئيس يحصل ابنه على %90 فى الثانوية العامة». وكانت أبرز الكوارث الداخلية التى شهدتها الساحة السياسية، واقعتى اعتداءات الإسلاميين على الكاتدرائية وعلى مشيخة الأزهر بعد تسمم 300 طالب أزهرى. «يهمنا سلامة الخاطفين» تلقت الدولة المصرية صفعة على وجهها خلال شهر مايو، الشهر الذى تبقى ل«محمد مرسى» فى الرئاسة قبل الإطاحة به فى نهاية يونيو، جاءت هذه الصفعة، بعدما اختطفت قوى تكفيرية إرهابية سبعة جنود مصريين فى سيناء، وعرضت لهم فيديو مهينا، يستنجد فيه المخطوفون بالرئيس محمد مرسى، الذى كان مترددا فى حسم عملية تحريرهم، كانت قوات الجيش تغلى من داخلها من الواقعة التى أعادت إلى الأذهان واقعة قتل الجنود فى رفح، فى أغسطس 2012، أثناء تولى «طنطاوى» و«عنان» رئاسة المجلس العسكرى، هذه المرة المخطوفون أحياء، تخاف الدولة من تهريبهم عبر الأنفاق، فكثفت من استعدادها للتدخل والحسم، مراقبون كانوا يرون أن الغرض منها هو إحراج وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الذى تستنجد به القوى المدنية للتحرك للإطاحة ب«مرسى» الذى ظهر فى قمة عجزه خلال هذه الأزمة، مدليا بتصريح شهير له، قال فيه: «يهمنا سلامة الخاطفين والمخطوفين»، وذلك خلال اجتماع له بوزير الدفاع، ووزير الداخلية، يوم 16 مايو، وبعد تحريرهم، كشف الرهائن السبعة، أوصاف الخاطفين، وقالوا إن الخاطفين أجبروهم على الظهور فى الفيديو الذى ظهروا فيه يستغيثون بالرئيس محمد مرسى، وإن 3 منهم توسلوا للمتهمين حتى لا ينشروا الفيديو خوفا من أن تصاب أمهاتهم بأزمة قلبية عقب مشاهدتهم فى تلك الصورة، إلا أن المتهمين أبلغوهم بأن نشره هدفه طمأنة الأسر، فضلاً على أنه ورقة ضغط على المسؤولين للرضوخ لطلباتهم. أقسى الشهور.. مرسى يقطع العلاقات مع سوريا و«تمرد» تجمع 22 مليون استمارة يستحق «يونيو» أن يفوز بجائزة أقسى شهور العام، ففيه أعلنت «تمرد» جمعها 22 مليون استمارة تدعو لإزاحة «مرسى» عن السلطة، وإسقاطه، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفيه تم حرق مكتب إرشاد الجماعة، وفيه هبط المواطنون بكثافة وبالملايين إلى الشوارع، وفيه تجمع الإخوان والإسلاميون بحشد مضاد، فى ميدان رابعة العدوية، واشتهرت الدعوات للحشد بعبارة «الوقوف فى رابعة العدوية، يفوق أجر الوقوف فى عرفة». كانت أحداث الشهر كلها ساخنة، جاء على رأسها فضيحة اجتماع محمد مرسى، وعدد من القوى السياسية لبحث أزمة سد النهضة، وأدلى الحضور بدلوه، قبل أن تفاجئهم «باكينام الشرقاوى» أن الاجتماع مذاع على الهواء مباشرة، وتلا هذه الفضيحة السياسية الكبرى، مؤتمر الصالة المغطاة، الذى عقده محمد مرسى لنصرة سوريا، وفيه أعلن الرئيس المعزول - الذى كان وقتها فى السلطة آنذاك - قطع العلاقات مع سوريا، فى مفاجأة من العيار الثقيل، لم يتوقعها السوريون، الذين يعتمدون على مكتب سفارتهم فى القاهرة لتسيير أعمالهم وأوراقهم، الذى أمر المعزول بغلقه، وسحب القائم بأعمال السفير المصرى فى دمشق، كانت رعونة «مرسى» تجعله يلعب مباراة اعتزاله الأخيرة، بعدما أقحم مصر عمليا فى مواجهة إقليمية غير محسوبة، تضاعفت فيها المخاطر من الزج بالجيش المصرى فى أتون حرب غير معلومة المصير، ولا التخطيط، كان من الواضح أن الرئيس المعزول يلوح بالحرب مع نظام بشار، فى محاولة منه لتجنب طوفان الاحتجاجات المرتقب، فوجئ المصريون بشيوخ يحضرون لقاء «مرسى» فى ذلك اليوم، يهددون المتظاهرين ضده، كما فوجئ الحضور، بوجود أعلام القاعدة فى استاد الصالة المغطاة، كانت الأحداث الساخنة تتسارع، وأعلن وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسى، أنه لن يسمح بتهديد وترويع المصريين، وأعلنت القوات المسلحة، عن خطة «إرادة» التى ستؤمن بها تظاهرات الثلاثين من يونيو، وجابت مدرعات الجيش يوم 26 يونيو الشوارع بلافتات تحمل عبارات «قوات حماية المواطنين» كانت التهديدات من الجانب المؤيد لمرسى، قد تسارعت وتيرتها، فى رابعة العدوية، التى استقبلت الإخوان وأنصارهم مبكرا، فيما هبطت مدرعات الشرطة الشوارع يوم 28 يونيو وعليها لافتات «شرطة الشعب»، وأعلن محمد بديع فى رسالته الأسبوعية، يوم 27 من الشهر ذاته، أن المشهد الآن، مثل حصار الأحزاب للنبى.