ثلاث رسائل فى أقل من أربع وعشرين ساعة صدرت من قيادات ومستويات جماعة الإخوان المختلفة، وعلى رأسها مهدى عاكف المرشد العام تكشف عودة الجماعة لفقه المحنة وثقافة الاستضعاف، والرد على الحملات الأخيرة "بالكمون". تراجعت الجماعة عن خططها التصعيدية ورفضت أى توجه تحريضى للرد على اعتقال قياداتها، ووصل عددهم حتى الآن فى الشهرين الأخيرين فقط إلى 135 معتقلاً، منهم ثلاثة أعضاء من مكتب الإرشاد وأكثر من عشرين مسئولاً ونائباً للمكاتب الإدارية بالمحافظات، وأغلبهم من رجال الأعمال وأساتذة الجامعات. رسائل الإخوان الأخيرة تؤكد، أن هناك ارتباكاً فى طريقة التعامل مع ضغوط النظام وحملته على الجماعة، فالشباب يطالب بالتصعيد إلى درجة الثورة، ووضح ذلك فى كافة مواقعهم على الإنترنت، حتى أن واحداً من أولئك الشباب تعرض للتوبيخ، وأنذر بالفصل، أو التعرض للائحة الجزاء المتعارف عليها داخلياً. ولم يهدئ خطاب الصبر والاحتساب والسير على طريق الأنبياء، حسب رسالة الدكتور أسامة نصر الدين التى أرسلها قبل يومين لقواعد وشباب الجماعة، من ثورة وغضب الشباب الذى يرى أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يتعرض لظلم مزدوج من الجماعة والنظام، فلا هو يأخذ مكانته وقدره بسبب سيطرة "رفقاء سجون الستينيات"، وظلم الدولة التى تمنع عنه حتى الدواء أو الرعاية الصحية. شيوخ الجماعة وصفوا هذا الرد من الشباب بأنه ناتج عن الألم بسبب ما يحدث من ظلم للجماعة. من جانبه حمل المرشد فى رسالته الأسبوعية المسئولية للقوى السياسية، بسبب صمتها وتفرقها فى مواجهة ظلم النظام، ودعا هذه القوى للتوحد والمواجهة، فى حين أن د.محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد أعلن فى رسالة مشابهة فى ذات اليوم رفضه لأى تحريض أو إثارة للخروج ومواجهة الظالم، داعيا أبناء الجماعة لعدم الانصياع وراء أى حملات تحريضية ممن وصفهم بذوى النفوس الخبيثة الذين يدفعونهم لطريق غير محمود. أزمة الجماعة فى إدارة ملفها السياسى، بدت عميقة ومتناقضة فى آن واحد، فلا هى قدمت تصوراً واحداً للتعامل مع القضايا المطروحة، ولا قامت بالمواجهة أو حتى توضيح أسباب ما يتعرضون له، سوى أن النظام ظالم ولا يرى أحداً، كما قال المرشد. الإدارة هى عنوان الفجوة التى تتعرض لها الجماعة حالياً، خاصة فى ظل غياب خمسة من أكبر قادتها خلف القضبان، يتقدمهم المسجونان بالمحكمة العسكرية، خيرت الشاطر ومحمد على بشر، والمعتقلان قبل أسابيع، أسامة نصر وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمود حسين، وشهدت الجماعة حواراً عنيفاً بين قيادات مكتب الإرشاد، وصل إلى الحد الذى دعا فيه كثيرون بينهم ثلاثة من أعضاء المكتب ومسئول القسم السياسى بإجراء تعديلات تدريجية فى هيكل القيادة، رداً على مطالبات الشباب الذين لم يقبلوا بفقه المحنة ولا ثقافة الاستضعاف والاحتساب والصبر فى التعامل مع المواجهات الحالية. واعتبر شباب الإخوان إدارة أيمن نور زعيم حزب الغد الليبرالى لأزمته وهو فى السجن، والدور الذى لعبته زوجته جميلة إسماعيل نموذجاً لم ترقَ الجماعة إليه فى مشكلة أبو الفتوح ومن قبلها محاكمات خيرت الشاطر وأربعين قيادى معه عسكرياً، وخرجوا بنتيجة أن ما يحدث الآن من ضربات وتضييق سيستمر ويتزايد حتى يصل لرأس الجماعة وعندها لن تكون هناك فرصة للدفاع أو التبرير. إستراتيجية الكمون وفقه الصبر والاستضعاف هو الأسلوب الذى استخدموه فى عهد عبد الناصر وحملات عندما طالتهم حملات الاعتقالات، واستخدموه فى عهد السادات، وها هى الجماعة تلجأ إليه فى عهد الرئيس مبارك رداً على الضربات التى تتلقاها.