انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان بالشرقية    بمناسبة أعياد تحرير سيناء.. نقل صلاة الجمعة على الهواء مباشرة من مدينة العريش    هشام عبدالعزيز خطيبًا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد النصر بالعريش    حصول 4 معاهد أزهرية على الاعتماد والجودة رسمياً بالإسكندرية    ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن.. 7 أهداف ضمن الحوار الوطني    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    تعرف على سعر الذهب مع بداية تعاملات الجمعة    بمناسبة عيد تحرير سيناء.. التخطيط تستعرض خطة المواطن الاستثمارية لشمال وجنوب سيناء لعام 2023-2024    خزنوا الميه.. إعلان ب قطع المياه ل12 ساعة عن هذه المناطق    الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواريخ باليستية ومجنحة على أهداف في إيلات    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج الرئيسي بعد احتجاجات مناهضة للعدوان على غزة    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    إسرائيل تضع شرطًا للتراجع عن اجتياح رفح    نائب وزير الخارجية اليوناني يعتزم زيارة تركيا اليوم الجمعة    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    رمضان صبحي: أشعر بالراحة في بيراميدز.. وما يقال عن انتقالي للأهلي أو الزمالك ليس حقيقيا    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    الليلة.. نهائي مصري خالص في بطولة الجونة للإسكواش للرجال والسيدات    فينيسيوس يقود هجوم ريال مدريد في التشكيل المتوقع أمام سوسييداد    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    طقس الساعات المقبلة.. "الأرصاد": أمطار تصل ل"سيول" بهذه المناطق    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    بدون إصابات.. إنهيار أجزاء من عقار بحي الخليفة    القناة الأولى تبرز انطلاق مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة    فضل قراءة سورة الكهف ووقت تلاوتها وسر «اللاءات العشر»    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل1.688 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    أماكن الاحتفال بعيد شم النسيم 2024    ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس اليوم الجمعة في كفر الشيخ    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    رسالة من كريم فهمي ل هشام ماجد في عيد ميلاده    موقف مصطفى محمد.. تشكيل نانت المتوقع في مباراة مونبيلييه بالدوري الفرنسي    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا إلى صلة الأرحام والتواصل مع الآخرين بالحسنى    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    الزمالك يزف بشرى سارة لجمهوره بشأن المبارة القادمة    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    الإنترنت المظلم، قصة ال"دارك ويب" في جريمة طفل شبرا وسر رصد ملايين الجنيهات لقتله    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهدي عاكف .. المرشد الذي اختار أن يكون «سابقاً»

خرج عاكف عن دبلوماسية الإخوان المعهودة وانتقد لأول مرة شخص الرئيس مبارك وسياسات حبيب العادلي
مهدي عاكف
اليوم يعلن محمد مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين أنه أول مرشد للجماعة حي يرزق يعلن أنه رئيس هذا الكيان السابق السبت القادم يعطي البيعة للمرشد الجديد كفرد أو جندي في صفوف هذه الجماعة الكبيرة، ربما يكون هذا سبقا في هذه الجماعة صاحبة ال 82 عاماً من العمل الدعوي والوطني الذي يختلف ويتفق معه الكثير من أبناء هذا البلد، ولكنه أيضاً هو سبق في منطقتنا العربية وفي بلدنا العزيز مصر أن نجد مسئولاً في حركة سياسية أو كيان سيادي يتنازل عن حقه الذي تجيزه لائحته الأساسية من المنافسة علي رئاسة كيانه، وهذا السبق ليس علي المستوي السيادي فقط فلم نجد مسئولا حزبياً في مصر يتنازل عن حقه في رئاسة حزبه، والقضاء الإداري شاهد علي الخلافات علي رئاسة العديد من الكيانات المسماة أحزاباً في مصر.
عاكف الذي تم انتخابه في 10 يناير 2004 خلفا للمستشار مأمون الهضيبي الذي وافته المنية فجأة لم يكن يتوقع أن يصل لهذا المنصب خاصة يبلغ من العمر 81 عاماً، ولما أعلنت النتيجة بحصده أعلي أصوات أعضاء مكتب الإرشاد ال 16 قرر أن يعين أكثر اسمين حصلا علي أصوات تؤهلهما لمنصب المرشد وعينهما نائبين له وهما الدكتور محمد حبيب وخيرت الشاطر، وهو سبق أيضا داخل الجماعة خاصة أن الهضيبي الذي سبقه علي المنصب رفض أن يسمي نواباً له،
كما أعلن عاكف للإخوان وقتها أنه سينصاع لرغبة أعضاء الجماعة إلا أنه لن يجدد ولايته علي هذا المنصب مرة أخري حيث تجيز لائحة الجماعة للمرشد فترتين متتاليتين مدة كل منهما 6 سنوات، ولم ينظر لهذا التصريح سواء داخل الجماعة أو خارجها باهتمام كبير وقتها، نظراً لأن الجماعة لم تشهد في حياتها مرشدا سابقا علي قيد الحياة خاصة أن آخر شخصين وصلا لهذا المنصب لم يمهلهما القدر أن يكملا مدة الست سنوات، فالهضيبي لم يكمل عاما علي خلافته لمصطفي مشهور الذي تولي المنصب في عام 1996 وتوفي في أكتوبر 2002،
ورغم تكرار عاكف تصريحه في الأوساط الإخوانية وفي وسائل الإعلام لم يكن أحد يصدق أنه سيغادر مكانه وهو حي، وربما يرجع ذلك للهدف الذي من أجله انتخب مهدي عاكف مرشدا عاما للجماعة، حيث جاء اختيار عاكف كشخص توافقي يجمع أطياف الجماعة المختلفة لما يتمتع به من توازن وقدرة علي لم الشمل وسعة الصدر تجاه الأفكار المختلفة مع الجماعة، فعاكف كان عضوا في التنظيم الخاص للجماعة فترة الأربعينيات ومن الجيل الذي يطلق عليه المحللون جيل الصقور أو المحافظين الذي قضي فترات طويلة من عمره في سجون النظام، إلا أن الرجل ليس ابنا لهذا الجيل، فهو يرفض العمل السري واختلف مع من سبقوه في قضية «سرية التنظيم وعلنية الدعوة».
وبدأ حياته مرشدا بتصريح أثار جدلا واسعا داخل الجماعة بأن الحرية مقدمة علي تطبيق الشريعة الإسلامية، وأعلن أنه يرفض سرية عمل الجماعة وقال في تصريحات صحفية إنه رفض أن يبايع مرشدا سريا اختاره بعض قيادات الإخوان عقب وفاة المستشار حسن الهضيبي المرشد الثاني للجماعة في عام 1973 وقال: كيف أبايع رجلا لا أعرفه؟!، ومن منطلق هذا الحرص أطلق يد أعضاء الجماعة في التصريح بعضويتهم للتنظيم مما أتاح لطلاب الجماعة تغيير الاسم الذي كانوا يستخدمونه في الجامعات من «طلاب التيار الإسلامي» إلي «طلاب جماعة الإخوان المسلمين»، وهي السياسة التي رفضها المستشار مأمون الهضيبي المرشد الذي سبق عاكف لمدة عام ومنع أي عضو في الجماعة من الإدلاء بتصريحات صحفية إلا بالعودة إليه أولاً، واعتبر نفسه هو المتحدث الوحيد باسم الجماعة وكان لا يفوته خطاب أو بيان إلا ودققه بنفسه، بينما أطلق عاكف العنان لكوادر الجماعة للحركة بحرية والتعبير عن الجماعة باعتبارهم سفراءها في أي مكان يحلون به، وربما لم تشهد جماعة الإخوان المسلمين انفتاحا وحراكا سياسيا وتغطية إعلامية لناشطها مثل التي شهدتها في عصر عاكف.
كما شهدت فترة الست سنوات التي قضاها عاكف تطورات مهمة في تاريخ الجماعة، وأبرزت الرجل كشخصية إسلامية ووطنية رفيعة وإن اختلف في تحليلها المتابعون لنشاط الجماعة واستخدمها منافقو النظام الحاكم ضدها ولعل أبرزها تصريحاته بأنه مستعد لإرسال عشرة آلاف مجاهد من الإخوان لمقاتلة الإسرائيليين في جنوب لبنان، وذلك إبان الحرب الإسرائيلية علي بيروت عام 2006، وهو الموقف الذي لم يخرج من أي قيادي عربي أو إسلامي علي مستوي العالم دعماً للشعب اللبناني والذي كان يقود المقاومة فيه حركة حزب الله «الشيعية»، بل ظهرت فتاوي شاذة من دعاة دول النفط وسلفيين مصريين أنه لا يجب مساندة المقاومة اللبنانية في حربهم علي إسرائيل باعتبار الشيعة والصهاينة سواء، ولم يقف أمام هذه الخرافات سوي الفتاوي العاقلة والحكيمة من الشيخ يوسف القرضاوي - رئيس الاتحاد العالمي لعماء المسلمين - والتأييد الإخواني بقيادة عاكف لنصرة المقاومة في لبنان وشاركهم في ذلك كوادر التيارات القومية واليسارية، بل خرجت قواعد الجماعة في مظاهرات مؤيدة للمقاومة ترفع صورا لزعيمها الشيعي اللبناني حسن نصر الله.
إن أكثر ما ميز عاكف عمن سبقوه من مرشدي الإخوان بل ميزه علي معظم أعضاء جماعته جرأته والتي ربما جلبت كثيراً من المشاكل علي الجماعة، ولكن هذه المواقف أبرزت عاكف كشخصية إسلامية وقومية رفيعة الشأن علي المستويين العربي والعالمي، خاصة في موقفه الداعم للقضية الفلسطينية.
وأخذ عاكف موقفا مغايراً لرموز ومتحدثي جماعته في قضية حزب الله في مصر التي اتهمت فيها مصر عناصر من حزب الله اللبناني باختراق قوانين مصر وتقديم الدعم اللوجيستي والعسكري للمقاومة الفلسطينية، إلا أن عاكف قال إن مصر كان واجبا عليها أن تشكر «حزب الله» بدلا من التحقيق مع أعضاء خليته التي ضبطت في القاهرة وقال في مؤتمر صحفي في مقر الكتلة البرلمانية للإخوان: «كان الواجب علي مصر أن تشكر حزب الله بدلا من أن تحقق مع الخلية، التي لم يقصد السيد حسن نصر الله من إرسالها التخريب أو الاعتداء وإنما دعم المقاومة الفلسطينية، وما يقوم به حسن نصر الله من مقاومة لا تستطيع مصر فعله، وقد قصرنا نحن في القيام به».
رغم أن نواب الجماعة أنفسهم انتقدوا موقف «حزب الله» في نفس المؤتمر وفي مجلس الشعب وفي تصريحات صحفية مختلفة معتبرين وجود عناصر الحزب في مصر تجاوزا للخط الأحمر واعتداء علي أمن مصر.
وقد دفعت الجماعة ثمن موقف عاكف من قضية «حزب الله» غالياً، حيث تم اعتقال العشرات من قيادات الجماعة علي ذمة القضية المعروفة بالتنظيم الدولي، وكان علي رأسهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وتناولت وسائل إعلام غربية الجماعة بأنها تدعم كياناً إرهابياً حسب رؤيتهم المقاومة، إلا أن الرجل رفض التراجع عن موقفه.
وقد كانت جماعة الإخوان طوال علاقتها بنظم الحكم في مصر خاصة في عهدي السادات ومبارك تحرص علي أن تكون دبلوماسية في مواقفها وتصريحاتها، إلا أن عاكف خرج وأخرج الجماعة عن هذه الدبلوماسية التي لم تكسب منها شيئا بانتقاداته الواضحة والصريحة والمباشرة لشخص الرئيس مبارك، بل لأول مرة في عهد عاكف تخرج الجماعة عن موقفها السلبي في انتخابات الرئاسة في 2005 ليؤكد عاكف أن الإخوان لن يؤيدوا مبارك وقال «كفي عليه ربع قرن من البقاء في الحكم لم ير المصريون فيها إصلاحا يذكر».
كما انتقد عاكف بشكل صريح سياسات وزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلي، ووجه في كثير من رسائله الأسبوعية انتقادات لجهاز أمن الدولة وهو ما لم يكن يحدث قبل عهده حيث كانت دوما تتلقي الجماعة الضربات الأمنية بالصبر دون حتي الاعتراض. وحاول عاكف تحديث الخطاب السياسي للجماعة والانفتاح علي التيارات والقوي الأخري وبدأ هذه الخطة بعد شهرين من توليه منصب المرشد، إذ أعلن عن مبادرة للإصلاح السياسي الداخلي باسم الجماعة في شهر مارس عام 2004 والتي دعا فيها لاستقلال القضاء ودعا في هذه الوثيقة إلي التحالف بين القوي السياسية قائلا «إن واجب الوقت يقتضي من جميع القوي السياسية والنخب الفكرية والثقافية وجميع المهتمين بالشأن العام أن يلتفوا حول إطار عريض ينطلق من المقومات الأساسية لهذا المجتمع، وأن يتعاونوا في المتفق عليه - وهو كثير - وأن يتحاوروا حول المختلف فيه - وهو قليل - من أجل الصالح العام لهذه الأمة».
ويعد عاكف بحق هو من اخرج جماعة الإخوان من تحت الأرض فقد شهدت فترة ولايته للجماعة تحالفات مهمة خاصة مع اليسار المصري «العدو التاريخي للجماعة» وسمح عاكف لأعضاء الجماعة بالنزول للشارع إلي جوار اليساريين في مظاهرات كانت هي الأكبر حشدا منذ تولي الرئيس مبارك حكم مصر في المظاهرات التي عرفت بمظاهرات الإصلاح لرفض تعديل المادة «76» من الدستور والتي أعقبها تحرك الجماعة الواسع في الشارع حتي استطاعت أن تحشد أصوات الجماهير المصرية في انتخابات مجلس الشعب والتي حصدت الجماعة فيها 88 مقعدا .
وشخصية عاكف يمكن وصفها بأنها كانت بسيطة بشكل كبير، فالرجل الذي يحبه أعضاء الجماعة وقواعدها نظرا لبساطته في التعامل معهم وروح الدعابة التي تسيطر عليه لا يختلف كثير في هذا التعامل مع الشخصيات التي لا يعرفها أو الصحفيين الذين يرغبون في أخذ الأحاديث الصحفية منه، فهو بسيط للغاية وعند زيارتك مقر الجماعة في المنيل يستقبلك مرحبا بك في حفاوة شديدة «أهلا يا وليدي إيه أخبارك؟» وقليلاً ما يرفض عاكف طلب صحفي بالحوار معه، حتي إن رقم هاتفه الشخصي لدي الكثيرين من المهتمين بمتابعة حركة الجماعة ولا يرفض استقبال المكالمات لمجرد التعليق علي حدث خلافا لشخصية الهضيبي الذي كان يتعامل مع الإعلام بحذر.
وقد حاول عاكف أن يظهر بشكل صريح وفضفاض في كلامه ومن السهل أن تعرف أن خطابك معه قد أوصله لحد «النرفزة» التي تبدو علي وجهه بشكل سريع، ففي بداية حواره معك ستجده يتحدث إليك قائلا «يا أخي الحبيب» وما إن يشعر أن أسئلتك لا تحلو له يبدأ حالة من الغضب ويناديك وقتها «لا حبيبي» مقطباً حاجبيه ملوحا لك بيديه وتعلو نبرة صوته ويفتح زر بدلته وتكثر حركته علي المقعد الجالس عليه .
عاكف لا يتجمل في حديثه الذي ما إن يبدأ ينسي أنه رئيس أكبر تنظيم سياسي ودعوي علي مستوي العالم، وتجده يستخدم مصطلحات المصري البسيط غير المعقدة لذلك تجده في تصريحاته وكأنه ليس رجل سياسة.
هذه الطبيعة التلقائية رغم ما جرته علي الجماعة من مشاكل فإن أكسبته مصداقية واسعة لدي الأجيال الشابة وجيل طلبة السبعينيات، إذ تجده يشترك مع عمر التلمساني - المرشد الثالث للجماعة - في الثقة في هؤلاء الشباب والدفاع عنهم لدي القيادات التي تختلف معهم، لذلك عاكف كان أكثر قربا لمجموعة الوسط التي انشقت عن الجماعة في منتصف التسعينيات حتي إن قيادات الجماعة قالت إن بساطته في التعامل مع هذه المجموعة هي السبب الأساسي لهذه الأزمة إذ كان حريصاً عليهم وواثقا في نيتهم بشكل أزعج الأستاذ مصطفي مشهور - المرشد الخامس للجماعة - التي تربي في أحضان التنظيم الخاص والذي أخذ مواقف حادة من هؤلاء الشباب، والذي انتهت بفصل عدد كبير منهم أو استقالة البعض الآخر مثل المهندس أبوالعلا ماضي وكيل مؤسسي الحزب.
وحتي اليوم يقوم مهدي عاكف المرشد العام للجماعة بهذا الدور، فهو لا يحبذ أن تهجر الجماعة العقول المفكرة ويحاول استرضاء الغاضبين من سياسات المجموعة المحافظة التي نفرت عدد غيراً قليل من هذه الشخصيات، فعاكف حاول ترضية النائب البرلماني السابق والمحامي مختار نوح حتي يعزف عن تجميد عضويته في الجماعة، ودعاه أن يكون مستشاراً سياسياً له حتي لا تفقد الجماعة عقلية داهية مثل نوح، بل أشارت مصادر داخلية إلي أن كثيراً ما ساند عاكف عبدالمنعم أبوالفتوح المحسوب علي التيار الإصلاحي في مواقفه داخل مكتب الإرشاد.
عاكف أيضا لم يضجر بانتقادات الشباب للجماعة وكان هو الشخصية الوحيدة التي اعتبرت ظاهرة التدوين الإخواني التي حملت كثيراً من النقد الذاتي للجماعة أنها ظاهرة إيجابية، وقال عن هؤلاء الشباب إنهم يكسرون الحواجز التي وضعها الأمن لتقويض عمل الجماعة وفكرها.
بل انصاع عاكف بشكل كبير لطلبات الشباب الذي أعلن عن غضبه من موقف الجماعة من إضراب 6 أبريل، ودخل في خلاف مع عدد من أعضاء مكتب الإرشاد حتي استطاع أن يضغط عليهم للموافقة علي المشاركة في إضراب 4 مايو رغم عدم دراسة المشاركة من الناحية السياسية، وافق عاكف حرصا علي هؤلاء الشباب الغاضب والذي أعلن عدد منه المشاركة حتي لو رفضت الجماعة.
ورغم تقبل عاكف النقد بصدر رحب فإنه يصر علي وجهة نظره وخاصة في الفترة الأخيرة التي قرر فيها ألا يجدد ولايته علي منصب المرشد مما دعاه لاتخاذ إجراءات شكلها العام ديمقراطي وتجديدي للجماعة إلا أن تنفيذها أغضب الكثير من الإخوان في تسريعه إجراءات انتخابات مكتب الإرشاد وكذلك في اختيار خليفته علي المنصب مما دعا الكثير من قيادات الصف الأول وأعضاء في شوري الجماعة إلي انتقاد هذه الإجراءات والطعن عليها، بل وصل الأمر لتذمر نائبه الأول الدكتور محمد حبيب الذي رفض المشاركة في الانتخابات نظرا لاستئثار عاكف بإجرائها، ومع ذلك لم ير عاكف أنه يقوم بأي مخالفة في هذه الانتخابات بل انتقد قيادات الجماعة التي توجهت بطعونها وشكواها للإعلام، وقال: إن شئون الجماعة خاصة ولا يجب إطلاع أحد غيرها عليها، ويقول مقربون من عاكف إنه كان يشعر خلال الفترة الماضية بأنه يجهز عروسا من خلال هذه الانتخابات وكان سعيدا لقدرته علي أن يُفعّل مجلس شوري الجماعة لأول مرة منذ 15 عاما تعطلت فيه كل صلاحياته وأنه قد فعل مبدأ الشوري في الجماعة.
إلا أن فرحته بهذا الحراك الداخلي في الجماعة لم تشعره بأصحاب المصالح والمخالفات الجسيمة التي ارتكبت خلال هذه الانتخابات حسب قياديين في الجماعة، حيث قالوا إنه تجاوز حق مجلس الشوري الجديد الذي تبدأ ولايته في يونيو القادم باختيار مكتب الإرشاد الجديد الذي سيتعامل معه.
إلا أن بساطة عاكف في التعامل جعلته ينظر للأمور بأقل من حجمها الحقيقي فهو يشعر دائماً بأنه أب للعائلة الإخوانية وما قام - وهو مخلص فيه - سيكون فيه الخير لهذه الجماعة وأن المختلفين معه سيعودون مرة أخري للعمل في حظيرة الدعوة، ولعل أبرز ما يدل علي ذلك هو استقباله البشوش للدكتور إبراهيم الزعفراني عقب تقديمه طعناً علي انتخابات مكتب الإرشاد وطلبه بإعادة إجرائها من جديد، فاستقبله عاكف في حفل غداء أقامه الكاتب الصحفي محمد عبدالقدوس في منزله بحضن كبير وظل لوقت طويل يتحدث إليه واضعا يده علي كتف الزعفراني.
لقد بلغ تسامح عاكف العنان، فالرجل رغم اختلافه مع ما تتناوله الصحافة عنه وعن جماعته ورغم اختلافه عما يطرحه كاتب هذه السطور في أحيان كثيرة، فإنه لم يغتال أحداً بسهام قليل من قيادات الإخوان التي تري أن كل المختلفين معها أعداء لهذه الدعوة، لم يطلق أبدا عاكف مثل هذه السهام وكان يفرق بين من يتعاملون مع الأمن وأرزقية هذا الملف وبين الصحفيين والمحللين الذين إن اختلفوا لم يطعنوا هم أيضا في إخلاص هذه الجماعة ومرشدها.
ربما لن يجد الإخوان المسلمين مرشدا بسعة قلب عاكف ولن يجدوا كاريزما قوية تعبر عن الجماعة قدر ما عبر عنها هذا الرجل ولن يجد الإخوان شخصا متسامحا مع نفسه ومع كل من يتعاملون معه مثل عاكف.
فعاكف قد جمع كل الصفات الحسنة في المرشدين السابقين للجماعة، فستجد فيه شباب حسن البنا وجرأته وتجد فيه حكمة حسن الهضيبي وتسامح التلمساني وانفتاحه وطيبة وورع حامد أبوالنصر وشكيمة مصطفي مشهور وحدة مأمون الهضيبي، وسيظل عاكف «أيقونة» إخوانية فريدة من نوعها في تاريخ هذه الجماعة بما حملته من خصال ومواقف شجاعة وبما قام به مما اعتبره الكثير من المحللين أخطاء، ولن تجد الجماعة مرشدا يجمع قدراً مما كان في عاكف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.