من المؤكد أن التاريخ قد أثبت لنا أن أى حاكم فى الدنيا، من شرقها إلى غربها، أساء إلى الشعب الذى يحكمه إلا ونال الجزاء الأوفى على ما قدم من إساءات.. الصحيح سيئات فى حور الشعب، المغلوب على أمره دائما، بدءا من التعذيب إلى السجن إلى الإعدام.. وكلها من أفانين الشيطان المكير الذى تسلط على عقول أمثال هؤلاء الحكام المستبدين والطغاة، والذى وجد فيهم حقلا خصبا لممارسة غواية الشر المستأصل فى نفسه!! وألغوا هم أى الحكام عقولهم وضمائرهم، ولجوا فى طغيانهم!! ولكن إرادة الله تعالى العليا الذى خلق الخلق أحرارا، ونفخ فيهم من روحه القدسية لا يترك أمثال هؤلاء الطغاة طويلاً، إنه قد يتركهم لبعض الوقت، لعلهم يعودون إلى الصواب والخير، ويكفرون عن سيئاتهم.. فإذا تمادوا فى الظلم والجور والعسف والبطش والتنكيل، فإنه تعالى يضع حدا قاطعا رادعا لكل ما ارتكبوه من شرور وآثام وجرائم.. فهو تعالى الكريم الودود، والجبار المتعال، إذا أخذ الظالم لم يفلته، إنه تعالى يمهل ولا يهمل.. وكل شىء عنده بمقدار، وعنده الجزاء الأوفى.. وبرغم كل ما عجت به كتب التاريخ من نهايات حتمية للمستبدين والطغاة، وما آلوا إليه من مصائر مرعبة، فالبشرية مازالت تعانى من أمثال هؤلاء المستبدين والطغاة.. وكأنهم لم يقرأوا كتب التاريخ وسير الشعوب والأمم.. وحتى من قرأ منهم فقد ترك ما قرأ وراء ظهره، ولم يعد يستمع لنصح ناصح أمين، أو مستشار مخلص، خدره فى أدب العارفين بالنهايات السوداء والمصير المؤلم للظلم.. وربما دفع بعض هؤلاء الناصحين الأمناء أو المستشارين المخلصين حياته ثمنا لما قدمه من نصح وأمانة، وكان لا ينعى من ورائه إلا سيرة الإصلاح والعدل.. وكما حفلت كتب التاريخ بسير المستبدين والطغاة، فقد أمتلأت كذلك بسير أهل العدل والحق والخير والجمال من الحكام الأمناء.. ولكننا لا نرى فى زماننا أو عصرنا هذا من يتخذ من أهل العدل قدوة له ومثالا يحتذى!! فقد استمرأ الكثير منهم غوايتهم الشريرة فى التنكيل بالشعوب التى أولاهم الله تعالى حق رعايتها.. حتى إذا فاض الكيل، وملأت صرخات المظلومين جنبات السماء، نزع الله تعالى منه الملك، وجعله عبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد.. كما حدث مع فرعون، موسى عليه السلام الذى نجاه الله تعالى وقومه من جبروته، وأغرقه، فكان مثالا وعبرة لأولى الألباب.. بقول الله تعالى: «وجاوزنا بنبى إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون» (يونس 90- 92). ولكن أوزوريس حامى الموتى، لا يأبه كثيرا بأمثال هؤلاء الشياطين.. فليذهبوا إذن إلى الحجيم، وهم الذين كانوا يريدون من الناس أن يقولوا فقط.. آمين. فليت كل حاكم يدرك الصواب، قبل فوات الآوان، وخراب مالطة!! والله من وراء المقصد.