على الرغم من موجة البرد العاتية وعاصفة الجو الترابية التى تضرب البلاد، وقفت مجموعة من زهور مصر الأصيلة والحقيقية والمحروسة بسماحتها ومحبتها وتدينها الأزلى على باب كنيسة صغيرة فى حى شبرا الشعبى تنتظر خروج المصلين ليلة مولد السيد المسيح، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. هذه المجموعة هى الفتيات الرائعات من المسلمات المحجبات صغيرات السن كبيرات العقل عظيمات الشعور رقيقات الإحساس يقدرن معنى الوطن ومعنى الإنسانية ويَعِين الإسلام عن كثير من تجار الدين الذين ابتلينا بهم وبغثائهم المحرق للأوطان. وقفن متحديات الرياح العاتية والأتربة والبرد القارس بجوههن البريئة المنحوتة بجمال الوطن وحسن المودة وسماحة الدين، يحملن على قدر بساطتهن ومقدرتهن المادية فى عصر غلاء النهضة المدمرة، أطباقًا عامرة بكعك العيد الشهير، وحلوى تشبه رقتهن، وورودًا متنوعة، وبحكمة بالغة ووطنية صادقة واضحة، قالت إحداهن "وقوفنا هنا فى تلك الأجواء العاصفة يرمز إلى موقف المصريين الأصيلين المعتدلين فى وجه الشطحات الدينية المتطرفة والسقطات السياسية المنحرفة". انحراف بعض جهلاء التدين الظاهرى فى مصر فى الآونة الأخيرة لا يعنى بأى حال من الأحوال انحراف الأصالة المصرية التى طالما احتضنت أمشاجا من كل البلدان والأديان وصهرتها فى سبيكة مصرية فريدة. تلك الزهور المصرية والورود البلدية الأصيلة قاسين درجة حرارة قاربت خمس درجات مئوية، لتهنئة المصلين فى أثناء خروجهم من الكنيسة، تلك هى مصر الأصيلة، مصر التى لفظت التشدد والتطرف ومقتت الإرهاب بكل صوره. تجلَّت أصالة مصر أيضًا فى الأسبوع المنقضى، أسبوع أعياد المواطنين المصريين المسيحيين، فى باقات من التهنئة الجماعية والفردية، المخصصة للأصدقاء والموجهة لعامة المصريين المتابعين وسائل التواصل من فيس بوك وتويتر وغيرهما، متحدية فتاوى ما يسمى بالجمعية الشرعية للحقوق والإصلاح ذات التوجه السياسى المغلف بمسحة سلفية، تلك الجمعية التى استقال من رئاستها فضيلة العلامة نصر فريد واصل، لما لمسه من تشدد وتطرف يبرأ منه الإسلام السمح العظيم. أفتت تلك الجمعية بتحريم تهنئة أشقاء الوطن من المسيحيين ولم تنبس ببنت شفة تجاه ما صرح به عصام العريان من مطالبته بعودة الصهاينة إلى مصر وتناست أيهم أقرب لنا كمسلمين، إن تحدثنا بمطنقهم وكفرنا بالوطن والمواطنة! حيث قال تعالى "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ"، لعنة الله على السياسة عندما تصير دينًا، ولعن الله قومًا ضاع الحق بينهم، أيهم أقرب لنا المسيحى المصرى الذى يحيا فى وطنه ويدافع عنه وينتج من أجله ويختلط دمه بدماء أخيه المسلم أم الصهيونى الذى قتلنا واحتل أرضنا! هل من أجل رضاء أمريكا نخرس عن الحق ونبارك الباطل ونخالف كتاب ربنا الذى نؤمن به! هل من أجل كسب أصوات المتشددين فى الانتخابات المقبلة تتحد قوى المتاجرة بالدين كيدًا للمعارضة الوطنية التى تشوه ويطعن فى دين أصحابها الموالين للنصارى!!! تدمرون وطنًا من أجل الحكم، ألا ساء ما تحكمون! ترى إذا أصيب أحدهم فى حادث، لا قدر الله، ونقل له دم، أيضمن أن دماءه لم تختلط بدم مسيحى؟ أترى لو حاربنا غدًا عدونا وعدو الإنسانية من الصهاينة أتراه ينزوى ويقول لن أحارب بجوار المسيحيى؟! هل نعلّم أطفالنا فى طابور المدرسة معنى الوطنية بلادى بلادى أم هلالى هلالى؟! أم صليبى صليبى؟! هل نتحزب وننقسم جزرًا متقطعة وندمر وطنًا تماسك وتعايش لألوف السنين؟ هل ننساق وراء دول عمرها السياسى لا يتجاوز عمر صحيفة مصرية عريقة مثل الأهرام التى أسسها اثنان من نصارى الشام، ثم مصَّرتهما المحروسة بسماحتها ومحبتها؟! ربنا الطف بنا وارحمنا برحمتك من تطرّف ومتاجرة البعض بالدين.