من الأشياء المُنَفِّرة في مجتمعاتنا أننا نمتلك هوية وَأْد البهجة، وعلى الفور نستدعي الميراث العرفاني ونعكسه آية فهمه وسبب قوله ونطلق عنان الرزالة وثقل الدم في فرض الجهامة والعتمة في وجوه الناس بالقول إن كثرة الضحك تميت القلب. لم يسأل "الفلحوص" ناقل ومردد العبارة التراثية، ما سبب الضحك؟ لعله يعرف ثم يفهم ويضحك مع الضاحكين. وأعتقد كما رأيت في بلاد الله ومع مختلف الألسنة واللغات واللهجات أن الضحك مرده الأساسي الفهم، أي تعارف، فابتسم ثم ضحك. والمعنى تحاور، ففهم ثم تعايش! لكن نحن الجماعة البشرية التي تعيش في المنطقة العربية ووادي النيل، تلك الفئة من البني آدميين تنسى آدميتها والهدف من الطينة التي نفخ الله من روحه فيها بأن لا تقسى على روحها وتبذل كل ما في وسعها لتهجير فكر القتامة والانعزال والتقوقع والخمول. نسينا الهدف من خلقتنا وعملنا بكل جهد تتعجب منه كل الأمم أن لا نرتقي أبدا في صيغ ضحكتنا الكاشفة عن مدى استيعابنا للمحاورة والمجاورة والمفهومية. بالعكس تفردنا في تصدير صورة عكرة عن وجوهنا وسلطتنا ومنطقتنا وأهالينا. إن أصل وجودنا نحن في هذه المنطقة العربية بأديانها السماوية ودينها الخاتم من أجل أن نفكر معا ونصل لحلاوة الدنيا معا، لنرى بعين الجمال اكتمال الرزق الطيب الحلال، في ماذا؟ في التحاور المؤدب الذي يحمل في جوهره وسطحه قيمة الاختلاف وليس الخلاف. أي من الممكن أن أضيف لك أو أصحح لك معلومة أو أعلمك مهارة أو قيمة من الممكن أن تكون غائبة عنك، وهكذا يكون معنى الاختلاف للاكتساب وليس للتناحر والاحتراب. وهذا يحقق المعادلة القرآنية في (جعلناكم قبائل وشعوبًا لتتعارفوا)، وهذا المعيار في الاختلاف يجب أن يكون بين الأصدقاء والأسرة الواحدة وليس فقط بين القبائل أو الدول. إن الاختلاف بهذا المعنى يعد زرقا. لكن الحاصل أننا نضيع على أنفسنا هذا الرزق، لأننا لا نرى الخير الذي سيأتي من وراء هذه القيمة المهملة أو لنسميها الفريضة الغائبة في واقع حياتنا العلمية والروحية. وعندما ننظر إلى الحلقة الأضيق نجد كما من قلة الأدب و"الجليطة" في ردود الناس على بعضها في تبادل الاتهامات والتلاسن، و"التنطيط على بعض"، وفرض الوصايا على الأضعف أو الأصغر. ورد ذلك يرجع إلى عدم الفهم الناتج عن عدم التحاور لأن الاختلاف غير مقبول. نسخ كربونية فقط هو المطلوب؟! ليس مطلوبا أن نمجد أو نقدس كذلك ستكون الحياة قميئة إذ جلسنا نصفق بعضنا لبعض طول الوقت؛ فالتعايش يحتاج المحافظة على رزق المودة بيننا. الحوار والفهم والبهجة. هذا الثالوث في اعتقادي أسمى آيات النصوص المقدسة التي يجب أن تكون نبراس عقولنا وأرواحنا. فلا تستهينوا بمكر (ن والقلم وما يسطرون)...