اسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 205فى اسواق ومجازر المنيا    أسعار الذهب تستعيد مستوى 4 آلاف دولاراً للأونصة    أسعار مواد البناء اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    وزيرة التخطيط تشارك في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالسعودية    الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع ترتكب فظائع وانتهاكات خطيرة في الفاشر وكردفان    وزير الخارجية يبحث مع كبير مستشاري «ترامب» تطورات الأوضاع بالسودان وليبيا    حبس المتهمين بالتنقيب عن الآثار في المرج    رئيس الوزراء يفتتح مشروع تطوير سوق العتبة بوسط القاهرة    آخر فرصة لحج القرعة 2025.. خطوات التقديم أونلاين من البيت قبل غلق الباب اليوم    محافظ أسيوط: شاشات عرض بالمراكز والأحياء لمتابعة افتتاح المتحف المصري الكبير    نزلات البرد في فصل الشتاء.. المرض الموسمي الذي لا يرحم الكبار ولا الصغار    قنديل: استاد الأهلي سيُبنى وفق أحدث المعايير والتقنيات الحديثة    كرة اليد، موعد مباراة مصر والمغرب في كأس العالم للناشئين    رد فعل أحمد شوبير على أزمة مشاركة نبيل دونجا فى السوبر المصرى    صعود جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات الثلاثاء    آداب حلوان تستقبل الطلاب الوافدين البلغاريين    الجيزة تواصل استعداداتها المكثفة لافتتاح المتحف الكبير.. سباق الزمن لإظهار الوجه الحضاري لمصر أمام العالم    ماذا قال المتهم بنشر «بوست» عن واقعة وهمية لخطف طالبة؟    ضبط 4 أطنان سوداني ملون بمادة مصنعة من سم الفئران في الشرقية    مصرع موظف ببنك فى حادث تصادم بين سيارتين بالمنوفية    زلزال بقوة 3.5 درجة يضرب مقاطعة "لاجونا" الفلبينية    ذات يوم 28 أكتوبر 1944.. دفن شاه إيران «الأب» رضا بهلوى بمسجد الرفاعى.. والشاه «الابن» يتهم الملك فاروق بسرقة سيف والده المرصع بالأحجار الكريمة والمدفون معه    الإعصار ميليسا يتحول إلى الفئة الخامسة قبالة سواحل جامايكا    عيادة ثابتة و5 سيارات خدمات متنقلة أبرزها، خطة التأمين الطبي لافتتاح المتحف المصري الكبير    المتحدث باسم حماس: إسرائيل تكذب بشأن مساعدتنا.. وبعض جثامين أسراها قد تكون في مناطق تسيطر عليها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة قنا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بوتين ووزيرة خارجية كوريا الشمالية يتعهدان بتعزيز العلاقات الثنائية    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة قنا    رابط حجز تذاكر المتحف المصري الكبير.. احصل على تذكرتك    موعد بداية شهر رمضان 2026 وأول أيام الصيام فلكيًا    مستشار وزير الثقافة: مصر تسجّل 10 عناصر تراثية في اليونسكو بينها السيرة الهلالية والأراجوز    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 (متى تبدأ إجازة نصف العام لجميع المراحل التعليمية؟)    بعد حلقة الحاجة نبيلة.. الملحن محمد يحيى لعمرو أديب: هو أنا ضباب! أطالب بحقي الأدبي    القنوات الناقلة لمباراة النصر ضد الاتحاد في كأس خادم الحرمين الشريفين.. والموعد    جاهزون.. متحدث مجلس الوزراء: أنهينا جميع الاستعدادت لافتتاح المتحف الكبير    ترامب يتوقع زيارة الصين العام المقبل ويرجح استقبال «شي» في أمريكا    تحرك طارئ من وزير الشباب والرياضة بعد تصريحات حلمي طولان (تفاصيل)    استقبال رسمي مهيب، لحظة وصول شيخ الأزهر إلى قصر الرئاسة الإيطالي في روما (فيديو)    زاهي حواس: المصريون القدماء عرفوا القائمة وتعدد الزوجات (فيديو)    موسكو تفند اتهام واشنطن لها بنيتها البدء بسباق تسلح نووي    «لاماسيا مغربية» تُبهر العالم.. وإشراقة تضيء إفريقيا والعرب    #عبدالله_محمد_مرسي يتفاعل بذكرى مولده .. وحسابات تستحضر غموض وفاته ..فتش عن السيسي    الزناتي يشارك في احتفالية اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    رئيس محكمة النقض يزور الأكاديمية الوطنية للتدريب    تصل إلى الحرائق.. 6 أخطاء شائعة في استخدام الميكرويف تؤدي إلى كوارث    مفاجأة.. الزمالك يفكر في إقالة فيريرا قبل السوبر وتعيين هذا المدرب    درس في المرونة وتقبل التغيرات.. حظ برج الدلو اليوم 28 أكتوبر    «الداخلية» توضح حقيقة زعم أحد المرشحين بالأقصر تعنت مركز شرطة القرنة في الإفراج عن نجله    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء محاولة اختطاف فتاة في أكتوبر    «Gates»: انضمام «عز العرب» إلى عملائنا بمقر رئيسى في «Space Commercial Complex»    أبوريدة يحسم الملفات الحائرة بالجبلاية.. المفاضلة بين ميكالي وغريب لقيادة المنتخب الأولمبي    ذاكرة الكتب| تدمير «إيلات».. يوم أغرق المصريون الكبرياء الإسرائيلى فى مياه بورسعيد    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    بعد مأساة الطفل عمر.. كيف تكشف لدغة ذبابة الرمل السوداء التي تُخفي موتًا بطيئًا تحت الجلد؟    انتبه إذا أصبحت «عصبيًا» أو «هادئًا».. 10 أسئلة إذا أجبت عنها ستعرف احتمالية إصابتك ب الزهايمر    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النور حكايات من دفتر مشايخ أمن الدولة

كيف نجح الإخوان في تفخيخ ذراع السلفيين السياسية ب «نيران صديقة»؟
تفاصيل استعانة «الشاطر» بأحد مؤسسي الدعوة السلفية لنشر نار الخلافات بين «أصحاب اللحى»
في الأيام التي تلت أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، بات من الواضح جدا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن وحدها التي اتخذت قرار ركوب الثورة، وجنى مكاسبها، فقد كان السلفيون أيضا اتخذوا قرارهم وعقدوا النية على مزاحمة جماعة البنا في "تورتة السلطة"، وفجأة انقلب السلفيون على كل ما يؤمنون به من مبادئ وما يرفعونه من شعارات، وبدلا من مقاطعة الانتخابات بدعوى أنها "بدعة" وفيها مخالفة شرعية واضحة لمبدأ "الشورى" الذي أقره الإسلام، حلت أبجديات جديدة في خطاب الدعوة السلفية، ترى أن "الضرورات تبيح المحظورات" وأن "ما لايدرك كله لايترك كله ".. وكان ذلك هو الخطوة الأولى في تخلى السلفيين عن مبادئهم، وخروجهم من حالة العزلة التي فرضوها على أنفسهم، وتفكيرهم في إنشاء حزب سياسي، منبثق عن الدعوة السلفية، بعد أن فاجأ الشباب في 25 يناير قيادات الدعوة بالإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فالشيوخ لم يعتقدوا يوما أن التغيير يمكن أن يولد من رحم السياسة، ولذا نددوا بالحدث في البداية بوصفه فتنة، وحثّوا أتباعهم على عدم الانخراط في الاحتجاجات.
ولم يلتحق السلفيون بركب التغيير إلا قبل أيام قليلة من سقوط مبارك، ومثلما حدث مع جماعة الإخوان، التي تعرّضت قيادتها إلى انتقادات داخلية، بسبب عدم اقتناعها بالثورة في أول أيامها، شهدت الدعوة انتقادات داخلية مماثلة.
قبل 25 يناير كان هناك اتفاق غير مكتوب بين الأجهزة الأمنية والسلفيين شعاره "لكم المساجد طالما ابتعدتم عن السياسة"، شعار وجد فيه السلفيون ملاذا آمنا بعيدا عن التضييقات الأمنية التي كانت تمارس ضد الجماعات الدينية صاحبة الفكر المتشدد، ولم يضع السلفيون لا الوقت ولا الفرصة وانطلقوا في ربوع مصر، وسيطروا على أغلب المساجد والزوايا، وتمكنوا من الوصول إلى القاعدة العريضة من المصريين، وهو ما ساعدهم على الحصول على ثانى أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في أول انتخابات بعد الثورة.
ظل السلفيون على عهدهم مع الأجهزة الأمنية، وابتعدوا تماما عن السياسة، بل إنهم كانوا يحذرون شبابهم من الاقتراب منها ويعتبرونها رجسا من عمل الشيطان، ووصلت العلاقة بين الأمن والسلفيين إلى مرحلة تقارب غير مسبوقة، وتولى جهاز أمن الدولة وقتها مهمة ترويض السلفيين والتواصل معهم، واستخدامهم في حل كثير من المشكلات التي كانت تنشأ في بعض القرى، وأغلبها كان في قضايا الفتنة الطائفية التي كانت تشتعل من وقت لآخر.
وبعد أيام قليلة من الإطاحة بمبارك رأى السلفيون أن معطيات الواقع الجديد تفرض عليهم تأسيس حزب سياسي واعتبروه ضرورة من ضرورات المرحلة، وكان القيادي السلفي عماد عبدالغفور -طبيب- قد لعب دورًا حاسمًا في تأسيس الدعوة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وهو مهندس عملية إنشاء الحزب الجديد، وكان الهدف من إنشاء الحزب أن يكون للسلفيين دور في عملية الانتقال، وتحمس عبدالغفور ومعه قطاع كبير من شباب الدعوة للفكرة، وبدأ سلسلة لقاءات مع المشايخ، وأقنعهم في نهاية المطاف بالسماح بتشكيل حزب النور وتولى هو رئاسته.
تضمن برنامج حزب النور روح التيار السلفي في الحفاظ على هوية الدولة وثوابتها، ومرجعية الشريعة الإسلامية التي نص عليها الدستور، وتحقيق التوافقية المجتمعية والاهتمام بالطبقات التي تعاني من الفقراء والمهمشين، ليلقى ترحيبا واسعا من السلفيين، وانضوى تحت رايته العديد من أبناء الحركات الإسلامية التي تمكنت الأجهزة الأمنية في عهد مبارك من تفكيكها، فضلا عن الهوى العام المتقبل لذلك النوع من الساسة أصحاب اللحى والجلباب القصير، ودخل في تحالف مع القوى الإسلامية ذات التواجد الأقوى تنظيميا وانتشارا في ذلك الوقت، ليحقق نجاحات متتالية ترفع من أسهم الحزب ومدى تأثيره.
كان واضحا أن حزب السلفيين لم يتم تأسيسه على أسس ديمقراطية واضحة، فرغم أن عبدالغفور كان هو رئيس الحزب إلا أن كافة الخيوط كانت في أيدي الدعوة السلفية ومشايخها، ولم يكن باستطاعة رئيس الحزب الموافقة على قرار أو الاعتراض عليه قبل الرجوع إلى كبار المشايخ واستطلاع آرائهم، ومنذ اللحظة الأولى بدا أن «النور» له رأسان لكن الحل والعقد كان في أيدي الشيوخ.
وفى أول استحقاق انتخابي بعد 25 يناير برز "النور" كثاني أكبر القوى الحزبية في مصر بعد الفوز بنحو 22% من مقاعد مجلس الشعب، في أول انتخابات تشريعية يخوضها الحزب.
صعود السلفيين في المشهد السياسي وتحقيقهم مكاسب انتخابية هائلة في الانتخابات البرلمانية، أثار حنق وغضب الإخوان، الذين رأوا في حزب النور خطرا على مستقبلهم السياسي، خصوصا أن الحزب يبيع نفس بضاعتهم، ويرفع تقريبا نفس الشعارات، ويزاحمهم في القرى والنجوع، ومن هنا فكر الإخوان في طريقة للخلاص من صداع السلفيين، وكان القرار تفخيخ حزب النور من الداخل، وضرب قواعده ب"نيران صديقة"، ووجد مسئولو الجماعة ضالتهم في الدكتور عماد عبدالغفور رئيس الحزب، الرجل المقرب منهم، والذي اختاره الرئيس الإخوانى محمد مرسي مساعدا له، وعهد إليه بملف التواصل المجتمعي، وأعطى خيرت الشاطر النائب الأول لمرشد الإخوان وقتها تعليمات مشددة بتقديم كافة وسائل الدعم لعبدالغفار في محاولة لضرب «إسفين» بينه وبين قيادات الدعوة السلفية.
كان عبدالغفور مفتونا بالإخوان، ومعجبا بقدراتهم التنظيمية، وبمرونتهم السياسية، واستعدادهم للتنازل عما يؤمنون به مقابل مكاسب سياسية للجماعة، وهو ما سهل من استغلاله لإحداث انقسام داخل الحزب السلفي.
كان الإخوان في ذلك الوقت يمتلكون المال والسلطة، مرشحهم في الانتخابات الرئاسية وصل إلى سدة الحكم، ويشكلون الأغلبية المطلقة تحت قبة البرلمان، ورئيس الحكومة يأتمر بأمرهم، وبدلا من الاستفادة من التجارب السياسية السابقة في دعم وإنشاء حياة حزبية قوية سارت الجماعة على خطى نظام مبارك، وسارعت إلى اللعب في الأحزاب، والتدخل في شئونها الداخلية لتفكيكها وإضعافها وإشغالها في معارك بعيدا عن الجماعة.
وجد الإخوان الفرصة مواتية بعد أن دب خلاف حاد بين رجل الدعوة السلفية القوى ياسر برهامي النائب الأول لرئيس الدعوة، ورئيس حزب النور الدكتور عماد عبدالغفور، بعد أن أثارت المكاسب الانتخابية الضخمة التي حصدها الحزب، اهتمام برهامي الذي لم يؤمن في البداية بمشروع إنشاء حزب سياسي، لكنه بات مقتنعًا بأن حزب النور يمكن أن يشكّل أداة فاعلة في أيدي الدعوة تستغله في تحقيق ما تصبو إليه، لكنه كان في حاجة إلى السيطرة الكاملة على الحزب، وكان يرى ذلك عين العدل، لأنه اعتبر أن الفضل الأكبر في الإنجازات التي حققها حزب النور سببها النفوذ الذي تتمتع به شبكات الدعوة السلفية، وليس جاذبية الخطاب السياسي كما كان يقول عبدالغفور وقتها، وهكذا انقسم الحزب في العام 2012، إلى فريقين: أتباع رئيسه عبد الغفور وأتباع برهامي، رجل الدعوة القوى.
لم ينحصر الانقسام حول الصراع على السلطة بين عبد الغفور وبرهامي فحسب؛ بل كانت هناك مسألة أعمق على المحك، فقد أراد عبد الغفور ومعاونوه أن يكون حزب النور حزبًا سياسيًا منفصلا تماما عن الدعوى السلفية، شأنه في ذلك شأن جميع الأحزاب الأخرى ما يعني تبنّيه بالكامل لقواعد اللعبة السياسية.
كان "النور" لايزال يعتبر نفسه حزبًا دينيًا، لكنه كان منفتحًا على كوكبة من التحالفات، من أجل تحقيق أهدافه والانضواء تحت لواء الحكومة مع برنامج سياسي قابل للتطبيق، وعَمَدَ عبد الغفور إلى تشكيل فريق من الأكاديميين غير السلفيين في معظمهم لوضع البرنامج، واعتبر أن من غير الممكن تحقيق الهدف الذي يصبو إليه إلا عبر جعل الحزب منفصلًا بالكامل عن الدعوة.
لكن برهامى كان له رأي آخر، وكان ينظر إلى "النور" نظرة مختلفة، ويرى أن مكاسب الحزب يجب أن تعود بالفائدة على الدعوة السلفية، وأن على مواقف الحزب أن تضع مصلحة الدعوة فوق كل اعتبار.
كان برهامي سعيدًا بفكرة أن حزب النور يضغط، بقدر الإمكان، لاعتماد تشريعات مستندة إلى الشريعة، لكن بشرط أن يكون ذلك على حساب الدعوة، ولم يكن رجل الدعوة السلفية القوى مستعدا ليُطل على حزب النور كحزب سياسي عادي؛ بل اعتبره قبل كل شيء ذراع الدعوة الضاغط لتحقيق مكاسبها.
وصل الخلاف بين برهامى وعبدالغفور إلى ذروته، وبدأ الأول ينتقد بشكل واضح تصريحات رئيس حزب النور التي يؤكد فيها انفتاح الحزب على الفرقاء السياسيين من كافة التيارات حتى غير الإسلامية منها، وترحيبه بانضمام الأقباط إلى صفوف "النور" بل والترشح على قوائمه، واستخدم برهامى فتاواه الدينية لتذكير شباب السلفية بالخطوط الدينية الحمراء التي لايمكن تجاوزها بأى حال من الأحوال.
في نهاية عام 2012، باتت الانقسامات في صفوف حزب النور أكثر وضوحًا، فقد بدأ أتباع عبد الغفور يتهمون برهامي بالتدخّل في شئون الحزب، عبر الضغط لتعيين كوادر بعينها من الدعوة السلفية في مناصب إدارية رفيعة. وبما أن حزب النور كان يتجه إلى إجراء انتخابات داخلية في خريف ذلك العام، كان الهدف المتبادل من كل فريق هو إقصاء الآخر بالانتخابات.
وللتعبير عن احتجاجهم، شكّل أتباع عبد الغفور "جبهة إصلاحية" داخل الحزب، طالبوا من خلالها بالفصل بينه وبين الدعوة السلفية، وهذا ماكانوا يصرّون عليه طوال عام إنما ليس في العلن.
وفي سبتمبر 2012 تصاعدت وتيرة صراع الجبهتين، مع قيام شخصيات موالية لبرهامي بالإعلان عن إقالة عبد الغفور من الحزب ليرد الأخير وحلفاؤه بأنهم بصدد مغادرة الحزب وإنشاء حزبهم السياسي الخاص حزب الوطن، الذي يحمل شعارَي "فصل السياسة عن الدعوة" و"تفضيل الكفاءة على الولاء للشيوخ".
وبعد ما يقرب من عامين من الصراعات انتصرت جبهة برهامي في نهاية المطاف على مجموعة عبد الغفور، وتم انتخاب يونس مخيون أحد المقرّبين من برهامي رئيسًا للحزب بالتزكية، ليصبح حزب النور رسميا الذراع السياسي للدعوة السلفية.
وفي شهادته عما جرى في حزب النور والدعوة السلفية وصعود ياسر برهامى وامتلاكه لكافة أوراق اللعبة يقول محمود عباس أحد أعضاء «النور»: لم يكن ياسر برهامي معروفا ولا يملك من الشهرة سوى القليل، ولا يلتف حوله سوى عدد قليل من السلفيين بمحيط مدينة الإسكندرية معقل الدعوة السلفية، ولم يكن يظهر إلا نادرا في بعض القنوات الدينية، فالرجل عمل في الخفاء لسنوات وسنوات وما ظن يومًا أنه قد ينال من الشهرة مساحة أكبر من تلك التي يتخذها بين مريديه في الإسكندرية، لكن بعد النجاحات التي حققها الحزب في الانتخابات البرلمانية رأى برهامي فيه وسيلة لكسب مزيد من الشهرة وتحقيق مزيد من المصالح للدعوة السلفية"
وأضاف:«تحول المزاج العام المتقبل للتيار الديني من النقيض إلى النقيض جراء إخفاقات جماعة الإخوان التي تصدرت المشهد السياسي، وباتت في سدة الحكم وارتفعت الأصوات الغاضبة ضد الجماعة وممارساتها، وأدرك "برهامي" الأمر سريعا، ومسك خيوط اللعبة، وأراد أن يبتعد عن المعركة الوجودية التي أرادت الإخوان أن تجر قدم السلفيين إليها».
وفقا لشهادة عباس: أرادت جماعة الإخوان أن تستأنس الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور، وأن يمثلا معا القوة الضاربة في البرلمان، وجاءت لحظة اختبار عماد الدين عبدالغفور «رئيس الحزب في ذلك الوقت» حيث عرض عليه رئيس الجمهورية آنذاك محمد مرسي منصب المساعد لملف التواصل المجتمعي، وقبل عبدالغفور المنصب ليبدأ "برهامي" في خطته لاختطاف الحزب"
ويقول "عباس" أحد أعضاء جبهة إصلاح الحزب التي انضمت إلى جناح عبدالغفور:" برهامي بدأ خطة السيطرة باستبعاد مؤسسى الدعوة السلفية من مجلس إدارتها كالشيخ محمد إسماعيل المقدم، وأحمد حطيبة، وأحمد فريد، كما أمر تلاميذه بالاستيلاء على كل المناصب داخل الحزب، وطرد أغلب المؤسسين وترك من ليس لهم أنياب، وهنا ظهر دور عدد من القيادات التي أصبحت فيما بعد تمثل جبهة "برهامي" وعلى رأسهم الشاب الذي كان معروفا في الأوساط السلفية بالطفل المدلل لبرهامي "نادر بكار" وهو الشاب الثلاثيني الذي جاء من العدم، ليصبح أحد هؤلاء الكبار داخل الحزب، ويعود ذلك إلى زواجه من ابنة بسام الزرقا أحد أكبر الداعمين لحزب النور ماليا، لذا حرص على أن يتولى زوج ابنته دورا قياديا في الحزب، ليخوض بكار معركة تكسير عظام أمام كل من يعارض برهامي أو يقف عائقا أمام طريق جبهته في الاستيلاء على الحزب، وتطويقه بقيادات وكوادر تدين بالولاء لكبار مشايخ الدعوة السلفية".
وأوضح أن برهامى قام باستغلال الدين وتطويعه للقضاء على عبدالغفور ورجاله في الحزب، حيث أطلق فتاوى لإحراج رئيس الحزب كما حدث يوم زيارة عبدالغفور للسفارة التركية ووقتها أفتى برهامي بأن زيارة السفارة للاحتفال بسقوط الخلافة الإسلامية محرم، فضلا عن عدم التفاته للتحقيق في الشكاوى التي وردت من أكثر من 1400 عضو من مختلف المحافظات للطعن في الانتخابات الداخلية للحزب وأنها مزورة.
وأضاف: رغم الخلافات المحتدمة في ذلك الوقت لم يكن هناك ما يهدد بقاء الحزب واستمرار انتشاره، حتى جاء الاختبار الأقوى والأوضح في تاريخ الحزب الوليد، وهو الانضمام لجبهة الإنقاذ والوقوف على يسار جماعة الإخوان الإرهابية، مثلما فعلت باقي الأحزاب، وكان لزاما على الحزب أن يتخذ موضعا، وبالطبع كانت هناك محاولات عديدة للصلح بين برهامى وعبدالغفور كان يقودها الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، والذي كان يدعم جبهة عبدالغفور بشدة، نظرًا لوقوفه في صف جماعة الإخوان الإرهابية آنذاك والتي كانت تمثل الدولة المصرية في ذلك الوقت"
كان برهامي يرى أن كفة الإخوان خاسرة، ولا بد من الحفاظ على الكيانات الناشئة حديثا كحائط صد لها، باتخاذ الأجهزة الأمنية عونا لها، وفي هذا الصدد يقول القيادى السلفى السابق إسلام أنور المهدى في كتابه «دعاة على أبواب جهنم»: "في مارس ومايو 2012، الموج كان يعلو على برهامى لأطماعه في الانفراد بالتحكم في الدعوة والحزب في وقت واحد وعدم طاعته للمقدِّم (أحد مؤسسي الدعوة السلفية)؛ وفى إحدى الجلسات قال له المقدم: بتتفاوض مع الأمن، الأمن بياخد اللى هوا عاوزه وبتطلع انت فاضى» فطأطأ رأسه خجلا!
لم ينكر المقدِّم التفاوض مع الأمن تحت الترابيزة ودون شفافية مع الناس! ولكنه أنكر على برهامى أنه مفاوض سيئ لا يُجيد استخلاص المكاسب رغم تنازلاته المخزية! وأعلن المقدم بعدها بأيام رغبته في تصعيد واجهة جديدة يحرِّك من خلالها الدعوة، وضيَّق به الخناق على برهامى في اجتماعات مجلسى الأمناء والإدارة، وصعد رجالًا بعينهم من درجة إلى درجة أعلى! منهم مجموعة من الشباب من الصف الثالث داخل الدعوة، ليكونوا مشايخ المستقبل وواجهات جديدة نظيفة يحركها مثل «أحمد يحيى وإسلام مصطفى عبدالمجيد ومحمد مصطفى عبد المجيد».
وأكدت مصادر سلفية فضلت عدم ذكر اسمها، أن عبدالغفور مضى في طريق إنشائه حزبا خاصا تحت اسم "الوطن" بعيدا عن حزب النور بإيعاز من جماعة الإخوان وحازم صلاح أبو إسماعيل، الذي دعمه بدعوة عدد من مريديه وتلاميذه بضرورة التحرك لإحياء حزب الوطن وتدشينه وقد كان.
وكان الغرض من تلك الأصوات تفتيت قوة حزب النور، وتفتيت الكتلة السلفية على أكثر من حزب وتوزيعهم على الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، وبالفعل انسحب عبدالغفور ومعه عدد ليس بالقليل من أعضاء الحزب وأبناء الدعوة السلفية، وخرج في مؤتمر عام، وأعلن في كلمته رفضه للانتخابات التي جرت، واستعداده لتدشين حزب جديد يحقق المعادلة الصعبة، ولا يخلط بين السياسة والدين، إلا أنه لم يحقق أي تواجد سواء في الحياة العامة أو على مستوى القواعد الشعبية لينضم إلى باقي الأحزاب الكرتونية ذات الوجود الخافت في جعبة التيار الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.