هل الأزهر مقدس؟ وهل شيخه مقدس أيضا؟ الذي أعرفه أنه لا كهنوت في الإسلام، والذي أعرفه أيضا أن شيخ الأزهر واحد من عموم الناس، يجرى عليه ما يجرى عليهم، لا ينبغى أن يكون فوق الناس، ولا يجب أن ينظر إلينا نظرة فوقية، ولكن بدون أن ندرى وعبر سنوات وأجيال وحقب تسللت الكهانة إلينا، وأصبحت جزءًا من تصورنا عن الذين يتخصصون في علوم التدين، لذلك ونحن ننادى بالتخلص من الفكر الكهنوتى وتقديس الرجال، أقول إن هناك فارقًا بين الرجل وعلمه، وكذلك بين الرجل والمؤسسة التي يمثلها، لذلك شق على بعضهم مثلا أن انتقد البعض البخارى ومسلم والإمام أحمد ومالك والدارقطنى والنسائى والترمذى، فيما أثبتوه في كتبهم من أحاديث لا يخلو بعضها من الشذوذ ومخالفة القرآن، مع أن هؤلاء العلماء هم بشر أمثالنا، لم يدّعِ أحدهم أنه «الإنسان الكامل» وأن طريقته في إثبات صحة الحديث هي الكمال ذاته، وإذا كانت الأجيال التي عاصرت هؤلاء قد انتقدت علومهم، وكانت الأدوات التي استخدموها في نقدهم هي نتاج عصرهم وبيئتهم وثقافتهم وخلفيتهم الحضارية، فضلًا عن علوم عصرهم وفهمهم للدين، أفلا يكون لنا الحق بعد أن بلغنا شأنًا عظيمًا في الحضارة والثقافة وعلوم الاستدلال والاستنباط في استكمال الدراسات النقدية لكتب الأولين؟ أو ليس لنا الحق في أن نختلف مع الناقل والناقد؟ ولكن يا ويلنا من الذين قالوا: «بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا»، لقد اجتهدوا وأغلقوا أبواب الاجتهاد ولم يتركوا لنا ولو بابًا واحدًا ندلف منه إلى فهم متجدد للدين! بل إن الأمر تطور بنا وأصبح الرجل هو فكرته، اندمج هذا مع تلك، فوقعنا في أغرب الأشياء، إذا كرهنا الرجل وأبغضناه كرهنا أفكاره، ورأينا السوء كله في إبداعاته، وإذا رفضنا أفكار الرجل رفضناه هو شخصيًا، ومع الأيام أصبحت هذه ثقافتنا الراسخة في ضمائرنا، فمارسناها في الدين والسياسة والاجتماع، لذلك أصبح الرئيس في عقيدتنا هو مصر، ومن ينتقده هو عدو لمصر، وشيخ الأزهر هو الأزهر! والأزهر بتراثه هو الإسلام، وعالم الدين هو الدين، فاحذر من أن تقترب منه نقدًا أو تعقيبًا أو تعييبًا، فلحوم العلماء مسمومة، والتراث كله «بعجره وبجره وأعلاه وأرقاه» دين، فإن اقتربت منه إلا متلقيًا وناقلًا، فأنت في بحر الظلمات، ثم إنه لا يجوز لك أنت أن تقترب من التراث أصلًا، فمن أنت أيها المسكين؟! إنما الذي يقترب ويشرح ويفسر هم طبقة أخرى ينتمون إلى مؤسسة علمية أطلقوا عليها «مؤسسة دينية» خذ منهم الدين يا ولدى وتناول منهم فهمه، فهم طريقك إلى الجنة! ليس هذا كلامى ولكنه كان محتوى بيان هيئة كبار العلماء التي جعلت من نفسها كهنوتا في دين لا كهانة فيه!