اجتماع وحدات الدعم الأكاديمي بكليات ومعاهد بجامعة القناة    وقف أعمال الصيد ببحيرة ناصر يشعل أسعار السمك في أسوان    بعد حملة خليها تعفن.. انخفاض أسعار الأسماك بأسواق الإسكندرية    أستاذ تخطيط عمراني: الدولة نفذت تجمعات سكنية تفي بمتطلبات كل فئات أهالي سيناء    وزير الخارجية الصيني يؤكد لنظيره الأمريكي تمسك بلاده بمبادئ "الاحترام المتبادل" في العلاقات    استقالة متحدثة باسم الخارجية الأمريكية احتجاجا على سياسة واشنطن بشأن غزة    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا    واشنطن: تصريح نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليس تدخلا في سياستنا    رمضان صبحي: «جتتي نحست من هتافات الجماهير ضدي»    أنشيلوتي يُبعد نجم ريال مدريد عن موقعة سوسيداد استعدادًا لنزال بايرن ميونخ    الداخلية تشن حملات للتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز.. وتضبط 63 طن دقيق أبيض ومدعم    لغز كشف الجريمة.. التفاصيل الكاملة حول مقتل طفل شبرا الخيمة    ضبط 8364 كيلو دجاج و1000 كيلو أسماك و500 كيلو كبده مجهولة المصدر بالبحيرة    غدا.. مكتبة الإسكندرية تنظم ندوة حول المكون الثقافي وتأثيره في السياسات الخارجية المصرية    قافلة جامعة المنيا الخدمية تفحص 680 حالة من أهالي قرية الناصرية وتعقد عددا من الندوات التوعوية    اليونان:لا يمكننا إرسال منظومات إس-300 إس أو باتريوت إلى أوكرانيا    تكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل قوية للمصريين    بدلا من بيعه، الشركة الصينية المالكة ل تيك توك ترضخ للضغوط الأمريكية    طلاب هندسة الجامعة الألمانية بالعاصمة الإدارية يزورون العلمين الجديدة    مايا مرسي تشيد بالمسلسل الإذاعي "يوميات صفصف" لصفاء أبو السعود    توافد أطباء الأسنان للإدلاء بأصواتهم في انتخابات النقابة الفرعية بالقليوبية    فحوصات يجب إجراؤها عقب ولادة الطفل حفاظا على صحته    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. الأهلي ضد مازيمبي    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للاسكواش    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    خزنوا الميه.. إعلان ب قطع المياه ل12 ساعة عن هذه المناطق    ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن.. 7 أهداف ضمن الحوار الوطني    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    إسرائيل تضع شرطًا للتراجع عن اجتياح رفح    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    القناة الأولى تبرز انطلاق مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة    فضل قراءة سورة الكهف ووقت تلاوتها وسر «اللاءات العشر»    حصول 4 معاهد أزهرية على الاعتماد والجودة رسمياً بالإسكندرية    رمضان صبحي: الأهلي والزمالك الأقرب دائما للفوز بلقب الدوري    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا إلى صلة الأرحام والتواصل مع الآخرين بالحسنى    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    أماكن الاحتفال بعيد شم النسيم 2024    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الزمالك يزف بشرى سارة لجمهوره بشأن المبارة القادمة    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة شيخ الأزهر في احتفالية المولد النبوي
نشر في فيتو يوم 08 - 12 - 2016

هنأ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الرئيس عبد الفتاح السيسي، والشعب المصري وشعوب الأمتين العربية والإسلامية بمناسبة المولد النبوي الشريف.
وحذر شيخ الأزهر من العصابة المفتونة التي تتنكر لكلِّ ما هو قديم، والمُغرَمُونَ بهدم القديم وليس في أيدِيهِم جديدٌ يقدِّمونَه وإذا أتوا بجديدٍ فإنما هو الرثاثةُ والضحالةُ والثرثرةُ.
وجاء نص الكلمة كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ لله وأصلي وأسلم على سيدي صاحب هذه الذكرى العطرة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.
سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي – رئيس جمهورية مصر العربية حفظه الله
الحَفْلُ الكَريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛
فإنَّ يَومَ مَولِدِه صلى الله عليه وسلم ليس فقط يومًا لميلادِ رَسُولٍ عظيمٍ، أنقذَ الله به الإنسانيَّةَ وصحَّحَ به التَّاريخ، وإنَّمَا هو ذكرى ميلاد أُمَّة صَنعَها هذا النَّبِيُّ الكريم، وربَّاها على كرائم الأخلاقِ وأصُولِ الفضَائلِ، والدَّعوة إلى الخَيرِ والحَقِّ، ومُقاومَة الشَّرِّ والبَاطِلِ، وبفَضلٍ من هذه التَّعالِيمِ النَّبويَّةِ قدَّمَ المُسلمُون في مَسيرتَهِم الحضَاريَّة كثيرًا مِمَّا أَسعَدَ الإنسانيَّة، وظلَّلها بظلالٍ وارفةٍ من العدلِ والحُريَّةِ والإخاء، وعصَمَها مِمَّا ارتكَسَت فيه حضَاراتٌ أُخرى، كانت – في بعض انعكاساتها- وَبَالًا وشَرًّا مُسْتطيرًا على البَشَريَّة قَديمًا وحَديثًا..
ولعلَّ مِن أصعبِ الصَّعبِ، إنْ لَمْ يَكُن من رَابِعِ المُستحِيلاتِ، تقديمُ شخصيَّةٍ استثنائيَّةٍ كشخصيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والإلمَامُ بِعَظَمَتِهَا، في كَلِمَةٍ أو مُحاضَرةٍ أو كُتُبٍ صَغُرَت أو كَبُرَت، فَضْلًا عن الإحاطةِ بملامِحِها وقَسَمَاتِها، وإنْ شِئْتُم دَليلًا على ذلك فانظروا إلى الإمام محمد بن يوسُف الصَّالحي الشَّاميّ، من عُلَمَاءِ القَرن العاشر الهجري، في مَوسُوعته الكُبرى: «سُبُلُ الهُدَى والرَّشَاد في سِيرةِ خَيْرِ العِبَاد».
وقضى هذا الإمام عُمره في تأليفِ هذه المَوسُوعةِ التي وصَفَهَا في مُقَدِّمة كِتَابِه بقولِه: «وإذا تأمَّلتَ هذا الكتاب عَلِمْتَ أنَّه نتيجةُ عُمْرِي وذخيرةُ دَهْرِي» وقال عنه: إنه انتخبه من أكثرَ من ثلاثِ مائةِ كتابٍ في السِّيرةِ، قرأها وتحرَّى فيها الصَّواب الذي أثبتَهُ في موسوعته هذه، وقد تَدهَشُونَ حين تَعْلَمُون حَضَراتُكُم أنَّ عدَدَ صفحَات مُجلَّدات هذا الكتاب بلغت سِتًّا وستينَ ومائةً وتسعةَ آلاف صحيفةٍ، كان محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِحْوَرَ الحَديث فيها، من أوَّلِ سطرٍ إلى آخر سطرٍ.
ومن عَجَبِ أمرِ هذه السِّيرةِ العَطِرَة أنْ تنوَّعَت إلى أنواعٍ عِدَّة من السِّيَر، لَمْ تُعْرَف لشخصيَّةٍ في التاريخِ البشريِّ إلَّا للذَّاتِ المُحمَّديَّة.
فمن هذه السِّيرة ما يُعْرَفُ بالخصائصِ، وهي: الصِّفَاتُ والفضائلُ والمكارِمُ التي اخْتُصَّت بها شخصيَّتهُ المُتفرِّدة على مستوى الإنسانيَّة، وعلى مستوى التاريخِ وامتداد الكَونِ.
ومنها نَوْعٌ ثانٍ أُطْلِقَ عليه «الشَّمائلُ المُحَمَّدِيَّة»، وهو عِلْمٌ مُستقلٌّ من علومِ السِّيرَة النَّبَويَّة، سُجِّلت فيه أدقُّ دقائقِ أوصَافِه صلى الله عليه وسلم الخِلْقيَّةِ، والخُلُقيَّةِ، وأحوالُه الشَّخصيَّةُ والمنزلِيَّة والمُجتمَعيَّة.
وفي هذه الشمائل نقرأُ وصفًا تفصيليًّا عن: هَيئتهِصلى الله عليه وسلم: وقسماتِ وَجْهِهِ الشَّريف، ولَوْنِهِ وعينيهِ وأنفِه وفَمِهِ وشَعْرِهِ، وطُولِهِ وعَرْضِهِ، وكَفَّيهِ وقدَمَيْهِ، وكيفيَّة مِشْيَتِهِ، وكيفَ كان ينظرُ إلى النَّاسِ.. ثُمَّ ينتقلُ التَّسجِيلُ الدَّقيقُ إلى وصفِ خاتَمِه صلى الله عليه وسلم، وخِضَابِه ولِباسِه وخُفِّهِ ونَعْلَيه، وسَيْفِه ودِرْعِه، وعِمَامتِه وإزاره، ثم جِلْسَتِهِ واتِّكائِه، وأكله ونَوْمِه، وضَحِكِه ومِزاحِه وبُكائه، إلى تفاصيلَ أُخرى يضيقُ المقامُ عن سَرْدِها..
وفيما يتعلَّق بصِفاتِه الخِلْقِيَّة، أمَّا صفاتُه الخُلُقِيَّةِ فقد أُحْصِيت أصولُها، واستقلَّت بها أبوابٌ وفصولٌ، بل كُتُبٌ مستقلَّةٌ، مثل طول حِلْمِه وقوَّة احتمالِه وعَفْوِه صلى الله عليه وسلم، وجوُدِه وكَرَمِه، وشجاعتِه ونَجْدَتِه، وحيائِه وإغضائه، وحُسْنِ عِشْرَتِه، وشَفَقَتِه ورأفتِه، ووفائِه وحُسْنِ عَهْدِه، وتواضُعِه، وعَدلِه وأمانته، ووَقَارِه ومُروءَتِه صلى الله عليه وسلم.
ولم يقتصر هذا الشَّغَفُ بتسجيلِ حياة النبيِّ الكَريم على قُدامى المؤرِّخينَ، وكُتَّابِ المغازي والسِّير، بل امتدَّ هذا الحُب والوَلَع لمؤرخي كل عصرٍ ومِصْرٍ، ومن أواخِر عُشَّاقِ هذه السِّيرةِ المُطَهَّرةِ –فيما نَعْلَمُ-الدكتور/ صلاح الدِّين المنجِّد (ت 2010م) رحمه الله، والذي أصدر كتابًا بعنوان: «مُعْجَم مَا أُلِّفَ عن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم»، أحصى فيه ألفين وأربعمائة وثمانية وثمانين كتابًا تخصَّصَت في تسجيلِ حياته صلى الله عليه وسلم في كلِّ جوانبها ومناحيها..
ورُغم هذه الكثرة من المؤرخينَ المسلمينَ وغيرِ المسلمينَ مِمَّن نذروا حياتهم وأفنوا أعمارَهُم في تسجيلِ سيرة نبيِّ الإسلام، والكشفِ عن أسرارِها ودقائِقها، رُغم ذلك بَقِيَ من ذخائرِ هذه السِّيرةِ الزَّكيةِ الكثير الذي تفتقِرُ إليه الإنسانيَّة اليوم، وتحتاجه احتياجَ الأعمى إلى قائد خبيرٍ بالطريقِ، بصير بمزالقِهِ ومهالِكِه.
على أنَّ ما كتبه المؤرِّخونَ واستنفدوا فيه ماءَ عُيونِهِم، هو أقلُّ قليل تُقدِّمُه البشريَّة من إجلالٍ واعترافٍ بالعَظَمةِ والعُظماءِ، وإذا كان تكريمُ العظيمِ حقًّا على النَّاسِ، أيًّا كان الزمنُ الذي يُظِلُّ هذا العظيم، أو الأرضُ التي تُقله، فإنَّه في زمننا هذا من ألزم اللَّوازم وأوْجَبِ الواجباتِ، بعد أن استبدَّت الحركاتُ السياسيَّةُ المُعاصرةُ، والمذاهبُ الاجتماعيَّةُ الحديثةُ الوافدة، بتوجيه أبنائنا وبناتنا.
ودندنت لهم طويلًا على وَتَرِ «المُسَاواةِ»، وتساوي الرُّؤوس، وعَدَم التَّمايُز، حتى ظَنَّ كثيرٌ من الصِّغَارِ أنَّ لهم قامات يُساوِقونَ بها مَنَاكِبَ العُظَماءِ والمُصْلِحينَ، والعِلْيَةِ مِمَّن لا يجود الزمن بأمثالهم إلَّا واحدًا بعد واحدٍ، وعلى سبيلِ النُّدرةِ، والاستثناءِ من القاعدة ومَجرَى العادات، بل اعتقدَ كثيرٌ من المُتضَخِّمةِ نُفُوسُهم وعقولهم بالفَهْمِ المُنْحَرِف لمعنى «المُسَاواة» أنَّ مِن حقِّهم إنكارَ العَظَمةِ، وغَمْطَ العَظيمِ حقَّه.
وأنَّ جديدَهُم جديرٌ بنَسْخِ القديمِ في كلِّ شيءٍ، حتى لو كان هذا القديمُ أصلًا أو جِذْرًا يَضُخُّ الغِذَاءَ، ويَهَبُ الحَيَاةَ لثمراتٍ يانعاتٍ على أغصانها، وأن هذه الثَّمرات إذا ما اجتثَّت عروقُها من جذورها لا تَلبَثُ أن تجِفَّ وتموتَ، ثم تَذْرُوها الرياح التي تَهُبُّ عليها من غَرْبٍ ومن شرقٍ، ولا مَفرَّ مع هذه آلافة التي يبعثُها الغُرور ويُثيرُها النَّزَقُ، من أن تضطربَ القِيَمُ، وتهتزَّ المَعاييرُ، وتنْبَهِمَ معالمُ الحَقَّ، وتَهبِطَ قيمةُ الضَّميرِ الإنسانيِّ إلى الحضيضِ..
وما أصدقَ ما قالَه عملاقُ الأدب العربي الأستاذ/ عباس محمود العقاد، وهو يُقَدِّمُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في مُفتَتَحِ عَبْقَريَّة مُحَمَّد.. من أنَّ الإنسان الذي لا يرى عظمة العظيم، إنسان لا يساوي شيئًا، وأنَّ المجتمعَ الذي يضيع فيه الكبير يضيع فيه الصغير لا محالة. يقول رحمه الله: «ماذا يُسَاوِي إِنْسَانٌ لَا يَزِنُ الإِنْسَانُ العظيمُ عنده شيئًا؟ وإذا ضاعَ العظيمُ بين الناس فكيف لا يضيع بينهم الصَّغيرُ!».
ولله درُّ أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته التي يَمتَدِحُ فيه الأزهرَ الشَّريفَ ويشكُرُ له قيمومَتَهُ على التُّراثِ الإسلاميِّ، الذي هو تراث إنساني، لا تزال تنهَلُ من حياضِه عظائمُ العقولِ في الشَّرقِ والغربِ حتى يومِ النَّاسِ هذا، ثم يُحَذِّرُنا مِمَّا يُسَمِّيه «عِصَابَةً مَفتُونَةً» تتنكَّرُ لكلِّ ما هو قديم، حتى كادوا يُنكِرُونَ آباءهم وأجدادَهُم لأنهم قُدَمَاء.. وأنهم مُغرَمُونَ بهدم القديم، وليس في أيدِيهِم جديدٌ يقدِّمونَه، وإذا أتوا بجديدٍ فإنما هو الرثاثةُ والضحالةُ والثرثرةُ، يقول شوقي:
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ *** يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا
وَلَوِ استَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا *** مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ *** وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً *** وَالعِلمِ نَزرًا وَالبَيانِ مُثَرْثَرا
الحفل الكريم
إنَّ احتفالَنا اليوم بتكريم سَيِّدِنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم هو احتفالٌ بتكريمِ العَظَمَة الإنسانيَّةِ في أعلى ذُراها وذُؤاباتِها، فقد كان صلى الله عليه وسلم عظيمًا في مَوْلِدِه، عظيمًا في حياتِه، وسياستِه وإدارتِه، وحديثِه وبلاغتِه، عظيمًا في رئاسته وفي قيادته، عظيمًا وهو أبٌ وزوجٌ وسيِّدٌ ورَجُلٌ، ثم هو عظيمٌ بالغُ العَظَمةِ في التَّاريخِ.. وقليل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمثاله من عظماء الإنسانيَّة أن تُفْرَدَ المُجلَّدات الطِّوالُ لتاريخِهم وسيرهِم، وأنْ يُنْفِق مئات المؤرخين أعمارهم في تسجيل سيرهم الشريفة. وأن تحتفل الأمم بذكرى مولدهم..
وتبقى كلمة توجبها أمانة النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم، وهي أن هذا النبي الذي «وهب حياتَه الشريفة لنُصرةِ الحَقِّ، وصبر على الإيذاء يوما بعد يوم سنينَ عَدَدا» لَمْ يَعُد للأسفِ البالغِ هو مصدرَ التَّلقِّي والتوجيه لحياة المسلمين اليوم وقضاياهُم ومعاركِهِم الكبرى مع الفقر والجهل والمرض.. والتخلف العلمي والثقافي وقد جَنَتْ هذه الأُمَّة من التَّنَكُّر لهَدْي نبيِّها صلى الله عليه وسلم ثمراتٍ مُرَّة، وهوانًا يصعب احتماله والصبر عليه، وكان المأمول أن تكون ذكرى مولد نبيهم تجديدًا لخيرية هذه الأمة التي خاطبها القرآن الكريم بقوله:﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ {3/110}.
وإذا كان المسلمون يخوضون اليوم معاركَ جديدة ومتنوعة من أجل التنمية والتقدم العلمي والتِّقَني والحضاري، بعد أن سُحب البساط من تحت أقدامهم لصالح حضاراتٍ أخرى، وأصبح ميزانُ العِلْمِ والتقدُّم والقُوَّة في أيدي غيرهم، فأحرى بهم أن يتوقَّفُوا طويلًا عند ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، يتأمَّلون ويقتبسون من مشكاته مشاعل على طريق النهوض، والعزيمة ومواصلة التحدِّي والصَّبرِ على الأزماتِ.
وترك لنا صاحبُ الذَّكرى العَطِرَة ثروة هائلة من تعاليمه ووصاياه، ونماذجَ لا مثيلَ لها من أفعاله ومواقِفِه وسُلوكه، وكان الظن أن نفيد من هذا الكنز الخُلقي، والعَقَدِيِّ، في معركتنا اليوم ضِدَّ العَجْز والتَّخلُّف، والتَّبَعِيَّة والهَوَان، حتى أصبح الباحثُ المتأمِّلُ الذي يقارِنُ بين الميراثِ النَّبوِيّ، وبين حالِ المسلمينَ الآن يَنتابُه ما يُشبِه دُوارَ الرَّأسِ من هذا الانفصام بين ما تَملِكُه هذه الأمَّة من مصادِرِ القوَّة وأسبابِ التحضُّر والانطلاق، والواقع المتواضع، بل الشديد التواضُع والذي طالَ عليه الأمدَ وأصبحَ من أهمِّ ملامحِ هذه الأُمَّة وأبرز قَسَمَاتها..
ولسنا –علم الله- من هواة تثبيط الهمم والبكاء على الأطلال، ولكنه الواقعُ الذي يصعب تجاهلُه أو غض الطرف عنه، وإلَّا فإنَّنِي –والحمد لله- مملوءٌ أملًا وثقة لا حدود لهما - في هذه الأمة، وأنها وإن أصابها الوَهْن والمرض، فإنها –بإذنه تعالى- لن تموتَ ولن تفنى، وستظلُّ حاملةً لشُعلة الحَقِّ والخَيْرِ وستبقى «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» كما وصفها القرآن الكريم..
والأملُ – بعد الله تعالى –معقود على شباب أمتنا وشاباتها، مِمَّن نقرأُ في عيونهم بشائرَ الأملِ ومخايِلَ العَزْمِ على الخُروجِ بهذه الأُمَّةِ من حالة السكونِ والرُّكُودِ، والتصميمَ على الانطلاقِ بها في سباقِ الحضارات والرُّقي والتقدُّم، مستضئينَ بالوحي المعصُوم وبَهْديِ صاحبِ هذه الذكرى صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى إخوته من الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين.
سيادة الرئيس
أشكركم على الاهتمام الخاص بشبابِ مصر، وأوصي نفسي وأوصي الجميع بأن يضعوا هذا الشَّباب نصب أعينهم، فهم ثروة مصرَ وكنزُها الدَّفين، وباعثُ نهضة هذا الوطن المثقل بالهموم والآلام، لكنه مفعم بالآمال والثقة في الله تعالى..
وأختم كلمتي بتهنئتي لكم –سيادة الرئيس- وللشعب المصري وشعوب الأمتين: العربية والإسلامية، بذكرى المولد النبوي الشريف، سائلًا المولى سبحانه أن يوفقكم لما فيه خير البلاد والعباد. وكل عام وأنتم جميعًا بخير.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.