عصمت ماهر رشدي.. سيدة تستحق أن توصف ب"العظيمة"، فهي زوجة وأم لثلاثة أبطال، وزوجة للبطل اللواء عباس فهمي قائد حرس الحدود الأسبق ووالدة كل من الرائد علاء عباس فهمي والعميد بحري عثمان عباس والشهيد عماد، الذي استشهد خلال عملية لقوات الصاعقة في الأردن عام 67. وعن حكايتها مع التضحية، وحب الوطن، قال العميد بحري عثمان عباس فهمي، أحد أبطال القوات البحرية: والدتي كانت من أسرة عسكرية، والدها وأشقاؤها جميعهم كانوا ضباط جيش، وتزوجت والدي وكان عسكريا أيضا، كما أنها فقدت شقيقا لها في حرب 48، وكان أبي ضابطا في سلاح حرس الحدود ورغم الشهداء الذين سقطوا من عائلاتها إلا أنها كانت تحفزني – وأنا أكبر أبنائها- لدخول الكلية الحربية، وبالفعل التحقت بالكلية عام 62، وتخرجت ضابطًا في القوات البحرية، وشقيقي الشهيد عماد تخرج في الدفعة التالية، والتحق بسلاح الصاعقة، ونال الشهادة أثناء مشاركته في إحدى العمليات بدولة الأردن. وعن تفاصيل أخرى في حياة "أم الأبطال".. كان الحوار التالي: حدثنا عن تفاصيل شهادة شقيقك في الأردن؟ عماد كان ترتيبه بيننا الثاني، وكنا ثلاثة أولاد، وأنا أكبرهم، وعقب استشهاد عماد في 11 يوليو 67، ظل منزلنا حزينا لفترة طويلة، لأن "عماد" كان شخصية مرحة، ويترك دائما علامة في الأماكن التي يتواجد فيها، وما زاد درجة الحزن أنه كان شهيدا بدون جثمان للأسف. كيف تقبلت والدتكم الخبر؟ أمي كانت إنسانة عظيمة فلم تكن تظهر أمامنا أو حتى أمام أبي شيئا من حزنها، ولكنها عندما تنفرد بي لأني ابنها الأكبر ولي منزلة عندها تبكي بمرارة، وعندما يظهر أبي كانت تتماسك حتى لا تشغله بحزنها، خاصة أنه وقتها كان يتولى منصب قائد قوات حرس الحدود في حرب الاستنزاف ومشاغله ومسئوليته أمام أبنائه الذين يحاربون معه كبيرة. وكيف استقبل الوالد خبر استشهاد ابنه؟ أبي كان بدوره متماسكا هو الآخر أمام أمي، لكنه لم يكن متقبلا بعدم دفن ابنه فنحن المصريين نقول: "اللى يدفن ابنه بايده ناره تبرد"، أما نار أخي فظلت تلاحق أبي وأمي حتى انتقلا إلى جوار ربهما. رغم رحيل أحد أبنائها.. كيف سمحت والدتكم بالتحاق ابنها الثالث بالكلية الحربية ليكمل المسيرة؟ أمي عانت كثيرا بعد رحيل أخي عماد، إلى جانب أن مسئولياتي ومسئوليات أبي، وكانت تبعدنا عنها معارك الاستنزاف، فلم تحتمل الألم وانتقلت إلى جوار ربها عام 69، وقبل رحيلها أوصت شقيقي الأصغر علاء الذي تركته في الصف الثالث الثانوي، بالالتحاق بالقوات المسلحة ليكون بجانبي ووالدي لنأخذ بثأر أخي وأشقائها الذين سقطوا شهداء في المعارك مع إسرائيل، وبالفعل التحق شقيقي الأصغر بالكلية الحربية وتخرج في 1 يوليو 73، وشارك معنا في تحرير سيناء وأخذنا بثأر كل شهيد مصري وليس بثأر أهلنا فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن عائلتنا كان لها ثأر مباشر مع إسرائيل، بالإضافة إلى تحرير سيناء من هذا المغتصب المتغطرس. الوالدة الراحلة.. كيف كانت تتابع بطولاتك أنت ووالدك أثناء حرب الاستنزاف؟ بعد تخرجي خدمت بلواء المدمرات بالمركب الشهيرة "بورسعيد"، وكان تمركزنا حماية القناة من العدو الإسرائيلي، وكانت هذه المنطقة معرضة ليل نهار للضرب سواء من الطيران المعادي أو من نيران مدفعيته، لكن القوات البحرية في ذلك الوقت أعطت إسرائيل العديد من الدروس، والتي تمثلت في تدمير المدمرة إيلات ثم الرصيف الحربي إيلات والسفينتين بيت شيفع وبات يم، وكانت تسمع كل هذا في الراديو مثلها مثل كل المصريين في ذلك الوقت لأن وسيلة الاتصال الوحيدة بالأهل وأبنائهم في الجبهة هي الراديو والبيانات العسكرية، وكانت "فرحانة" جدا بهذه الانتصارات خصوصا انتصارات الصاعقة زملاء شقيقي عماد لأنها كانت تراه فيهم وفي كل عملية يقومون بها.