"129 يومًا".. هى المدة التى قضاها الفارس النبيل الأخضر الإبراهيمى فى مهمته التى وصفها منذ البداية بأنها مستحيلة، ورغم ذلك مضى الإبراهيمى فى مساره مع القضية السورية، على أمل الخروج بحلول جذرية حتى يصل قطار الثورة السورية إلى محطته الأخيرة، ويتجنّب الشعب السورى ويلات "حرب الإبادة" التى بدأها بشار الأسد ضد شعبه منذ أن أعلن صرخته الأولى الرافضة للنظام. وكان أمل البعض أن يحصل الإبراهيمى الذى يحتفل بعد أيام بميلاده ال79، على حل للقضية السورية اليوم، ليبدأ الدبلوماسى الكبير عامه الجديد بانتصار يحسب له على صعيد الدبلوماسية. وقد أبدى كثيرون ارتياحًا كبيرًا لدى إعلان وزير الخارجية الجزائرى الأسبق موفدًا إلى سوريا خلفًا للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان، ولم لا وقد خاض الإبراهيمى قضايا شبيهة فى استحالتها واستطاع أن يصل بها إلى الحل النهائى. وكان للإبراهيمى دور مهم وكبير فى إطفاء عديد من الحرائق عبر العالم، وتمكن خلال مساره الدبلوماسى من إنهاء أزمات شائكة، من بينها كان دوره المهم فى إنهاء الحرب الأهلية فى اليمن عام 1994، وحتى المصالحة اللبنانية فى 1989، فكان له دوره البارز فيها، حيث شارك فى إنجاز اتفاق "الطائف" الذى أنهى الحرب الأهلية اللبنانية كممثل للجنة العربية الثلاثية، السعودية والمغرب والجزائر، التى شكلتها قمة الدار البيضاء. وعلى مسار الإبراهيمى حالة مشابهة للقضية السورية حيث أقنع فى عام 1997 رئيس زائير موبوتو سيسى سيكو بترك بلاده قبل أن تغرق أكثر فى الفوضى، وكانت المؤشرات تستبعد أن يترك سيسى سيكو الحكم والبلاد بسهولة. وفى العراق ظل الإبراهيمى يعمل على ترتيب البيت السياسى العراقى بعد سقوط نظام صدام حسين حتى استطاع الخروج بحكومة انتقالية فى 2004. ثم يأتى ليخلف كوفى عنان فى مهمته، التى استقال منها لنقص دعم القوى العظمى له فى مهمته، ويقبل بالمهمة المستحيلة أملًا فى الوصول بها إلى حل، لكن وعلى مدار 129 يومًا لم تخفت فيها نيران الثورة، ولم تتوقف فيها أيضًا حمامات الدماء، ويستمر الإبراهيمى فى إصراره على المضى قدمًا فى المهمة، حتى وصل اليوم إلى محطة قد يعتبرها البعض هى الأخيرة فى مسار الإبراهيمى مع القضية السورية. فآخر مقابلاته للأسد، اليوم، قد تكون الأخيرة والتى جاءت بعد تلويح من جانبه بالاستقالة من هذه المهمة التى سبق أن وصفها منذ توليه مهامها فى أغسطس بأنها أقرب إلى المستحيلة. وقد بلغت مقابلات الإبراهيمى للأسد منذ توليه مهمته كمبعوث مشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة (ثلاث مقابلات) وكانت الأولى فى الخامس عشر من سبتمبر، وكان هناك أمل أن تتغير الأوضاع ويكون له دور فاعل فى إيقاف العنف فى سوريا، لكن تمتد الشهور ويستمر النظام فى سفك دماء الشعب دون أى اكتراث يذكر، وبدأت أولى التصريحات المؤكدة على فشل الإبراهيمى فى مهمته حيث أكد المتحدث باسم القيادة المشتركة للجيش الحر العقيد قاسم سعد الدين أن مهمة الإبراهيمى لن تنجح، ودعاه إلى التركيز على مرحلة ما بعد الأسد. وكانت زيارته الثانية فى أكتوبر والتى قام بها للتفاوض على هدنة عيد الأضحى، حيث التقى الأسد وعددًا من كبار مسئوليه، واستغرقت الزيارة عدة أيام بدأها فى 19 أكتوبر وكان الاتفاق على هدنة طوال أيام العيد، إلا أنها لم تصمد سوى ساعات معدودة. وقد امتدت سفريات الإبراهيمى خلال ال129 يوما الماضية ولم تتوقف جولاته المكوكية ومقابلاته، ومناقشاته المختلفة، ورغم ذلك فقد كان بمثابة "صندوق أسود" يصعب التعرف منه على الخطوات أو الحصول منه على معلومات عن المسار الذى ينتهجه، حتى أنه قلما كان يصرح للصحفيين، ويرفض الحديث دائمًا. والآن تبقى مهمة الإبراهيمى مبهمة، خصوصًا أن زيارته الأخيرة للأسد والتى جاءت مفاجئة، وأكدت التقارير أنها تحمل تهديدًا واسعًا، لم يظهر منها سوى تصريحات رمادية، ولا يزال الموقف معلقًا.