السفيرة نائلة جبر شغلت منصب ممثل مصر بالمجلس الدائم للفرانكفونية منذ عام2003، وكانت تتولى فى نفس الوقت مهام مندوب مصر الدائم ببعثة الأممالمتحدةبجنيف، وسفيرة مصر لدى الاتحاد الأوربى فى جنيف، كما تولت رئاسة اللجنة الوطنية المصرية التنسيقية لمنع ومكافحة الإتجار بالبشر منذ عام 2009، كذلك شغلت منصب معاون وزير الخارجية فى الأممالمتحدة لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وأخيرا مساعد وزير الخارجية لشئون العلاقات الدولية متعددة الأطراف وشئون المنظمات.. إنها السفيرة نائلة جبر التى التقتها "فيتو" فى هذا الحوار لتتناول معها ظاهرة الإتجار بالبشر، وخطة مصر لمكافحتها، وحقيقة انتشار هذه التجارة فى سيناء، وغيرها من القضايا الأخرى المهمة.. فإلى نص الحوار: - ما معنى الإتجار بالبشر.. كما جاء فى قرار الأممالمتحدة؟ * الإتجار بالبشر هو الجريمة المنظمة التى تنطوى على فعل تجنيد ونقل أو إيواء أشخاص بكل وسائل القوة والإكراه أو غيرها، لغرض الاستغلال، فكل عام الآلاف من النساء والرجال والأطفال يقعون فى أيدى المتاجرين، فى بلدانهم وخارجها، وقد تتأثر كل دول العالم من جراء جرائم الإتجار بالبشر، لذا أصبح هناك تحد كبير يواجه كل دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة، هو استهداف المجرمين الذين يرتكبون هذه الجريمة البشعة، وحماية ومساعدة الضحايا. - وما العوامل التى تمهد لهذه الظاهرة؟ * العوامل التى تجعل الناس عرضة للإتجار، ترتبط فى كثير من الأحيان بالظروف السائدة فى بلد المنشأ، واللاجئون من أكثر الفئات عرضة لجريمة الإتجار بالبشر، على الرغم من حقيقة أنه من خلال فصل واضح بين التهريب والإتجار، ومن المقبول على نطاق واسع من الناس، ضحايا الإتجار، تحليل نقاط تهريب اللاجئين والوصول إلى حلول سياسية، من بينها، التنفيذ الكامل لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بمركز اللاجئين، ومعالجة الأسباب الجذرية فى بلد المنشأ، مثل الصراعات والأزمات الإنسانية، وتعزيز التعاون مع المفوضية فى التعامل مع اللاجئين، ووضع برامج العودة الطوعية. - ما دور اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر؟ * مصر تحافظ على التزاماتها الدولية التعاقدية، وهى عضو فى اتفاقيات دولية لمنع ومكافحة الإتجار فى البشر، ومنها "بروتوكول باليرمو" فى هذا الخصوص، ولدينا التشريع الوطنى واللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الإتجار بالبشر، نقدم التقارير، كما نرد على استبيانات الأممالمتحدة وأجهزتها المعنية، ورغم أن مصر تمر بمرحلة مخاض سياسى، وانتخابات تشريعية، لكن المؤسسات تعمل، والالتزامات التعاقدية الدولية تحترم، وعمل اللجنة الوطنية لم يتوقف يوما واحدا منذ ثورة 25 يناير، حيث قدمنا تقاريرنا لمجلس الوزراء، كما نقوم بإجراءاتنا وبرامجنا، من أجل تنفيذ كل البرامج الخاصة بهذه الاستراتيجية التى امتدت على مدى سنتين، بدأناها من يناير2011، وبطبيعة الحال هناك برامج اضطررنا إلى ترحيلها وإدخال برامج أخرى بدلا منها، وقد انتهينا من 28 برنامجا، دون أن تتكلف الدولة مليما واحدا، بالتعاون مع المنظمات الدولية والأجهزة المصرية والمجلس القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، حيث أجرينا برامج عديدة فى القضاء والنيابة، وفى مختلف التخصصات، وتنظيم برنامج للدبلوماسيين بوزارة الخارجية فى هذا المضمار. - وما القرارات التى تم اتخاذها لحماية ضحايا الإتجار بالبشر؟ * المؤسسات المصرية تعمل فى ذلك بجدية، بشهادة مؤسسات دولية ومسئولين دوليين، بأن مصر مستمرة فى إجراءاتها لحماية ضحايا الإتجار بالبشر، علما بأن هذه الجريمة ترتفع فى حالة السيولة الأمنية، وحالات الأزمات الاقتصادية، وقد رأت اللجنة الوطنية تكثيف عمليات التوعية، حتى نضيق الخناق على أى من أصحاب النفوس الضعيفة لارتكاب هذه الجريمة، مما يعطى رسالة إيجابية، ويحمى المجتمع، لأن المجرم جبان، ويحتاج إلى إبراز وجودك، وللأسف الشديد نتيجة للأولويات الحالية فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية أو حدوث كوارث وطنية كل فترة على المستوى السياسى، سواء من أحداث شارع محمد محمود، أو ماسبيرو أو كارثة احتراق المجمع العلمى.. كل ذلك أدى إلى عدم إبراز دور اللجنة فى الإعلام، لأن الأولوية للأحداث الجارية والانتخابات، والله وحده يعلم وطأة الضغوط النفسية التى نعمل فيها. - وهل استعانت بك الجمعية التأسيسية بشأن المادة المتعلقة بالإتجار بالبشر؟ * بالفعل اتصلوا بى للحضور بخصوص هذه المادة، وكانت لجنة يرأسها المستشار الغريانى، لكن كان ذلك بعد وضع المادة، وليس قبل وضعها، وكنت أتمنى أن يكون ذلك مبكرا، حتى تكون المشاركة أكثر فاعلية. - ما خطة العمل المصرية فى هذا السياق؟ * اعتمدت مصر أول خطة عمل وطنية تغطى الفترة من يناير 2011 حتى يناير 2013، والتى عكست النهج الشامل الذى اعتمدته مصر فى مكافحة الإتجار بالبشر، يقوم على الوقاية والحماية والملاحقة القضائية والمشاركة، ويوفر الحماية للفئات المعرضة للخطر من النساء والأطفال، بالإضافة إلى التعاون مع المجتمع المدنى، وهو جزء مهم من الجهود الوطنية فى مجال مكافحة الإتجار بالبشر، وشملت أنشطة وعقد برامج تدريبية للمنظمات غير الحكومية على الصعيد الوطنى، والمساعدة على تنبيه المسئولين والدولة عن التشريعات التى تخص هذا الموضوع، ودورها فى الحد من هذه الظاهرة. - هل هناك دور لمركز القاهرة لفض المنازعات فيما يخص هذه القضية؟ * بالتأكيد.. فمركز القاهرة له دور كبير فى هذا الموضوع، وعلينا أن نستعين بمركز القاهرة لفض المنازعات فى أفريقيا وأوربا، الذى يقوم بتدريب الدبلوماسيين على فض المنازعات، وكيفية تعاملهم مع قضايا الإتجار بالبشر، التى من الممكن أن يتعرض لها المصريون فى هذه الدول، لأن موضوع الإتجار بالبشر له أشكال متنوعة، وقد يقع البعض فى هذا الفخ دون أن يعلموا، وعلينا نحن كدبلوماسيين ومسئولين فى هذه الدول أن نعرف أولا كل ما يتعلق بهذا الموضوع، حتى نستطيع معالجة الأمور بحكمة، بحيث نستطيع مساعدة مواطنينا فى الخارج. - لماذا لا تعقد مؤتمرات مكثفة لتوعية الشعب بمخاطر قضية الإتجار.. وماذا قدمتم فى هذا السياق؟ * بداية.. نحن لا نؤمن بالمؤتمرات، ومواردنا محدودة، وعملنا تطوعى للقيام بالتدريبات، وبمساعدة المنظمات غير الحكومية، ونحن جهة تنسيقية تضع الخطط والبرامج، ومن وضعنا القانون الذى تم إقراره عام 2010 فى مجلس الشعب، وهذا يعتبر إنجازا كبيرا. - ما وضع مصر بين الدول المتقدمة بالنسبة لهذه القضية؟ *مصر دولة طرف فى جميع "الصكوك القانونية الدولية" ذات الصلة بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، بما فى ذلك "بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص"، خاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، فمصر تسعى لتنفيذ التزاماتها الدولية، من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة تستند إلى نهج حقوق الإنسان. - لكن هناك معلومات بأن هناك إتجارا فى الأعضاء البشرية فى سيناء.. ما حقيقة هذا الأمر؟ * ما قيل حول الإتجار فى الأعضاء البشرية بسيناء صحيح ومستحيل، فمن الصعب على المتسللين الأفارقة الذين يهاجرون لمصر بهجرة غير شرعية أن يدخلوا عن طريق سيناء، ثانيا.. كيف أذبح شخصا، وأخرج أعضاءه، كى أتاجر بها فى صحراء؟.. فالموضوع يحتاج حينها لطائرة هليكوبتر لنقل الأعضاء بسرعة إلى القاهرة لضمان زراعتها للشخص المريض، قبل أن تصاب بالتلف، وبالتالى فهذا شىء مستبعد فى سيناء، كما ادعوا. - ذكرت أن بعض الحكومات الأفريقية لا تساعدنا للحد من مشكلة الإتجار بالبشر.. كيف؟ هذه حقيقة، فلدينا فى مصر أفارقة كثيرون من دول مختلفة يتسللون عبر سيناء وليبيا للدخول إلى إسرائيل، ومنها إلى أمريكا أو يبقون فى مصر بأعداد ضخمة، والشىء الغريب أنه عندما يتم القبض عليهم كى يتم تسليمهم إلى بلادهم يرفضون تسلمهم، ويظلون محتجزين لدينا، وهذا الأمر إن كان يحدث معنا، فما بالنا مع باقى الدول، فهذا الأمر يشجع أكثر على الإتجار بالبشر، لأن هؤلاء مرفوضون حتى من أوطانهم، وهذا يمثل خطورة كبيرة، ويشجع على رجوع الرق، وتجارة الأعضاء، لأن هؤلاء ليس لديهم دية. - بحكم المشكلات الكثيرة التى تأتينا من الهجرة غير الشرعية، خاصة القادمة من أفريقيا.. ماذا فعلتم للحد من تلك المشكلات؟ * بحكم علاقاتى مع الدول الأفريقية، قدمنا 1500 شاب موظف مصرى للتدريب على الحوار داخل أفريقيا، وهذا سيجعل هناك سهولة للتفاوض مع الأفارقة، خصوصا فيما يخص الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتسهيل المناخ للمصريين الذين لديهم الرغبة للعمل فى أفريقيا. - قلت إن هناك ضرورة تدريب قوات حفظ السلام على قضية الإتجار بالبشر.. لماذا؟ *قوات حفظ السلام هى أحد العناصر الرئيسية فى أى سياسة فعالة لمكافحة الإتجار بالبشر، بحكم أنهم يتواجدون فى أماكن النزاعات، والتى ينتج منها الإتجار بالبشر، بحكم ما ينتج من حروب، ومن أسرى ومحتجزين يقومون ببيعهم بصورة رخيصة لمن يدفع الثمن، لذا فمن المهم أن تكون تلك القوات على معرفة جيدة بقضية الإتجار بالبشر وتداعياتها القانونية قبل، إرسالها إلى الخارج، خاصة فى مرحلة ما بعد الصراع فى تلك المناطق التى ينتشر فيها الإتجار بالبشر، وينبغى أن يشمل التدريب المعايير الدولية لحقوق الإنسان وقوانين الإتجار بالبشر، والإجراءات القياسية فى تحديد ومنع الإتجار بالبشر، بما فى ذلك الكشف المبكر وعوامل الخطر وعلامات التحذير، مثل القصر غير المصحوبين أو حاملى وثائق سفر صالحة، والتمييز بين حالات غريبة التهريب، والتبنى غير القانونى، والإتجار بالبشر. - بصفتك رئيس اللجنة الوطنية للدول الفرنكفونية.. هل حال المرأة الأفريقية أفضل من المصرية؟ * حال المرأة فى مصر وأفريقيا متشابه، فغالبية الدول الأفريقية تعانى المشكلات نفسها، بالنسبة لحقوق المرأة، وعلى رأسها ختان الإناث، وهذا يؤكد أن مشكلة الختان لا ترتبط بالدين، إنما هى عادة أفريقية صميمة، ولابد أن ننوه إلى أهمية التوعية لهذه المشكلة الخطيرة التى تؤثر على صحة وحياة الفتيات وسلامتهن الجسدية والنفسية، وأنه يتعين التوعية بمخاطرها، والتعاون على المستوى الإقليمى لمجابهتها واستئصالها. - وما السر وراء اهتمامك الكبير بنشر اللغة الفرنسية فى مصر؟ * أنا أسعى لعديل مكانة اللغة والثقافة الفرنسية فى مصر، من منظور أننى تلميذة بطرس غالى، وتعلمت منه أن المستقبل الحقيقى فى العقد القادم للقارة السمراء، وبالتالى أدركت أنه لابد من الاهتمام بالثقافة الأفريقية عن طريق الاهتمام باللغة الفرنسية، على أساس أن نصف أفريقيا تتحدث بهذه اللغة، التى ستصبح ذات فائدة كبيرة للشباب المصرى، حتى نفتح لهم سوق عمل فى أفريقيا، موازية لسوق العمل فى الخليج، ولا يكون كل التركيز على الخليج، وكنت سفيرة فى جنوب أفريقيا، وأعلم أن هذه القارة غنية بثرواتها، وتستوعب عمالة مصرية كبيرة، ونحن جزء منها، ولابد أن نستغل حب الأفارقة لنا، ومن هنا حرصت على دعم اللغة الفرنسية. - وهل أنت ضد تعريب العلوم؟ * بالعكس.. أنا مع تعريب العلوم، ومن أكبر المدافعين عن اللغة العربية فى الأممالمتحدة، لكن هذا لا يمنع أن يكون لدى شبابنا أكثر من لغة، فأنا لدى أكثر من لغة، ومع ذلك فأنا أعتز بلغتى العربية، وكل كلامى فى المؤتمرات وفى الأممالمتحدة يكون بالعربية، لكن عندما أجلس من أجل التفاوض، يكون هذا حتميا باللغة الأجنبية، وبالتالى فتعلم اللغة الأجنبية حتميا بجانب العربية. - أخيرًا: ماذا عن تكريم السفير الفرنسى لك العام الماضى؟ * هذا التكريم عزيز على نفسى، حيث كرمنى السفير الفرنسى فى أبريل من العام الماضى، وتم منحى "السعفة الأكاديمية" بدرجة ضابط من قبل الحكومة الفرنسية، وذلك تقديرا للجهود التى قمت بها فى دعم العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا، ودعم اللغة الفرنسية والآداب والعلوم باللغة الفرنسية بمصر.