عندما بلغت الثامنة والعشرين من عمرى بدأت عائلتى فى البحث عن عروسة لى حتى أكمل نصف دينى، وبعد صولات وجولات من العمل الشاق على غرار أفلام مهمة مستحيلة ل"توم كروز" استقر رأيهم على إحدى الفتيات قالوا لى وقتها: أنها "مال وجمال" (اتنين فى واحد زى الشامبو بالظبط)، وبما أننى أعشق "هيد آند شولدرز" قررت أن أسرق ساعة من الزمن وأجلس معها حتى أتعرف على زوجة "الفيوتشر" قصدى المستقبل. حددت العائلة الكريمة موعد الزيارة، وأثناء توجهنا إلى المنزل، تذكرت كلمة قالها لى أحد الأصدقاء المقربين، بأن البنت عندما يتقدم إليها عريس وتكون مقتنعة به، فإنها تحول البيت إلى سوبر ماركت بداية من ال"ليبتون" وصولا إلى شاى "أم حسن" بتاع عادل إمام، وعندما تجلس معها لا تفرض عليك رأيها، وأنما تقول لك تحب تشرب إيه (إحنا عندنا كل حاجة)، عشان تفهمك إنها مهتمة بيك قوى. وبالفعل، دخلت منزل الفتاة وعندما صافحنى والدها عرفنى بنفسه وقال لى بأن اسمه "رجب" وهؤلاء أولاده الثلاثة، ابتسمت قليلا وقلت فى نفسى ياله من فأل حسن نبؤة صديقى تحققت، فتحول البيت فى لحظة إلى سوبر ماركت، وحان الوقت لكى أطلب ما أريده، لكن أين العروسة التى حكوا لى عنها. دقائق قليلة ودخلت علينا، فإذا بى أجد أنثى رائعة الجمال شعرها ينساب فوق ظهرها كما لو كانت فتاة إعلانات شامبو "صان سيلك" أو المرأة التى تظهر على علبة زيت "دابر أملا"، جلست فى الجهة المقابلة لى ولم تتكلم، وبعد فترة كان السؤال المرتقب الذى أنتظره: "تحبوا تشربوا إيه". كلهم طلبوا فى حدود المتاح وبقى لى أن أختار، وبالطبع سألتنى الفتاة بصفة خاصة تحب تشرب إيه إحنا عندنا كل حاجة، شاى قهوة مانجو فرولة، "أى حاجة موجودة عندنا"، فكرت قليلا وقلت لها هل لديكم "نسكويك"، ارتسمت علامات التعجب على جميع الحاضرين وشعرت بأن الفتاة تريد أن تقول لى: "يا سخطة". ووالدة العروسة: "نعم يا روح أمك". فكرت مرة أخرى، وقلت لها هل لديكم "فربتشينو" رد والد الفتاة بتهكم: "هو مال لسانك يا بنى"، قصدك "كابتشينو". قلت: "لأ" اسمه "فربتشينو" يا عمى، ده مشروبى المفضل. قالوا لى: "لأ"، طب "كافيه لاتيه" برده "لأ"، لحظات بسيطة وبدءوا يشعرون بأننى سخيف ودمى تقيل.. "أخذت الختم" بالتأكيد، فدائما ما يدوم الانطباع الأول خاصة لدى المصريين. بعد محاولات عديدة استقريت على ال"فخفخينا" مشروب "أولاد ناصر" الشهير على ناصية محطة الإسعاف فى وسط البلد، ومن جبروتى وقلة أدبى اشترطت عليهم أن تكون الفراولة فى الأسفل، والمانجو فى المنتصف، والجوافة على السطح، وكان لى ما طلبت. بعد دور العصير، لمحت طرف علبة الجاتوه قادمة من المطبخ، وعندما اقتربت منى كانت الفاجعة الكبرى اكتشفت أنها تخص محل "التيسير" (حلوانى الغلابة فى شارع رمسيس)، هرشت قليلا فى رأسى وقلت لنفسى بحسرة كيف يحدث هذا أين "لابوار" و"تسيباس" وبسبوبة "سوليه سُكرية" أهذا مقامى. انتهت صنية الجاتوه، وجِهْ دور الشاى، وقلت فى عقلى أكيد هيبقى "وينجز" وارد إنجلترا أو أحد الأنواع المشهورة فى سوبر ماركت "مترو"، وعندما أخذت رشفة من الكوب شعرت بأننى رجعت إلى الوراء 20 عاما، لكن هذه المرة تجرأت وسألتهم ما نوع هذا الشاى قالوا لى: إنه "الشيخ الشريب". قلت لهم: ياه بتاع الثمانينيات اللى كان بيوزعوه مع التموين، ردت عليا والدة العروسة: "منتا واعى أهه وفاهم كل حاجة أمال إيه "فسكويك" و"هبتشينو".. قصدك "نسكويك" و"فربتشينو". معلش يا "طنط" أنا مبحبش أى حد يغلط فى الحاجات اللى بحبها أبدا... آه بالحق هو حضرتك بتحبى إيه من المشروبات. والله يابنى طول عمرى أعرف ال "كوكا كولا" وال "بيبسى" باين عليكى وزنك زايد فعلا، وأنت يا عمى أنا.... متكملش شكلك كدة بتحب ال "سفن أب" أصلك بتفكرنى ب"فيدو ديدو" بتاع زمان، رد عليا بتبريقة... ماشى يا عم "كيمو كونو". انتهت المقابلة بحلوها ومرها، وفى اليوم التالى انتظرت الرد من العائلة، وكان على النحو التالى: "الناس بيقلولك هما مش عايزين يشوفوا وشك تانى و"أولاد رجب" مستحلفنلك لو لمحوك معدى من تحت باب البيت هيعلقوك من هدومك على باب الحارة".