يتوعدون شباب التحرير بالانتخابات (التى ستكشف حجمهم الحقيقى)، ناسين أنه لولا هؤلاء الشباب لما كانت هناك انتخابات من أصله، ولكان جمال الآن مرشحا للرئاسة، ولكان برلمان مزور هو الذى يشرع لنا، ولكان مذيع البط والأوز وحامل لواء دعم المجلس العسكرى تطور إلى السجود على قدم صفوت الشريف بعد ركوعه على يده. لكنها البجاحة. أقول هذا وأنا عائد لتوى من اللجنة الانتخابية. خشيت إن انتظرت دورى فى هذا الزحام المحبب أن لا أستطيع كتابة هذا المقال وإرساله إلى الجريدة قبل موعد الطباعة. فقلت لنفسى سأكتب المقال ثم أعود. أرسل احتراماتى ومحبتى وتقديرى إلى شباب مصر الرائع الذى أرانى هذا اليوم، وما حسبته يأتى، ثم أعود. بالمرة أقول لهم وهم يتعرضون لحملة أخرى من التشويه والتضليل، تشارك فيها نفس وجوه الحقبة السابقة، وتتلون فيها نفس جماعات الكراسى وأحزاب الديكور التى كانت تتلون، إننى وملايين غيرى ندرك فضلكم علينا. نتائج الانتخابات ليست استفتاء على شعبيتكم كما يقولون، لأن الإنسان ينتخب بمعايير أخرى، والانتخابات تُربح بالمال والدعاية والتنظيم، وحظكم من هذا قليل، إذ إنكم مشغولون بتكريس الحقوق لا بالتكسب من ورائها. الاستفتاء على شعبية ثورتكم هو الملايين التى خرجت بسببكم للانتخاب بعد أن ظلت ستين سنة فى البيوت، حتى من خرج يلعنكم وقد صمت ستين سنة عن لعن الاستبداد أو مواجهته. يجب أن يخجل من أنفسهم أولئك الذين خرجوا من الاجتماع مع المجلس العسكرى ليشيدوا بالخطوات التى اتخذها المجلس، ثم يلمزوكم أنتم، ناسين أن المجلس لم يكن ليلتفت إليهم لولاكم ولولا تضحياتكم. لولاكم لما ألغيت المحاكمات العسكرية، ولحظيت المؤسسة العسكرية بوضع خاص فى الدستور الجديد، ولظلت حملات مرشحى الرئاسة معلقة، لأنهم لا يعرفون مواعيد انتخاباتهم. يجب أن يخجل هؤلاء من أنفسهم أنهم لا يردون لكم الجميل أبدا، بل آيات شكرهم وامتنانهم تتوجه نحو السلطة التى اغتصبت الحقوق، وليس نحو من ضحى ليسترد الحقوق. يتجاهلون تماما قضايا الشهداء وأهاليهم، وقضايا المصابين وحقوقهم، وقضايا ملاحقة المجرمين الذين أصدروا الأوامر بقتل المتظاهرين. يروجون لنظرية «الطرف الثالث» لتضييع الحق. ويروجون لبضعة مكتسبات تافهة إذا ما قورنت بما ينادى به شباب الثورة من تطهير كامل لأجهزة الأمن وأجهزة الإعلام. لميس الحديدى استضافت أحد هؤلاء المروجين، فقص عليها قصة. لقد بلغه وهو فى طريقه إلى الاستوديو أن مجموعة فى الميدان تحقن كرات التنس بالبنزين وفى طريقها الآن إلى ماسبيرو. والخطة، كما سمعها من مصدر مسؤول، أن يحدث هؤلاء أزمة أمام ماسبيرو، بينما يعلن آخرون فى ميدان التحرير، فى نفس الوقت، عن مجلس انتقالى تعترف به دول غربية. هذا الشخص كذب كذبة وصدقها، وظل يتحدث عن الخيانة لمصر العظيمة بهذا الفعل. وبعد فاصل من (كلمة قبيحة)، سألته المذيعة السؤال الذى كان يجب أن تسأله من البداية: ماذا؟ حدث لهؤلاء؟ فأخبرها أنه لا يعرف لأنه جاء إلى الاستوديو مباشرة. ثم – فاصل. بعد الفاصل أخبرنا هذا الشخص بالنهاية السعيدة. لقد تصدى شباب شرفاء فى الميدان لهؤلاء المخربين. (كلمة قبيحة من ثلاثة أحرف). طيب يا شخص، وماذا عمن كانوا يستعدون للإعلان عن «مجلس انتقالى» فى نفس اللحظة؟ إن هؤلاء هم مربط الفرس، إنك تلف وتدور بسبب المجلس المدنى الانتقالى. هل بلّغت عنهم؟ هل ألقى المسؤول الذى أخبرك بالقصة القبض عليهم بتهمة الخيانة؟ بالطبع لا. أتعرف لماذا. لأنه طويلٌ جدا منخارك. لقد انتقدت هذا الشخص أكثر من مرة فى مقالات سابقة، ذكرته بالاسم. هذه المرة أصاب بالقرف لمجرد التفكير فى كتابة اسمه. لكن جزءا من اسمه يشبه مقطعا من اسم حيوان ظهر فى القطامية قبل سنوات، وقيل إنه بين الكلب والذئب، وملأت سيرته الصحف والمجلات، ثم اختفى وصار نادرة. وبعد، أعود إلى الانتخابات، ومن سيفوز فيها. ليس هذا مهما والله. أتمنى أن لا نقع نحن المصريين فى مصيدة التعصب الانتخابى كما وقعنا فى مصيدة التعصب الكروى. الأهلى يفوز دائما لأن الآخرين ينكسرون. لولا هذا لصار الدورى عندنا كما البريميير ليج، لا تستطيع أن تتوقع من يفوز به. أن تربح الانتخابات أو تخسرها ليست نهاية العالم. المهم أن تكون مشاركا، أن تصر على حقك، مرة بعد مرة بعد مرة. إن كنت لم تنتخب فى اليوم الأول فاذهب لتنتخب من فضلك، ثم لنعد معا إلى الاعتصام. لا تعارض بين الاثنين أبدا.