تنظر إلى عينيه، فتكتشف أن عينه اليسرى لا تتحرك، أضاعها التعذيب فى السجون، تتفقد شقته المتواضعة فى حدائق المعادى فيبدو لك واضحا أنه يعيش وحيدا، فرغم أعوامه السبعين، لم يتزوج. يقطع عليك أفكارك وتساؤلاتك بالاعتراف بأن أكبر خطأ ارتكبه فى حياته أنه أسرف فى السفر والترحال دون الاعتبار للحظة الشيخوخة. إنه على مختار القطان، الرجل الذى ساقه القدر إلى مبارك داخل المسجد النبوى، ليقف أمامه وجها لوجه، ويقول له دون خوف أو خجل «اتق الله واحكم بالعدل». نصيحة لو أخذ بها مبارك ربما كانت قد رحمته من المصير الذى أوصل نفسه إليه. نقلة نوعية كبيرة حدثت فى حياة القطان، فى أثناء شبابه، حين كان عضوا فى التنظيم الطليعى مؤمنا بالحلول الاشتراكية، ولم ينضم إلى تيار إسلامى قط، فبعد قضائه ست سنوات فى الجيش، اجتاحته رغبة فى العيش بالمدينة المنورة، رافضا خطاب التعيين فى القاهرة، وعبر خطاب بسيط كتبه إلى الملك فيصل تحققت رغبته، فانتقل إلى مثوى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعمل بمؤهله «كلية الخدمة الاجتماعية» فى وزارة العمل السعودية.. ولعه بالسفر قاده إلى الانتقال إلى باريس عام 1975، تلبية لندّاهة العلم، لكنه عاد مرة أخرى إلى السعودية دون تحقيق ما صبا إليه. مشوار القطان عبر 50 دولة، منها السودان وكندا والسويد والنرويج وباكستان، لكنه فى كل مرة كان يعود إلى حضن مدينة الرسول، التى يتمنى أن يدفن بها، حتى استقر بها فى بداية التسعينيات. «الأمر كان هينا، لكن الإعلام ضخمه كأنى كنت فى غزوة.. ففى أحد الأيام كنت جالسا فى المسجد النبوى، وعرفت أن شخصية مهمة سوف تزور المسجد لتؤدى العمرة، لكنى لم أكن أعلم من القادم»، القطان يحكى القصة التى كانت سر شهرته، ويستكمل: «فجأة دخل أفراد من الأمن السعودى وحاولوا إخراجى، فقلت لهم أنا شيخ كبير ولا ضرورة لإخراجى، فتركونى فى المسجد. وما هى إلا لحظات وإذا بى أرى مبارك أمامى، أنظر إليه وجها لوجه، فوجدت لسانى يأبى السكوت وقلت له فى جملة واحدة: اتق الله واعدل بين الناس واحكم بالعدل». بعدها تبدل الحال فى ثوان، وتجمع حول القطان حراس مبارك، وأخذوا رئيسهم بسرعة وأخفوه بينهم خوفا عليه من الاغتيال أو القتل، وما هى إلا لحظات أيضا حتى تم اقتياد القطان إلى الأمن السعودى والتحقيق معه بأسئلة روتينية: عمن يدعمه ولحساب من يعمل؟ يستدعى القطان صفحة سوداء من ذاكرته، ويقول: «تم نقلى على طائرة مصرية، مكبلا بالسلاسل وأودعونى فى سجن الطور بعد ذلك، منذ بداية العام 1993 حتى 2008، ولا أحد يعرف عنى شيئا خلال ال12 سنة الأولى من سجنى، وكلما أطالب بالإفراج عنى، كان ضباط السجن يردون: ده شىء مستحيل، أنت مشكلتك مع الريس». وجه القطان يتبدل فجأة ليوحى بشجن دفين، وهو يقول: «تعرضت للتعذيب داخل السجن بشكل وحشى، لإرغامى على الاعتراف بأمور لا أعرف عنها أى شىء، بأنى أنتمى إلى تنظيم القاعدة وأريد قتل الرئيس، وتم عزلى فى زنزانة انفرادية لمدة عشر سنوات، لا أكلم أحدا، وخلالها فقؤوا عينى من شدة التعذيب. كانوا يتركوننى عاريا فى الشتاء القارس داخل الزنزانة، حتى أصبت بأمراض الكبد والغضروف وغيرها، ثم أخرجونى فجأة دون أى توضيح سوى أنهم لا يريدون رؤيتى مرة أخرى».