ثمة علاقة عجيبة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبقايا الحزب الوطنى المنحل! فهناك إصرار من قيادات المجلس العسكرى على التمسك بأهداب النظام الساقط! وكأنما الثورة قد قامت لخلع حسنى مبارك وعائلته فقط لا غير! بينما ثوار يناير يهتفون من أول يوم: « الشعب يريد إسقاط النظام». فهذا التردى المخجل والمؤلم فى مستويات معيشة جموع شعبنا الحمول، لا يعالجها رحيل مبارك وحده، ما دام نظام حكمه القائم على الظلم والاستبداد والفساد والإفساد، مستمرا كما هو بالضبط. ولأن حسنى مبارك كان مجرد موظف فى بداية السلم الوظيفى فى جهاز الدولة المصرية، وظل يعمل فى وظيفة «ضابط» على مدى سنوات طوال، وأخذ يترقى درجة بعد أخرى حتى وصل فجأة إلى أعلى منصب فى الدولة، وأصبح رئيسا للجمهورية! فقد كان دائما ما ينشد الاستقرار على هذا الوضع الذى لا يستحقه، والذى لم يتخيله يوما! والاستقرار كما يفهمه مبارك هو أن يبقى كل شىء على حاله! فهو جالس على سدة الحكم، يتمتع برغد العيش، وبالشعور أن كل شىء فى مصر ملك يمينه! وزوجته وأولاده يعيثون فى الأرض فسادا كما يحلو لهم. ولذلك لم يرغب فى تغيير أى شىء! لأنه يخشى من حدوث أى تغيير قد يهز كرسيه، وكل ما حدث من تغييرات فى مصر فى الثلاثين عاما الأخيرة، تمت غصبا عنه، بمعنى أنه كان مضطرا إلى عمل التغييرات التى حدثت! ويبدو أن هذا التصور الخاطئ لمعنى الاستقرار، قد انتقل -من خلال معايشة مبارك لسنوات طوال- إلى السادة فى المجلس العسكرى! ولذلك يتمسك المجلس بكل القيادات القديمة الفاشلة والفاسدة! وبالتأكيد كلنا نتذكر الصراع العنيف الذى خاضه الثوار ومعهم جماهير شعبنا، من أجل أن يقيل المجلس حكومة أحمد شفيق، التى عينها المخلوع! فمن يتصور أن يرحل مبارك، وتبقى حكومته فى سدة الحكم؟! وهكذا الأمر مع كل قيادات البلد الفاشلة والفاسدة، فقد تمسك المجلس العسكرى بوزراء فاسدين من عينة سيد مشعل، ومحافظين فشلة من أمثال مصطفى السيد، الذى أجج فتنة كنيسة المريناب فى أسوان، وثمة نائب عام لا يمثل الثورة، فقد عينه مبارك لكى يتجاوز عن بعض قضايا الفساد، ويتصدى لبعضها الآخر! وقد عقد الفريق سامى عنان رئيس أركان الجيش اجتماعا مع بعض الأحزاب والقوى السياسية، وفى نهاية الاجتماع وعدهم عنان بدراسة المنع السياسى لقيادات الحزب الوطنى لمدة سنتين، ثم تم فتح باب الترشح لانتخابات مجلسى الشعب والشورى، فهجمت جحافل الفلول على الترشح فى مختلف الدوائر الانتخابية! فهل مطلوب منا بعد الثورة أن نعيد حسام كامل صاحب الدكتوراه الفخرية لسوزان مبارك إلى رئاسة جامعة القاهرة؟! وكذلك نعيد عملاء الأمن أو عمداء الكليات إلى مقاعدهم الوثيرة؟! وأيضا نحتفظ بالوزراء والمحافظين الذين عينهم مبارك؟! ثم ها هى مقاعد البرلمان تقدم للفلول؟! لقد هددت عناصر من الفلول المجلس العسكرى بقطع الطرق، واحتلال أقسام الشرطة، و.. و..، فى حالة تطبيق قانون الغدر! والعجيب أن المجلس العسكرى صمت على هذه التهديدات المستفزة، ولم يُصدر مرسوم العزل السياسى لقيادات الحزب المنحل!