حالة من الفوضى تسيطر على تعامل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قضية الحرب التجارية مع الصين، فمنذ عشرة أيام فقط، توصل الطرفان إلى هدنة مؤقتة. وقال الجانبان: إنهما "اتفقا على عدم فرض تعريفات جمركية جديدة على بضائع بعضهما البعض، مع استمرار المحادثات، وأن الصين ستزيد من مشتريات السلع والخدمات الأمريكية لتخفيض عدم التوازن التجاري البالغ 375 مليار دولار". إلا أن البيت الأبيض غيّر من لهجته فجأة يوم الثلاثاء، حيث قالت "شبكة "سي إن إن" الأمريكية إن "الولاياتالمتحدة أعلنت أنها ستستمر في فرض الرسوم الجمركية على بضائع صينية بقيمة 50 مليار دولار، بالإضافة إلى فرض قيود على الاستثمار في التقنيات الهامة". من جانبها صرحت الحكومة الصينية بأن هذا الإعلان "ينتهك بوضوح التوافق الذي توصلت إليه الولاياتالمتحدةوالصين، مؤخرًا في واشنطن". اقرأ المزيد: بعد الاتفاق على تخفيض العجز التجاري.. هل انتهت الأزمة بين أمريكاوالصين؟ وأشارت الشبكة إلى أن أحد التكتيكات الرئيسية للرئيس دونالد ترامب في المفاوضات لا يمكن التنبؤ بها، كما أنه اعتاد على التهديد باتخاذ قرارات بشكل فردي، في محاولة لكسب النزاعات التجارية. ويبدو أن استراتيجيته بشأن الصين، تثير حفيظة الخبراء التجاريين الذين يعتقدون أنها يمكن أن تسبب في النهاية الحد من قدرة الولاياتالمتحدة في الحصول على ما تريده من بكين. فيل ليفي الباحث في الاقتصاد العالمي في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، وكبير الاقتصاديين السابق خلال إدارة جورج دبليو بوش قال: إنه "إذا كنا نحاول تغيير السلوك الصيني، فإن هذه الإشارات الصاخبة لن تساعدنا على تحقيق ذلك". وتأتي حالة الفوضى التي تهيمن على هذه القضية بسبب الانقسامات الدائمة داخل فريق ترامب، الأمر الذي أدى إلى تعقيد محادثات التجارة منذ البداية. اقرأ المزيد: رغم اتفاق الصينوأمريكا.. شبح الحرب التجارية ما زال قائمًا فعندما قام ترامب في البداية بتوجيه الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر، بفرض رسوم جمركية على صادرات صينية بقيمة 50 مليار دولار في مارس الماضي، بعد تحقيق استمر عدة أشهر في سرقة حقوق الملكية الفكرية، تم الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها انتصارًا للصقور في إدارة ترامب، لكن في الأسابيع اللاحقة، ركزت المفاوضات مع الصين على مخاوف أضيق، مثل العجز التجاري الثنائي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال البلدان: إنهما "توصلتا إلى اتفاق مبدئي، وأن الصين سوف تزيد بشكل كبير من مشترياتها من البضائع الأمريكية، وصرح وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن أن الحرب التجارية أصبحت "معلقة". في المقابل أصدر لايتهايزر بيانًا يحذر فيه من أن القضايا الرئيسية بين الجانبين لا تزال دون حل، وأن التعريفات الجمركية والقيود على الاستثمار وأنظمة التصدير لا تزال مطروحة على الطاولة. وقال إريك ألتباخ، النائب الأول لرئيس مجموعة "أولبرايت ستون بريدج" والنائب المساعد السابق للممثل التجاري الأمريكي لشؤون الصين في عهد باراك أوباما: إنه "ليس لدى الصين أي سبب لمعالجة القضايا التي طرحتها الولاياتالمتحدة، إذا بدت أولويات الحكومة الأمريكية في حالة تغير مستمر". اقرأ المزيد: الهدنة التجارية بين الصينوأمريكا تكشف نقاط ضعف ترامب و«شي» وأضاف "عندما تصبح قيادة أجندة التجارة في تذبذب بين منوشن ولايتهايزر، فإنها لا تحفز أي شخص، وخاصة الصينيين، على البدء في تقديم تنازلات كبيرة". وأشار الباحث فيل ليفي إلى أن الرسائل المختلطة، تضعف موقف الولاياتالمتحدة من خلال تقليل فرص التعاون مع الدول الأخرى، حيث إذا كان الخلاف مع الصين يدور حقًا حول سرقة الملكية الفكرية، فمن المحتمل أن تتعاون الولاياتالمتحدة مع بعض حلفائها للضغط على بكين. لكنه أضاف إذا اعتقد هؤلاء الحلفاء أن الولاياتالمتحدة ستغير فجأة من موقفها، وستركز فقط على تقليل العجز التجاري، فمن المحتمل أنهم لن ينضموا إليها. "سي إن إن" ذكرت أن هناك بعض الأسباب التكتيكية التي قد تكون دفعت إدارة ترامب إلى المضي قدمًا في فرض التعريفات الجمركية والقيود على الاستثمار. اقرأ المزيد: هل ينجح فريق ترامب في وقف الحرب التجارية مع الصين؟ ويرى وليام رينش، أحد كبار مستشاري مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي خدم في إدارة كلينتون، أن هذا القرار يمكن أن يكون محاولة لكسب النفوذ، في الوقت الذي يسافر فيه وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس، إلى الصين الأسبوع الجاري لإجراء مزيد من المناقشات. بالإضافة إلى ذلك، واجه ترامب ضغوطًا سياسية كبيرة من الكونجرس الأمريكي لكي يكون قاسيًا على الصين في الأيام الأخيرة. كانت وزارة التجارة قد أبلغت الكونجرس يوم الجمعة، عن خطة لتخفيف العقوبات على شركة "زد تي إي" الصينية لتصنيع معدات الاتصالات، التي عانت من حظر تصدير منتجاتها إلى الولاياتالمتحدة الذي صدر في أبريل الماضي، كعقوبة على ما قالت واشنطن إنه انتهاك لعقوباتها ضد كوريا الشمالية وإيران، وقد قوبلت تلك الخطة بمقاومة شرسة من الحزبين الأسبوع الماضي. وأشار إريك ألتباخ إلى أن الرسالة وراء قرار الاستمرار في فرض التعريفات الجمركية، يمكن أن يكون رسالة "موجهة إلى الجمهور في الداخل أكثر من كونها موجهة إلى الحكومة الصينية". وفي كلتا الحالتين، فإن التغييرات المتكررة في استراتيجية الولاياتالمتحدة بشأن الصين قد تعيق المحادثات مع بكين، حسبما قال وليام رينش، الذي أكد أن "أولوياتنا تتغير كل يوم، وهي ليست طريقة جيدة لإجراء المفاوضات".