بعض أصدقائى الكبار، والذين عاشوا أزمة عام 1954، يخشون على مصر من تكرار نفس ما حدث فى 54! فقد كانت بلدنا حينئذ تقف فى مفترق طريقين، كل منهما يسير فى اتجاه عكس الآخر، فأحدهما يتجه بمصر نحو نظام حكم ديمقراطى حديث، والآخر يقودنا نحو ديكتاتورية عسكرية متخلفة، تسحق حريات البشر وكرامتهم. وقد كان اللواء محمد نجيب، رغم أنه رجل عسكرى، يقرأ كثيرا فى كتب التاريخ والأدب والعلوم والسياسة، ويجيد عددا من اللغات الأجنبية، فهو مثقف بالمقارنة مع الآخرين، ولذلك اختار طريق الحريات العامة والديمقراطية، ووقف وحده يدافع بنبل وشرف عن حقوق الشعب وكرامته، لكن باقى الضباط الصغار، وخصوصا الجائعين للسلطة والجاه والنفوذ، والمتعطشين للانفراد بالحكم، تآمروا عليه جميعا، وتآمروا كذلك على الشعب الذى وثق بهم، ورفضوا أن يعود الجيش إلى ثكناته، من أجل أن يبقوا وحدهم على قمة السلطة، متشبثين بمقاليد الحكم. فهل مصر الآن، يمكن أن تكرر نفس هذه التجربة الفاشلة؟ وهل شعبنا الذى ذاق حكم العسكر كل هذه العقود المتتابعة، يمكن أن يقبل باستمرارهم فى سدة الحكم؟ ألا يستحق المصريون بعد ثورتهم العظيمة، التى بهرت العالم كله، نظام حكم يحقق لهم الحرية والعزة والكرامة؟ الحقيقة -كما أراها- تتجلى فى عدة نقاط مهمة، فانقلاب 1952، قام به العسكر وحدهم، ولم يشترك معهم الشعب، أما ثورة يناير المجيدة، فقد قام بها شعبنا العظيم، بكل طوائفه، وجميع طبقاته، ومختلف اتجاهاته. ومن ثم فنحن أصحاب هذه الثورة الحلم، ولن نسمح لأحد مهما كان أن يسلب منا حقنا فى الحياة الحرة الكريمة، فقد دفعنا الثمن غاليا من أرواح شهدائنا الأبرار، ومن دماء أبنائنا الأحرار، ومن إصابات أبطالنا الثوار. كما أن مصر 1952، وشعبها الطيب الصبور، تختلف كثيرا جدا عن مصر 2011، وشعبها المسحوق المطحون، فقد ذاق شعبنا من الذل والهوان والاستبداد والفساد فى العقود الأخيرة، ما لا يمكن أن يسمح لنا أبدا بالعودة مرة أخرى إلى الوراء. فلا استبداد، ولا قهر، ولا طغيان، بعد ثورتنا النبيلة. وثمة جانب عالمى (أو كوكبى) فى هذه المقارنة، فمصر جزء من هذا العالم، بل هى فى موضع القلب من كل ما يجرى على هذه الأرض، ونظام الحكم فى هذا العصر يتجه نحو الديمقراطية، وقد شهدنا دول العالم المختلفة، سواء فى قارة آسيا، أو فى أمريكا الجنوبية، أو فى أوروبا الشرقية، أو حتى فى إفريقيا السوداء، شهدناها جميعا وهى تتحرر الواحدة تلو الأخرى من أسر الاستبداد، وتحقق الحرية لشعوبها، وكنا نقول لأنفسنا: متى نصبح جديرين مثلهم بالتمتع بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟! وها معجزتنا قد تحققت بثورتنا الأعظم على طول تاريخنا العريق. ومن ثم أقول إن العسكر هذه المرة -بكامل إرادتهم أو بغيرها- سيسلّمون السلطة إلى حكم مدنى منتخَب، فدماء شهدائنا الأبرار لن تضيع هدرا، وتضحيات شعبنا لن تذهب هباء، وديمقراطيتنا قادمة، قادمة لا محالة.