يحتار المرء فى فهم واستيعاب التركيبة النفسية لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، فقد استمروا سنوات طويلة يفاخرون بأنهم الأقرب إلى الناس يعيشون معهم وفى وسطهم، يقدمون الخدمات للناس بأثمان زهيدة، بل يبادرون بتقديم الخدمات الصحية والتعليمية فى وقت تقاعست فيه الدولة عن تقديم مثل هذه الخدمات التى تعتبر من مهام الدولة وواجباتها تجاه مواطنيها، لا سيما الفئات الضعيفة منهم. وعندما خاضوا الانتخابات البرلمانية وحصلوا مع رفاقهم على ما يزيد على سبعين فى المئة من المقاعد وجّهوا الشكر إلى الشعب المصرى العظيم الذى منحهم هذه الثقة، وباتت صفة «العظيم» تالية للشعب المصرى فى كل أحاديثهم. وتكرر الشكر مرة ثانية بعد فوز مرشح الجماعة محمد مرسى بالانتخابات الرئاسية. وبدأت الجماعة فى ممارسة مهامها، فانكشفت أمام المصريين أنها جماعة تعمل لخدمة التنظيم الدولى والوطن -مصر- لا يمثّل بالنسبة إليها سوى ولاية من ولايات دولة الخلافة، وبدأ مرسى فى استهداف مؤسسات الدولة المصرية، الشرطة ثم القضاء فالجيش، وعمل على تمكين الجماعة من مفاصل السلطة فى مصر وخدمة التنظيم الدولى على حساب الوطن، أرضًا وسيادة. تحرّك الشعب المصرى وأخذ يحتج، وتصاعد صوت الاحتجاج، لم يستجب مرسى ولا جماعته، بل واصلوا سياسات التمكين والسيطرة على مقدرات البلاد، وسلّح شمال سيناء وحوّله إلى معسكر للجماعات الإرهابية من شتى دول العالم، تصاعد غضب المصريين وتحول الغضب إلى ثورة عارمة ساندها الجيش، فأطاحت بحكم مرسى والجماعة بعد أقل من ثلاثين شهرًا على الإطاحة بمبارك والحزب الوطنى، وبينما سلّم مبارك ونظامه بما جرى فى الخامس والعشرين من يناير، ولم يمارس وأركان نظامه وحزبه عنفًا وإرهابًا ضد الشعب المصرى، بدأت الجماعة فى شن حرب شاملة على الدولة المصرية، بدأت خطة شاملة وضعها التنظيم الدولى الذى كان يعقد الاجتماعات الدورية فى إسطنبول، لإنهاك الدولة المصرية وتدمير مؤسساتها، بدأ فى استهداف الجيش من شمال سيناء، وجرى قتل خمسة وعشرين جنديًّا مصريًّا، وبدأت سلسلة عمليات إرهابية تستهدف قواتنا المسلحة، ثم نقلوا الحرب إلى مؤسسات الدولة المصرية فى محاولة لإصابتها بالشلل. الجديد فى الأمر كان قرار شن الحرب على الشعب المصرى كله، صحيح كانت هناك مؤشرات على توجّه من هذا النوع لدى الجماعة فى أثناء الاحتجاجات ضد مرسى وإبان ثورة 30 يونيو، من قبيل الاعتداء على المتظاهرين وإلقاء الأطفال من فوق أسطح المنازل وإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين، إلا أن ما حدث لاحقًا بعد عزل مرسى كان أمرًا غير متصوّر من قبل قطاعات واسعة من المصريين، فقد كشفت الجماعة عن حالة عداء وكراهية شديدة للضعب المصرى كله عدا الإخوان، رغبة فى معاقبة المصريين ككل، حالة مرضية تمثّلت فى نشر الفوضى والخراب فى ربوع الوطن، بدأت من وخلال دعوات من قبل أنصار الجماعة لضرب المنشآت العامة وتعطليها، وقطع الطرق، وتعطيل المواصلات العامة، ومحاولة إجهاد شبكات الكهرباء والاتصالات، ثم بدأت بعد ذلك دعوات لنشر الفوضى والخراب، بل إن أنصار الجماعة دعوا إلى حملة أطلقوا عليها «مئة يوم خراب»، دعوا فيها لتدخل عسكرى دولى «أمريكى أساسًا» فى مصر، طلبوا من واشنطن إعادة رجلهم إلى السلطة بالقوة، تظاهروا أمام البيت الأبيض دعمًا لقرار الإدارة الأمريكية بتخفيض المساعدات العسكرية لمصر، حرّضوا على القوات المسلحة المصرية وشجّعوا عمليات قنص جنود وضباط الجيش وتفجير مدرعات القوات المسلحة. بدأت الجماعة مرحلة جديدة مما تتصوره احتجاجًا على عزل مرسى تمثّلت فى عمليات عنف وإرهاب عشوائى لا هدف منها سوى نشر الخراب والدمار، منها على سبيل المثال وضع كميات من «الزيوت» فى «مطالع ومنازل الكبارى» بغرض وقوع حوادث بين السيارات، ووضع قنابل على خط مترو الأنفاق وغيرها من عمليات العنف والإرهاب العشوائى الذى يستهدف نشر الخراب والدمار فى ربوع البلاد وقتل أكبر عدد من المصريين، لتنتهى الجماعة إلى حالة عداء شديد مع غالبية المصريين، وتحصد كراهية الغالبية العظمى من المصريين بل وعدائهم، فقد بدا للمصريين أن الجماعة تحمل طاقة شر وتكن عداء للمصريين على نحو استحقت معها كراهيتهم بل ولعناتهم، وأكثر ما نخشاه هو أن مواصلة هذه الأعمال الشريرة تدفع المصريين إلى ملاحقة الجماعة ومطاردة عناصرها فى ربوع البلاد.