إن كان القانون لا يعرف التسامح مع المخالفين فهناك روح له، وإن كان أعمى فالقائمين بتنفيذه لديهم أعين يرون بها حال البسطاء وظروفهم التي أجبرتهم على خرق القوانين، فليس كل مذنب مجرم. من بين هؤلاء البسطاء مجموعة من الأهالي أرادو ا تعمير الصحراء منذ عشرات السنوات، فحفروا الآبار وغرسوا الأشجار وبنيت المنازل وكثر أبنائهم بين كل تلك الخيرات، ليذهب فجأة تعب السنين، وهدمت المنازل واقتلعت الأشجار وردمت الآبار ليتكبدوا خسائر فادحة دون سابق إنذار. يقول عبد السلام يوسف أحد الأهالي الذين أزيلت منازلهم في مدينة طيبة الجديدة ل" التحرير ": "إحنا جينا هنا على الأرض منذ أكثر من 30 عاما، بناء على نداء الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالخروج من الوادي الضيق وتعمير الصحراء، فذهبنا أولا إلى الأملاك والاستصلاح الزراعي بمحافظة قنا قبل أن تستقل الأقصر بذاتها لحجز قطع من الأراضي في الصحراء وتملكها، فكان ردهم أن نقوم باستصلاحها أولا ثم نأتي بعد ذلك للربط والتمليك". وتابع :"خرجنا واستصلحنا الأرض بعد ان كانت جبال عالية ونقلنا لها طمي من النيل وزرعناها إلى أن أثمرت، وقمنا ببناء منازل عليها وأصبحت عيشتنا في هذا المكان وقمنا بربطها ودفع مبالغ للضرائب عن ذلك الربط، حتى استقلت محافظة الأقصر عن قنا، وبعدها بدأت المضايقات لإنشاء مدينة طيبة ورفض تملكنا للأرض ودخلنا في نزاع أمام القضاء الذي لم يحكم فيها حتى الآن". وأضاف أحمد محمد: "أنا كنت في الخارج ومعايا قرشين ولما مبارك قال عمروا الصحراء جيت وعمرت وحفرت بئر وبنيت بيت، إحنا دلوقتي قاعدين في بيوتنا وفجأة دخلت علينا قوات كتيرة مع جهاز طيبة الساعة 12 الضهر وإحنا صايمين وهدموا بيوتنا". وذكر: "إحنا لينا 30 سنة من قبل إنشاء مدينة طيبة وكان فيه مشاكل بينا وبينهم، ومبارك قال الوضع يبقى على ما هو عليه لأن المواطن صاحب له الأولية، النهاردة مبقيناش أصحاب حق، الثورة قامت علشان العدل، ودلوقتي العدل بقى باطل، اللي عنده فلوس يشتري البلد ومش عارف أقول ايه، والمسؤولين رامين المسؤولية على الرئيس كل ما تكلمهم يقولو الرئيس، متسائلا: الرئيس قال اخربوا بيوت الناس؟". وأوضح محمود يوسف: "أقمنا في الأرض في عام 1999 بعد ما استصلحناها وبنسدد إيجار في الأملاك وبناء عليه نصرف سباخ للزرع، وحفرت بئر عمقها 50 مترا وفيه ماكينات غالية، وفي ساعتين بالحفار واللوادر ردموه وهدوا البيوت"، متابعا: "لما سألناهم فين التصريحات بالهدم، قالو إحنا جهة تنفيذية جايين بأوامر من رئيس الوزراء ومن الرئيس السيسي، فقولت فين كلام الرئيس"، فرد عليا قائلا: "روح هاته علشان مزيلش". وأشار إلى طلب مهلة من القائمين بتنفيذ الإزالات رأفة بحال الأطفال الصغار والأهالي وتعب الصيام، قائلا "مفيش مهلات ولا اللي عملوه وضع إنساني". " 35 سنة وأنا ساكن هنا، نروح الأملاك يقولونا روحوا الجهاز ونروح الجهاز يقولولنا الأملاك ومحدش مدينا طريقة علشان نمتلك الأرض وإحنا ناس غلابة لا عارفين نروح هنا ولا هنا وحسبي الله ونعم الوكيل"، قال ضيفي أحمد، وأضاف: "لو كانوا قدموا لنا إنذار كان اتصرفنا وعرفنا نشيل حاجتنا بدل ما يكسروها". نبوية أحمد قالت: "أنا معايا 4 أبناء اتشردوا، منهم ولدين الكبير عنده 35 سنة والتاني 25 ومش عارفة أجوزهم ومش لاقيالهم سكن ومحدش جابلنا حاجة وقاعدين مرميين في الشمس". في المقابل، قال المهندس أشرف فتحي، رئيس جهاز تنمية مدينة طيبة، إن تلك الإزالات تابعة للجنة استرداد الأراضي التي يترأسها المهندس إبراهيم محلب، مشيرا إلى أنها جاءت بموجب قرارات ومحدد موعد الانتهاء منها في 15 من الشهر الجاري. وأوضح أن النزاع بين مواطنين والدولة على ملكية أرض لا يمكن إيقافه إلا بوجود حكم صادر من المحكمة بأحقية الأرض لأحد الطرفين. وأكد أن قرار الإزالة جاء صحيحا وليس مخالفا للقانون، وأن هناك معاينات سبقت الإزالة بأيام ويعلم المعتدين على الأراضي أنهم مهددين بالإزالة في أي وقت. كان المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والإستيراتيجية ورئيس لجنة استرداد أراضي الدولة ومستحقاتها، أعلن أن استرداد الأراضي لن يتم بهدم المباني أو خلع الزراعات وسيتم الحفاظ عليها بكل السبل، مشيرا إلى أنه عند وجود زراعات أو مبان يتم التحفظ عليها لحين قيام واضع اليد بتقنين وضعه خلال مهلة محددة، وإن لم يستجيب تعرض الأرض الزراعية أو المبنى في مزاد علني لصالح الدولة.