*مزارعون: شقى العمر راح لصالح رجال الأعمال ..وشاب: باعوا معداتنا فى مزاد علنى فى الوقت الذى تعلن الدولة عن دعمها لاستصلاح الأراضى، وتؤكد استهدافها ل4 ملايين فدان حتى عام 2030، تسير حكومة المهندس إبراهيم محلب فى الاتجاه المعاكس، بتدميرها الأراضى الزراعية لحساب رجال الأعمال والمستثمرين، فقبل أيام بدأ جهاز مدينة السادات، الذى يرأسه المهندس محمد عاشور، حملة إزالة 56 ألف فدان مزروعة بجميع أنواع الفاكهة والخضروات، دون إخطار مسبق للمزارعين، أو منحهم «مهلة» للإخلاء، وذلك بدعوى تعديهم عليها؛ مما تسبب فى تشريد أكثر من 10 آلاف أسرة، وآلاف العاملين ب«اليومية». «الصباح» عاشت يومًا كاملًا مع معاناة العشرات من الأسر والمزارعين، الذين عبروا عن حزنهم بالدموع، على ما فقدوه من زراعاتهم و«تعب السنين»، بعد أن جرفت الحكومة أراضيهم التى كلفتهم زراعتها مليارات الجنيهات، على مدار 9 سنين ماضية، منذ عام 2006 حتى الآن، لتتحول «الجنة الخضراء» المزروعة بعرقهم إلى صحراء جرداء. «حسبى الله ونعم الوكيل، موتونا وخربوا بيوتنا، وشردوا عيالنا، ملايين الجنيهات، دهستها الحكومة ولوادرها فى غمضة عين، بعد ما عانينا سنين علشان نزرعها، ونوصل ليها الميه»، بهذه العبارات بدأ عبد الحميد الصعيدى، التعبير عن حزنه من قرارات الحكومة، مضيفًا: «صرفت أكتر من مليون جنيه بعد غربة 10 سنين بالسعودية، وبعت اللى ورايا واللى قدامى فى سوهاج وجيت أعمر الصحراء، وأزرع، وفى الآخر الحكومة وبكل بساطة تزيل 15 فدانًا من الفول البلدى والباذنجان وشجر الجنورين، فى يوم واحد، وتبوره وتقطع عنه الميه، وكمان تهدم البير اللى عامله ومكلفه أكتر من 150 ألف جنيه، لحساب مين دا أنا مش عارف». يقول عبدالحميد: «أنا صاحب بيت مكون من 5 أفراد، وبحاول أصلح فى بلدى، بعد الإهانة والمرمطة اللى شفناها بره، لكن بلدنا مش بتحب اللى بيصلح، وبتحارب الفلاح البسيط صاحب الخمس فدادين أو عشرة، وسايبه المستثمر صاحب الألفين فدان والعشرة آلاف بيبنى منتجعات وفيلل، ومش قادرة تقرب له، من عشرات السنين، وبترمى آلاف الشباب والأسر لطريق السرقة والإرهاب، باللى بتعمله فينا»، ويستدرك: «علشان محدش يحس بالتجريف والإزالات، الحكومة عملت ده فى الوقت اللى اتدبح فيه 21 مصريًا فى ليبيا، وبعد أحداث استاد الدفاع الجوى». وأضاف: «العرب رجعوا تانى يرعوا الغنم فى الأرض، وعلى رأى المثل (مصائب قوم عند قوم فوائد)، يعنى العرب باعولنا الأرض علشان نصلحها ونزرعها، ب6 آلاف للفدان، وكمان بيخدوا إتاوة من الناس اللى بتزرع، وفى الآخر الحكومة تطلعنا منها، ويرعوا فيها غنمهم وجمالهم، ويحملوا بعربياتهم خير الأرض بعد تجريفها، ومحدش قادر يتكلم ولا يطالب بحقوقه، والحكومة فى الآخر تقول إننا بلطجية، والله ما فى حد عارض جهاز مدينة السادات، لما كانوا بيزيلوا فى الأرض، ومستنين فرج ربنا». انتقلنا بعد ذلك إلى مزرعة أخرى، لأسرة مكونة من عشرة أفراد، الأب محمد عبدالمنعم النحال يرقد مريضًا، قال بنبرة حزينة: «بعت 4 فدادين بالقرية اللى كنت عايش فيها، وبعت العربية اللى حيلتنا، وبدأت أصلح فى الأرض، اللى كانت صحرا، وكثبان رملية، وزرعنا فيها كانتلوب وفول بلدى، وعلينا ديون أكتر من 150 ألف جنيه للوكالات علشان الخراطيم والصوب والبلاستيك وشبكات الميه، دا غير البير اللى حفرناه وكلفنا أكتر من 100 ألف جنيه، وعيالى ال9 سابوا مدارسهم وكلياتهم التجارة والإرشاد السياحى والأزهر، علشان نصلح الأرض، والدولة هدمت الأخضر واليابس». وقال: «كنا عاملين اكتفاء ذاتى هنا وعايشين، كان فيه مزارع دواجن ومواشى، وكل أنواع الخضروات والفواكه، وكنا بنبيع للوكالات فى مدينة السادات، وبنشغل أكتر من 100 ألف عامل فى المزارع، والخضار اللى بيطلع من هنا مفيهوش لا سرطانات ولا مبيدات ولا صرف صحى، والمياه اللى موجودة فى الآبار معدنية، بنسبة 250 من مليون، واللى بنشتريها من المحلات بتكون 400، يعنى دى أجود من المياه المعدنية، كله دا طبيعى، دا لو احنا كفار كانت الحكومة رحمتنا واعطتنا مهلة نجنى المحصول». قطع أحد الأبناء الحديث قائلًا: «سيبنا مدارسنا وكلياتنا وصرفنا أكتر من 800 ألف جنيه، وخدناها واحدة واحدة، وعلينا آلاف الديون على كده، وجت الحملة دمرت الأرض والزرع، وكان اللى بيتكلم أو يعارض بيضربوه ويرموه فى البوكس، وكان معاهم ناس بتجمع معداتنا ويخدوها ويبيعوها ليهم، ولما قلت حسبى الله، الضابط قال لى (تعالى يلا إنت عاوز إيه، نفسك فى حاجة)، ورجعت لورا وسكت، وأبويا قعد يبكى للضابط ويقوله سيبنا نجنى المحصول، فالضابط هدده، وقال له هعملك محضر انتفاع». وتابع: «الحكومة بتجبرنا على السير فى طريق الانحراف والمخدرات والبلطجة والإرهاب، وهو طريق سهل، والسلاح مالى الدنيا والمخدرات وقطع الطرق، بس إحنا عاوزين ناكلها بالحلال، ولو الحكومة ما حلتش الموضوع ورجعت لينا حقوقنا هنمشى فى الطريق دا، وداعش موجودة، والجماعات الإرهابية كتير، يعنى الناس هربت من ليبيا وجت لهنا علشان تزرع الأرض تيجى الحكومة تطردهم وتشردهم، لا برا فيه رحمة ولا فى بلدنا فيه رحمة، حسبى الله ونعم الوكيل». وقال محمد، وهو فى العشرينيات من عمره: «إحنا عايشين فى ريح الأرض، وبنعاملها زى الطفل الصغير، بنراعيها ونحميها، دا الزرع صعبان عليه يموت، له شهر موصلتلوش ميه، وقاعد أخضر زى ما هو، زى ما يكون زرع ابن موت، وزى ما انت شايف عايشين فى أوضه من السبايت والبلاستيك، ومش عارفين نروح فين، دا حتى المساجد هدموها، وكانوا مبسوطين وهما بيهدوا، واللى بيقول حسبى الله يرموه فى البوكس». رجل ستينى، يقوم بإعادة تأهيل الأرض وعمل شبكات رى جديدة لتوصل المياه لأكثر من 10 أفدنة من محصول البصل والثوم، قال: «الأرض ذنبها إيه، إحنا طالبناهم يسيبونا لحد شهر 7 اللى جاى، وبعد كده نسيبهالهم جرداء، حتى يولعوا فيها، لا حد ادالنا مهلة ولا حد أخطرنا، شوية البصل دول إحنا بنلف طول السنة عليهم، خلصنا فلوسنا وبعنا دهب نسوانا، مش فاضل غير هدومنا، صرفنا آلاف وهما فى عشر دقايق بهدلونا، والحكومة لو دقت مسمار فى كل فدان من ال 75 ألف فدان هتاخد عشرين سنة، العملية باظت من كل حتة، آخر حل ممكن يريح الدنيا، إن الحكومة تجيب 100 طن سم وترميهم فى النيل علشان كله يموت، ومحدش يعول هم ولاد ولا عيال ولا حاجة، كلنا نموت مع بعض». وتابع عم محمد: «زيادة أسعار قلنا ماشى، وبنبنوا فى البلد ما علينا، لكن مش لدرجة تدمير زرعنا، وواحد على كرسى فى التكييف ياخد قرار من غير ما ينزل، ومش عارف القرار رايح فين، وبيقولوا نشجع الشباب، دا احنا من الجيزة، وكل يوم بنيجى ساعتين كل صبح، وأنا كنت سواق، وسيبت مهنتى من كتر المخالفات، وجينا نزرع، دا المحكوم عليه بالإعدام بيقولوله عاوز ايه قبل الحكم، واحنا بدون أى مقدمات هدوا علينا حياتنا، وبدل ما كانوا صرفوا على الأقل 5 مليون جنيه على الإزالات كانوا أخطروا الناس خلال كام شهر، والناس مشيت». يضيف عم محمد: «دا أنا ابنى بيكون عاوز 2 جنيه مصاريف، بمنعهم عنه واروح أشترى شيكارة الكيماوى ب180 جنيهًا، والأراضى دى لو اتزالت إحنا هنتحبس علشان ماضيين على شيكات على بياض، دا أنا صارف خلال الشهرين دول أكتر من 150 ألف جنيه، وهنشتغل حراميه على الحال دا، لو كانوا صبروا على الزرع دا شهر كان استوى، ودلوقتى العرب ماخلوش حاجه، الأرض بالنسبة لنا زى الضنى لما ييجى يصحيك فى الصبح». «بطة» فتاة تعمل فى إحدى المزارع لتساعد أسرتها فى المعيشة، بادرت محرر «الصباح» بقولها: «قول لمحلب بطة بتقولك حرام عليكم، لو استمر الوضع دا كل الناس هتتضرر وتتبهدل، خلوا الناس تشتغل وتاكل بالحلال، مش كفاية معيشينا فى الفقر والجوع والذل، والله قبل الإزالات ما كنا بنشترى حاجه من برا، كل حاجه من الأرض، كل الخضروات والفاكهة من هنا». وقال المحامى جمعة النحال، أحد المزارعين: «جهاز مدينة السادات باع المولدات ومعدات الأبيار والخراطيم، فى مزاد علنى بأسعار زهيدة، لصالحهم، وأى حد بيتكلم بيتقبض عليه، وقبضوا على أكتر من 20 واحد علشان رافضين بيع المزاد، وتظاهرنا قدام جهاز المدينة ونقابة الصحفيين ووزارتى الزراعة والإسكان ومفيش فايدة ولا حياة لمن تنادى». وأضاف: «نطالب الرئيس السيسى بالتدخل الفورى لحل المشكلة ومعاملتنا زى المستثمرين اللى بتنهب فى بلدنا، من غير ماحد يحاسبها، فين الحرية والعدالة الاجتماعية، مش كفاية البطالة والجوع والفقر اللى عايشين فيه، كمان الحكومة جايه تحاربنا فى أكل عيشنا». من جهتها، أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، أن أرض مدينة السادات بمحافظة المنوفية التى تجرى حاليًا إزالة التعديات عليها ليست تابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى. وقال الدكتور عبدالعزيز شتا، مستشار وزير الزراعة لاستصلاح الأراضى، إن المزارع الموجودة بالمدينة على مساحة 17 ألف فدان التى تقرر إزالتها ضمن نحو 56 ألف فدان تم التعدى عليها بعد ثورة 25 يناير، ليست خاضعة لوزارة الزراعة ولكنها تابعة لشركات خاصة. بينما قال المهندس نبيل عبد المنعم، نائب هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إن بعض الأفراد والشركات الخاصة تعدوا على أراضى مدينة السادات بالمخالفة للقانون عقب ثورة 25 يناير، مستغلين حالة الانفلات الأمنى، وعلى أثر ذلك تم استصدار القرار الوزارى رقم 381 لسنة 2011 بإزالة جميع التعديات على الأراضى المملوكة للجهاز، وتم شن حملة أمنية بالتعاون مع الجيش والشرطة مؤخرًا، لإزالة التعديات الواقعة على ثلاثة أرباع مدينة السادات البالغ مساحتها حوالى 70 ألف فدان.
وأضاف «عبدالمنعم» ل«الصباح»، أن حملة إزالة التعديات بالمدينة مستمرة، ونجحت حتى الآن فى إزالة تعديات على نحو 30 ألف فدان من إجمالى 56 ألف فدان تم التعدى عليها، مشيرًا إلى أنه تم البدء فى تنفيذ طرق بها لتفويت الفرصة على المعتدين من تكرار تعدياتهم مرة أخرى، مشيرًا إلى أن هناك مخططًا لدى الجهاز لاستثمار هذه الأراضى من خلال إقامة مشروعات سكنية واستثمارية بها.