التعليم العالي تنشر فيديو توضيحيا لتوعية طلاب الثانوية العامة بكيفية تنسيق القبول بالجامعات    د. يسري جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة ومكانتها في البيت والمجتمع    وزير العمل عن دمج وتوظيف ذوي الهمم: قضية تحتاج تكاتف المؤسسات    جامعة بنها: طفرة غير مسبوقة في الأنشطة الطلابية خلال 2024 - 2025    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في 6 بنوك مصرية خلال تعاملات اليوم الجمعة (آخر تحديث)    "الزراعة": حملات تفتيش مكثفة على مخازن الأعلاف وخاماتها على مستوى الجمهورية    غدا.. ضعف المياه بحى شرق وغرب سوهاج لأعمال الاحلال والتجديد    «الإصلاح الزراعي» تواصل دعم المنتفعين وإزالة التعديات    رئيس المنطقة الاقتصادية بقناة السويس يزور منطقة "تيانجين" بالصين لبحث فرص التعاون    بيان مشترك.. سوريا وفرنسا وأمريكا تطلق خارطة طريق لاستقرار سوريا    ترامب: يتعين استمرار القتال والقضاء على حماس بعد رفضها صفقة وقف الحرب    حرائق الغابات تحاصر ساحل البحر المتوسط في تركيا والحكومة تعلن منطقتي كوارث    الأزهري يعزي المتحدث الرسمي للأوقاف في وفاة ابن شقيقته    مصدر بالأهلي يكشف حقيقة تلقي كوكا عرضا من تركيا    محافظ بني سويف يناقش استعدادات امتحانات الدور الثاني للإعدادية    لقاء فكري في نقابة الصحفيين عن ثورة يوليو غدًا    مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها" تحتفي بالتراث في أوبرا دمنهور    ب"فستان قصير"..أحدث ظهور ل نرمين الفقي بمنزلها والجمهور يغازلها (صور)    هل يقبل عمل قاطع الرحم؟ د. يسري جبر يجيب    وكيلة "الصحة" توجه بتوسيع خدمات الكُلى بمستشفى الحميات بالإسماعيلية    وزير الاستثمار يلتقي مسئولي 4 شركات يابانية لاستعراض خططها الاستثمارية في مصر    طريقة عمل الكيكة، هشة وطرية ومذاقها لا يقاوم    الكابتشينو واللاتيه- فوائد مذهلة لصحة الأمعاء    النيابة تكشف مخطط منصة VSA للاستيلاء على أموال 57 مواطنًا    برنامج تأهيلي مكثف لنجم الهلال السعودي    «حماة الوطن» يحشد الآلاف في سوهاج لدعم مرشحيه بانتخابات الشيوخ 2025    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    قصور الثقافة تختتم ملتقى فنون البادية التاسع بشمال سيناء    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    بيراميدز يتجه إلى إسطنبول لمواجهة قاسم باشا    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم في الطريق الزراعي بالشرقية    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    يامال في مرمى الهجوم، فليك يضع قواعد سلوكية جديدة للاعبي برشلونة بعد الحفلات الصاخبة    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    أسعار اللحوم الحمراء اليوم في مصر الجمعة    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    صفقة الزمالك.. الرجاء المغربي يضم بلال ولد الشيخ    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    غدا، قطع الكهرباء عن 9 مناطق فى قنا    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يغضب السيسى د.محمد المهدى
نشر في التحرير يوم 25 - 06 - 2013

السيسى كان يتحدث بشكل محدد وبكلمات قاطعة ومؤكدة وحاسمة وحازمة وواضحة الدلالة
وزير الدفاع وجَّه كلامه إلى أشخاص بأعينهم وكيانات بذواتها تظهر على شاشة وعيه يرى أنها تسىء إلى الشعب وتهدد أمنه وسلامته
نبرات صوته كانت تمتلئ بالألم النبيل والغضب المنضبط والقوة الهادئة الرزينة والتحذير المسؤول والتنبيه القاطع الواضح
حين كان يتطرق إلى الحديث عن الشعب كانت نبرات الصوت ترقّ وتشفّ وتمتلئ بوجدانيات المحبة والحنان والرعاية
هو بيان بمعنى الكلمة، وإن شئت قلت هو البيان الأول للجيش فى هذه الظروف التى تندفع فيها الأحداث فى مصر نحو حرب أهلية. وقد ألقى البيان فى ندوة تثقيفية نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء شرقىّ القاهرة. وأول ما يلفت النظر فى هذا البيان المهم هو أن الفريق السيسى كان يتحدث بشكل محدد وبكلمات قاطعة ومؤكدة وحاسمة وحازمة وواضحة الدلالة وموجهة نحو أشخاص بعينهم وكيانات بعينها تظهر على شاشة وعيه فتجعل نبرات صوته تمتلئ بالألم النبيل والغضب المنضبط والقوة الهادئة الرزينة والتحذير المسؤول والتنبيه القاطع الواضح. هؤلاء الأشخاص وتلك الكيانات يستشعر الفريق السيسى وهو يتحدث إليهم أنهم يسيئون إلى الشعب ويهددون أمنه وسلامته، وقد تركهم مجهَّلين ولم يحددهم لتصل الرسالة إلى كل من ينطبق عليه هذا. وكونه لم يحدد أشخاصا أو كيانات بعينها كان أمرا عبقريا، إذ ترك الفرصة للجميع كى يدركوا مسؤوليتهم دون إسقاط على فئة بعينها، ولهذا انقسم المحللون: هل هو يوجه بيانه إلى السلطة أم إلى المعارضة أم إلى الاثنين معًا؟ هل هذا انقلاب مخملى هادئ أو تهديد بانقلاب، أم أنه رسالة للذين يهددون الشرعية؟
وتجهيل المخاطَب هنا أبعد البيان عن تهمة الاستقطاب، وهذا أمر مهم خصوصا فى تلك الظروف التى تورط فيها الساسة فى الاستقطاب وفقدوا قدرتهم على الحيادية والتجرد الوطنى. وحين كان يتطرق إلى الحديث عن الشعب كانت نبرات الصوت ترقّ وتشفّ وتمتلئ بوجدانات المحبة والحنان والرعاية «أَنْهِى مروءة اللى نقدر نعيش بيها كضباط أو ضباط صف والشعب المصرى.. أهالينا.. مروَّع وخايف.. دا إحنا نروح نموت أحسن» ويلاحَظ أنه لجأ إلى التعبير بالعامية المصرية البسيطة فى العبارة الأخيرة لكى تحمل مشاعره التلقائية بصورتها الطبيعية التى يتحدث بها أولاد البلد المتصفون بالشهامة والجدعنة والمروءة والنجدة.
وحين يتحدث إلى من يعتبرهم مهدِّدين لعلاقة الجيش بالشعب أو مسيئين إلى الجيش ورموزه فإنه يستخدم نبرات تحذيرية ولغة تأكيدية ويكرر العبارة مرتين بعد أن ينبه «أقول تانى»، وقد حدث هذا مرتين فى العبارتين التاليتين:
«ويخطئ من يعتقد أنه بأى حال من الأحوال يمكن الالتفاف أو الاختراق لهذه العلاقة فى وجدان الجيش مع شعب مصر العظيم»... «ويخطئ من يعتقد أننا سنظل صامتين أمام أى إساءة قادمة للجيش ورموز الجيش.. وأرجو أن يدرك الجميع مخاطر ذلك على الأمن القومى المصرى». وهنا تستطيع تحديد المقصودين بهاتين العبارتين، أولئك الذين دأبوا فى الفترة الأخيرة على تجريح الجيش وتوجيه العبارات المهينة إلى رموزه، وهؤلاء يعرفهم الشعب جيدا.
وتأتى الكلمة التى وقف على أثرها القادة فى وقار واحترام نبيل ليحيّوا قائدهم حين قال بهدوء وثقة ومحبة: « كل كلمة قلتها متجردة من أى شىء إلا من حب البلد.. وحب كل الناس.. مسلم ومسيحى.. كل الناس». ويبدو أن هذه الكلمة «كل الناس» قد لمست جرحا مفتوحا هذه الأيام، حيث ساد خطاب سياسى خاطئ وغير مسؤول فرَّق أبناء الوطن إلى إسلاميين وغير إسلاميين، إلى مؤيدين محبوبين وإلى معارضين مكروهين ومنبوذين، خطاب سياسى سادت فيه النزعة الطائفية والنزعة الاستقطابية الصراعية بما بات يهدد باقتتال أبناء الوطن الواحد حيث غابت الحيادية والموضوعية والتوازن والاعتدال عن الخطاب السياسى وعن الرموز السلطوية السياسية مما ينذر بإشعال الحرائق فى ربوع الوطن. إن كلمة «كل الناس» التى نطقها الفريق السيسى بكل صدق وحب ومسؤولية ورعاية تداوى هذا الجرح المفتوح الآن والذى تلوِّثه دعوات عنصرية وإرهابية وتصريحات بغيضة وتهديدات غير مسؤولة ممن يتصدرون للخطاب السياسى الآن ويحركون دفَّته. إن هذه الكلمة «كل الناس» تبدو بلسما شافيا فى هذا السياق الآن بعدما انقسم المجتمع وتشرذم وأصبح على حافة الهاوية بالدخول فى صراع أيديولوجى أو دينى أو عنصرى أو طائفى.
ولا يترك المنصة دون إعطاء مهلة وإنذار محددين: «يجب الوصول لصيغة تفاهم ومصالحة وطنية لحماية مصر، ولدينا أسبوع يمكن إنجاز الكثير من خلاله». وهذه رسالة واضحة للجميع.. سلطة ومعارضة.. بأن الأمر لا يحتمل هزلهم، وأن أمن الوطن وسلامته فوق الجميع ولا يحتمل تلك المهاترات غير المسؤولة. وهى رسالة سلطوية مسؤولة ونبيلة توجَّه إلى العابثين بمصير الشعب المصرى لحساب مكاسب شخصية أو حزبية أو فئوية. وهناك بعض أخبار تسربت بأن الفريق السيسى قد يدعو خلال أيام إلى حوار وطنى بين القوى السياسية المتناحرة وذلك تأكيدا وتفعيلا لعبارته «إن الجيش لن يظل صامتا أمام انزلاق البلاد فى صراع يصعب السيطرة عليه». وهذا يذكِّرنا بدعوة الحوار التى كانت قد أطلقتها المؤسسة العسكرية فى نوفمبر الماضى على خلفية تداعيات الإعلان الدستورى ولم ترحب بها الرئاسة فى ذلك الوقت وأجهضتها. وهذه الدعوة للحوار تحت رعاية المؤسسة العسكرية تضمن جدية الحوار وتشجع الفرقاء على الانضمام إليه خصوصا حين يضمن الجيش تنفيذ تعهداته، ولكن من الناحية الأخرى فإن هذا قد يزعج مؤسسة الرئاسة، حيث تبدو فى موقع أدنى أو أنها فقدت ثقة الأطراف الأخرى بينما حاز الجيش هذه الثقة وأنها فشلت فى ما نجح فيه غيرها، وهذا يهز من ثقل وشرعية مؤسسة الرئاسة. وعلى الرغم من كون هذا جارحا لكبرياء الحكم فإن الواقع المرير يستدعى ذلك، ويستدعى قوة معتدلة محايدة ووطنية تلم أشلاء الوطن، ويؤيد هذا ما ورد فى استطلاع الرأى الذى أجرته مؤسسة «جيمس زغبى» الأمريكية الذى أظهر أن 28% من المصريين يؤيدون الرئيس و35% من المصريين يؤيدون المعارضة بينما 94% يثقون بالجيش. إذن يبدو أن الجيش هو القوة المؤهَّلة الآن لرأب الصدع ووقف الاحتراب الأهلى، وهذا لا يعنى عودة الحكم العسكرى ولكن يعنى موقف إنقاذ طارئ إلى حين الخروج من الأزمة السياسية.
والبيان فى مجمله يوحى بحالة من الاستقلالية عن مؤسسة الرئاسة وربما أيضا بحالة من الفوقية، فهو لم يكن يتحدث كمرؤوس لأحد، ولم يشر إلى توجيهات أو تكليفات من أحد بل كان هو -بشخصه وبمنصبه- الموجِّه والمحذِّر والمنبِّه والمؤكد والمطمئن والواثق من قدرته على تنفيذ ما يقوله دون الإشارة إلى سلطة أعلى يتحدث تحت مظلتها. ويتضح هذا أكثر فى عبارته: «مسؤولية تاريخية ووطنية وأخلاقية ملقاة على عاتقنا الآن.. مسؤولية أمام ربنا الآن هنُحاسب عليها.. لن نسمح بدخول مصر فى نفق مظلم من الصراع أو الحرب الأهلية أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة». وهو يتحدث كقائد وزعيم ينطلق من إرادة الشعب ويعلن أنها هى التى تحكمه: «إرادة الشعب المصرى وحده هى التى تحكمنا.. ويخطئ من يعتقد أنه يمكن الوقوف أمام هذه الإرادة.. ونحن مسؤولون مسؤولية كاملة عن حماية إرادة هذا الشعب العظيم». ويبدو أن هذا الأمر أزعج السلطة الحاكمة فرأينا فورا بيانا عاجلا يظهر على شاشات التليفزيون: الرئيس يوجه الفريق السيسى لحماية المنشآت الحيوية. وكأن هذا البيان يوصل رسالة للمشاهد والسامع بأن الرئيس ما زال هو الموجه والآمر، وأن الفريق السيسى ما زال يتلقى الأوامر من سلطة أعلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.