نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تقريرًا حول تأثير هجمات باريس على اللاجئين في أوروبا، أتى فيه، في ضوء الهجمات الإرهابية التي طالت باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر، تم تسليط الضوء على مسألة اللاجئين السوريين الفارين إلى أوروبا، كما تم تسييسها من قبل السياسيين والمعلقين الأوروبيين والأمريكيين من كافة الأطياف، وفي الواقع، شهد الصيف الماضي زيادة هائلة في عدد الأفراد الذين يقومون بهذه الرحلات الصعبة. وتم تحفيز هذه الرحلات، جزئيا، بسبب نظام الأسد واستمرار اعتداءات حلفائه على السكان المدنيين، وفي الجزء الآخر، بسبب زيادة المكاسب الإقليمية التي حققتها الجماعتان الجهاديتان، تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، وبالتالي، فقد العديد من الأفراد الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين الأمل بالعودة في الواقع يوما ما إلى وطنهم، ونظرا إلى أن معظم اللاجئين يريدون ببساطة حياة أفضل وأكثر أمنا لأبنائهم، وأن وسائل الإعلام الحالية والمناقشات بشأن السياسات لا تنظر في الجوانب المتعددة لهذه القضية، فلا بد من توضيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة ب تنظيم «الدولة الإسلامية» واللاجئين والتحديات المستقبلية المحتملة في أوروبا على وجه الخصوص. كيف ينظر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى اللاجئين؟ بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى إلقاء اللوم لوقوع هجمات باريس على اللاجئين، فمن المفيد في هذا السياق إلقاء نظرة على موقف تنظيم «داعش» بشأن اللاجئين، ولا بد من الإشارة بشكل خاص إلى الكيفية التي يتمكن بموجبها تنظيم «الدولة الإسلامية» استخدام هذه الهجمات لاذكاء التوترات بين الأغلبيات العرقية الأوروبية والأقليات المسلمة واللاجئين الذين وصلوا حديثا. وبنفس القدر من الأهمية، يشكل تدفق المهاجرين ظاهرة مرفوضة بالنسبة ل«داعش»، إذ يقوض رسالة التنظيم بأن ما أسماه بالخلافة هي الملجأ، وإذا كانت الخلافة هي الملجأ، لكان مئات الآلاف من الناس قد استقروا بشكل مؤكد في أراضيها بدلا من المخاطرة بحياتهم في رحلات يائسة إلى أوروبا، وبالتالي، فإن رد الفعل المعادي للاجئين لا يعزز سوى ادعاءات تنظيم «الدولة الإسلامية» ومخاطر تحفيز التوترات التي يمكن تجنبها في المستقبل. أما بالنسبة لتحركات تنظيم «داعش» الفعلية المتعلقة باللاجئين، فقد أصدر التنظيم اثني عشر شريط فيديو بين 16 و 19سبتمبر يهدف من خلالها إلى إدخال نفسه في مناقشة تسلّط الضوء على الوفيات في البحر، وخاصة الصورة المأساوية لآلان الكردي، الطفل الذي جرفته الأمواج قتيلاً على الشاطئ التركي، وقد نُشرت أشرطة الفيديو من قبل "الولايات" التابعة للتنظيم في العراقوسوريا واليمن، والهدف منها هو تحذير اللاجئين المحتملين من مخاطر السفر إلى أوروبا وتكاليفها وحثهم على اللجوء إلى خلافة التنظيم. على سبيل المثال، في فيديو "ولاية صلاح الدين" (في العراق)، يرى تنظيم «داعش» أنه يتوجب على المسلمين ترك أراضي الكافر والتوجه إلى بلاد الإسلام، وليس العكس، وأنه لا يمكن العثور على هذه السعادة سوى في خلافة التنظيم. بالإضافة إلى ذلك، أعلن تنظيم «داعش» في رسالة من "ولاية الجنوب" (في العراق)، أنه لا يمكن للمسلمين العيش في دول غير إسلامية أو البحث عن ملجأ فيها وأن ذلك يساوي الردة، مما يؤدي في الواقع إلى إضفاء الشرعية على هدر دماء اللاجئين. أما "ولاية الفرات" التابعة للتنظيم، والواقعة على الحدود السورية العراقية، فهي تناهض الهجرة على أساس أن اللاجئين سيخضعون لقوانين وضعها الإنسان بدلا من الشريعة. وفي شريط فيديو نشرته "ولاية الخير" (شرق سوريا)، يقدم تنظيم «داعش» المشورة لأولئك الذين غادروا بالفعل، مشيرا إلى أنه يجب على المسلمين ألا يختلطوا أو يتآخوا مع الكفار، وبالمثل، يشير أيضا إلى أنه سيتم إجبار هؤلاء المسلمين على اعتناق المسيحية مقابل المال أو الجنسية وأنه سيتم مصادرة أجرهم في الجنة. ما الذي يأمل تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يحظى به؟ إن وجود مجتمع منقسم في العراقوسوريا، يجعل تنظيم «داعش» يأمل بأن يفعل الشيء نفسه في أوروبا من خلال إجبار الأفراد على التحيز، واللجوء إلى المشاعر العشائرية والغريزية، أو القضاء على "المنطقة الرمادية" كما وصفها التنظيم في وقت سابق. وكما يدرك تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره الكثيرين، تكافح أوروبا لدمج العديد من المجتمعات المهاجرة في العقود الأخيرة، مما دفع ببعض سكان الجيل الثاني والثالث إلى العيش في أزمة هوية، وقد نتج عن ذلك فجوات معرفية، عمل المجندون الجهاديون في بعض الأحيان على ملئها من خلال هوية متصورة جديدة وأكثر قوة، فضلا عن نظرة تقوم بصورة أكثر على مقاربة الأبيض والأسود، لذلك، فإن الشخص الذي لا يشعر أنه باكستاني أو بريطاني تماما في بريطانيا، أو جزائري أو فرنسي في فرنسا، أو - ربما في المستقبل- سوري أو ألماني في ألمانيا، يمكن التعريف به الآن فقط على أنه مسلم سني. ونتيجة لذلك، لا بد من اتخاذ خطوات لمنع الأفراد من الاستسلام إلى مشاعر التعاطف التي يمكن أن تزيد من تفاقم معضلة الأمن في أوروبا، وحيث أن هذه المسألة تتعلق باللاجئين، فصحيح أنه يمكن ل تنظيم «داعش» استغلال الأزمة لإدخال عملاء إلى أوروبا. لكن في الوقت نفسه يجب على المرء أن يتذكر أن التظيم يضم بالفعل الآلاف من الأعضاء الذين يحملون جوازات سفر من دول من الاتحاد الأوروبي إلى جانب مزوري وثائق ماهرين، لذلك، فإن السبب الوحيد لدس عناصر إضافية في تدفقات اللاجئين سيكمن في إثارة ردة فعل عنيفة ضد اللاجئين السوريين وغيرهم، فضلاً عن السكان المسلمين الأوروبيين الأصليين، وحتى لو حدث ذلك، فلا يجب استخدام العدد القليل من الجهاديين الذين اندسوا من أجل الإساءة إلى 99 في المائة الآخرين. لذلك، ينبغي على الولاياتالمتحدة ودول أوروبا الاستمرار في الرصد الدقيق للداخلين من حدودها، وفي الوقت نفسه توفير ما يلزم من شبكات الدعم والمساعدة بحيث يشعر اللاجئون الذين وصلوا حديثاً بأنهم موضع ترحيب وجزء من المجتمع الأوسع، ومن دون رؤية طويلة الأجل لدمج اللاجئين، وبالاعتماد فقط على الواجب الأخلاقي، من المرجح أن تواجه الدول الأوروبية مشاكل مماثلة لتلك التي شابت سياساتها تجاه المهاجرين. ومن جهتهم، لا بد للاجئين أن يفهموا طرق اختلاف المسؤوليات والتوقعات كمقيمين ومواطنين مستقبليين في ديمقراطية ليبرالية عن مثيلات هذه المسؤوليات والتوقعات في مجتمع سلطوي. ولن تكون أيا من هذه الخطوات سهلة، ولكن مع الاحترام المتبادل والتفاهم والتعليم، يمكن لأوروبا أن تتطلع إلى صورة أكثر إشراقا على المدى الطويل، وغني عن القول، أن مستغلي قضية اللاجئين وخطاباتهم وسياساتهم المقترحة ستؤدي إلى غايات تثبت صحتها وتجعل الجميع أقل أمنا.