ما شجعني على الكتابة مرة أخرى أمران. الأول الصدى الطيب الذي وجدته من مقالي الأول بعنوان سَلطة وماحدش داري. بفتح السين.. الذي تحدثتُ فيه عن صحفيين في ثوب مقدمي البرامج والأثر السلبي لهذه الظاهرة على المشاهدين. الأمر الثاني هو منطق الكارثة الحقيقية في الإعلام الذى أشار إليه سيادة الرئيس السيسي خلال حديثه عن إعلامي بعينه. على كل حال كنت أقول: حينما تسمع كلاما من قبيل أنا أرى أو إنني أتوقع أو إنه من المفروض وكل شىء على شاكلته في سياق الرأي الشخصي على أنه الرأي العام السائد.. وبالطبع يُصاحب هذا العرض حركات بهلوانية تخرج في شكل انفعالات على الشاشة لزوم تسخين الحلقة أو المشاهد.. فاعلم أنك لست أمام مقدم محترف ولا مذيع تخرج وتربّى على أساسيات المهنة وإنما دخل الشاشة من باب آخر. ويخطر في بالك السؤال البديهي: هو الراجل ده أو المذيعة دي بيشتغلوا إيه بالضبط؟ مخبر ولا عسكري مرور ولا حتى قاضٍ، وساعات تشوفه أمين شرطة من مبدأ يا فيها يا أخفيها. لدرجة أن المشاهد الآن ينتظر كل يوم الفقرة الكوميدية مع المذيع فلان أو المذيعة فلانة.. ويشوف هيفضح مين النهارده يا ترى الليلة أو الحفلة هتكون على مين الدور وطبعًَا الفقرة لازم تكون مؤثرة مع شوية صور إنسانية ودموع على الكلب اللى مات في الهرم ولا فلان اللى شتم علان وشوية شوية كأنك بتشاهد صفحات جرائد صفراء. وتقريبًا الصراخ ده عندهم حاجة في طبيعة الأداء وكأن اللى يصرخ أكتر هيسخّن الحلقة وياخد مشاهدين أكتر.. ليتحول المهرج أمام الشاشة إلى منجماتي يقرأ الطالع ويقولك على مين الفالح.. فهل نحن مجتمع جاهل لهذه الدرجة ليكون هذا هو السائد بيننا؟ لقد علمونا على اختلاف كل المدارس في لغة الإعلام، وليس الإعلان أن رأي المذيع خطأ جسيم أن يظهر علي الشاشة، وعلمونا كذلك ألا نفتي أو نحلل، لأن هذا الأمر مش شغلتنا أصلا. علمونا أن عملنا نقل البيانات والمعلومات والأخبار والتنافس في الصحة والدقة والحيادية، وكذلك الشفافية في أي حوار أو مقابلة تجري مسجلة أو مباشرة. هذا ما تعلمناه.. فهل كان خطأ!! لكن الآن أصبح المحلل والصحفي والمقدم كله واحدا.. وتحول البرنامج إلى عموده في الجريدة أو مقاله اليومي يكتبه في الصباح ويقرؤه في المساء. ولا أكاد أجزم أن الغالبية العظمى لمقدمي البرامج الرئيسية في قنواتنا على اختلافها هم من الصحفيين.. فلماذا؟ مجرد سؤال على الهواء. السؤال الآخر: هل في المقابل يحق للمذيعين أن يكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين.. طالما تبادل الصحفيون الأدوار؟.. مجرد سؤال ثان على الهواء أيضًا. على كل حال أيها السادة لا تستخفوا بعقول وعيون المشاهد فهو أذكى مما تتوقعون. ويعلم جيدًا ما ينفعه وما يضره. ويكفي أن المشاهد هو الوحيد الذي يمكنه أن يرفع بضاعتكم إلى السماء أو أن يخسف بها الأرض. وأخيرًا: إن كان البعض يرى في الإعلام سوءًا فلينظر إلى من يمثلون صورة الإعلام وهو أمر غير محير في نظري، لأنه ببساطة: إن ثورة 25 يناير لم تأتِ عليهم بعد.