لقد كان والدى رحمه الله الاديب الاستاذ صلاح الدين محمد عثمان الذى كان يكتب منذ نهاية الاربعينيات وحتى الخمسينيات فى صحيفة الكتلة ومجلة القصة بمثابة المصدر الثقافى والفكرى الأول لى فى حياتى سواء بالقصص التى كان يرويها بشكل مستمر لى حول كافة جوانب الحياة فى مصر التى عاشها أو من خلال الصحف اليومية التى كانت تصل لنا يوميا باشتراك وهى صحف الاهرام والأخبار والجمهورية وايضا عدد من المجلات الأسبوعية أبرزها المصور وآخر ساعة وايضا من خلال المكتبة التى كانت تحوى مئات الكتب ..ومن هنا كنت مطلعا منذ الطفولة على كافة المعلومات المتنوعة ومن بين الشعارات التى كان والدى يرددها لى هو الشعار الذى كان يهتف به طلاب جامعة فؤاد الاول ومن بينهم والدى رحمه الله "القاهرة حاليا ".. شعار خالد هو "مصر والسودان لنا وانجلترا ان امكن" وقد كان هذا الهتاف شهيرا يهتف به الطلاب وعموم الشعب وايضا اخوتنا السودانيين خاصة المؤمنين بالوحدة وعلى رأسهم الطائفة الختمية وأسرة الميرغنى العريقة مؤسسو الحزب الاتحادى الديمقراطى السودانى العريق المؤمن بالوحدة بين مصر والسودان قد تكون هذه مقدمة طويلة لكن حقيقة وعلى امتداد تاريخ وادي النيل، ظل الشعار الشهير "مصر والسودان لنا... وإنجلترا إن أمكن" تعبيرًا رمزيًا عن وحدة الروح والمصير، فقد كان أبناء وادي النيل يرون أن ما يجمع شعبي البلدين ليس مجرد جغرافيا مشتركة، بل تاريخ واحد، وهوية حضارية ممتدة، وروابط إنسانية متداخلة لا تستطيع قوة في العالم أن تمحوها. هذا الشعار لم يكن مجرد كلمات، بل كان انعكاسًا لفكرة راسخة لدى المصريين والسودانيين أن وحدة وادي النيل هي قاعدة الاستقرار في المنطقة، وأن استقلال القرار الوطني في البلدين مرتبط بالقدرة على تشكيل كيان متماسك قادر على مواجهة الأطماع الخارجية التي لم تهدأ يومًا. لكن الأحداث التاريخية اللاحقة كان لها تأثير عميق؛ فمع قيام ثورة يوليو 1952 في مصر، تم السماح بإجراء استفتاء تقرير المصير للسودان، الذي انتهى بانفصال البلدين. ثم جاءت مرحلة أخرى أشد خطورة عندما سمح نظام عمر البشير عام 2011 بقيام دولة جنوب السودان، ما شكّل سابقة خطيرة أدت إلى فتح الباب لاحقًا أمام مشاريع تفكيك أخرى تستهدف السودان الكبير. واليوم، ومع اشتداد المؤامرات الإقليمية والدولية على الأراضي السودانية، تلوح في الأفق مؤامرة جديدة تهدف إلى تقسيم السودان إلى دويلات، بما يخدم مصالح قوى خارجية لا ترغب في رؤية دولة سودانية موحدة قوية قادرة على التحكم في مواردها الهائلة وموقعها الاستراتيجي. في ظل هذه الظروف الحرجة، يأتي الموقف المصري واضحًا وحاسمًا، كما عبّر عنه معالي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج الدكتور بدر عبد العاطي، مؤكدًا أن ثوابت مصر تجاه الأزمة السودانية ثابتة وغير قابلة للمساومة. فقد قال الوزير بوضوح: لا حلول عسكرية للأزمة السودانية، فالحرب لن تنتج إلا المزيد من المعاناة والدمار. الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه مبدأ راسخ لا حياد عنه. تقسيم السودان خط أحمر لمصر لن تقبله ولن تسمح به تحت أي ظرف. الحفاظ على مقدرات الشعب السوداني ضرورة إنسانية وأخلاقية وسياسية. هذه التصريحات لم تكن مجرد رؤية تحليلية، بل تعبيرا عن استراتيجية مصرية ثابتة تستند إلى الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا عضويًا بوحدة وسلامة السودان، باعتباره العمق الجنوبي للدولة المصرية. كما أكد وزير الخارجية المصرى أنّ من ثوابت الموقف المصري أيضًا تنفيذ إعلان الرباعية الصادر في 12 سبتمبر الماضي، والذي تضمن خارطة طريق واضحة لوقف نزيف الدم في السودان، وتشمل: 1. هدنة إنسانية عاجلة لحماية المدنيين. 2. وقفًا فوريًا لإطلاق النار. 3. عملية سياسية شاملة لا تُقصي أحدًا وتضم جميع الأطراف السودانية. 4. التأكيد على أن الحل يجب أن يكون سودانيًا خالصًا، يقوم على ملكية كاملة للسودانيين دون تدخلات إملائية. هذه الرؤية تُعيد السودان إلى مسار الدولة المتماسكة، وتمنح شعبه فرصة لاستعادة استقراره وبناء مستقبله بعيدًا عن شبح التقسيم والحرب. إن شعار "مصر والسودان لنا..." لم يفقد معناه، بل تزداد أهميته اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل الأخطار التي تحيط بالسودان. وموقف مصر الراسخ يعبّر عن مسؤولية تاريخية تجاه الشعب السوداني الشقيق، وعن إدراك عميق بأن استقرار السودان هو استقرار لمصر، وأن حماية وحدته ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية للأمن القومي في وادي النيل كله. إن المؤامرات التي تُحاك اليوم لتقسيم السودان والتى تقودها ميليشيات الدعم السريع الإرهابية الإجرامية بقيادة السفاح حميدتى لن تنجح ما دام هناك صوت مصري عربي صادق يقول بوضوح: وحدة السودان خط أحمر... ولن نسمح بتكرار سيناريوهات التقسيم مهما كانت الضغوط.