نجوى أبو النجا: هذه الظاهرة مصادرة على حق المستمع في استعمال خياله.. ومحمود الفقي: الفضول لرؤية المذيعين سيتحول بعد فترة إلى نوع من الملل ظلّت الإذاعة المصرية طوال تاريخها صاحبة التميُّز المنفرد في المنطقة العربية بأكملها سواء في السبق الإذاعي أو في القائمين عليها أو مستوى ما يقدم بها. ويظل عنصر الخيال من أهم العوامل التي تتميز بها أي إذاعة، فالخيال الذي تتيحه الإذاعة لكل المستمعين باختلاف فئاتهم العمرية والثقافية يطلق العنان للمستمع في تكوين الصورة التي يرسمها له عقله في تخيُّل برنامج أو مذيع أو ديكور أو لوكيشن مسلسل، ولكن مع التطور المذهل في وسائل الإعلام والحرب الشرسة في أن تجذب كل جهة إعلامية أكبر قدر من المتابعين، طفت على السطح ظاهرة جديدة على الإذاعة وهى أنه أصبحت لبعض المحطات الإذاعية قنوات مرئية، وهو ما جعل هناك تباينًا في الآراء حول نجاح هذه الظاهرة من عدمه وتأثيرها على المستمع، خصوصًا بعد أن كسرت حاجز الخيال الذي طالما تمتعت به الإذاعة. وحول هذه الظاهرة تحدّث المتخصصون وأصحاب التجربة ل"التحرير"، إذ قالت الإعلامية القديرة نجوى أبو النجا، إن "أهم ما يميّز الإذاعة أن لها خصوصية استدعاء خيال المستمع وذكرياته، والتي تعمل على تنمية العقل وفي نفس الوقت الشكل الذي يرسمه في ذهنه للمذيع والبرنامج والذي يجعله يقوم بتركيب الصوت على الصورة التي رسمها مسبقًا، والتي من المكن أن تتغيّر بالسلب عندما يراه على شاشة التليفزيون". وأوضحت أبو النجا أن مذيع الإذاعة له مقومات مختلفة عن مذيع التليفزيون، ومن الممكن أن يحقق مذيع نجاحًا هائلًا في الإذاعة ولا يستطيع تحقيقه بمجرد ظهوره على الشاشة، مشيرة إلى أن الإذاعة في المقام الأول صوت لا صورة على عكس التليفزيون، وأنه منذ ظهور التليفزيون لم يلغِ أبدًا دور الإذاعة، والعكس صحيح، مؤكدة أنه لا داعي لاختلاط الأدوار، وأنه من جمال الأشياء أن تحتفظ كل وسيلة بخصوصيتها التي يكون لها جمهور مميز بمفردات ثقافية وترفيهية مختلفة، خصوصًا أننا في حاجة إلى العديد من المنابر الإعلامية التي تجذب إليها أذواقًا وأعمارًا ومستويات فكرية مختلفة. وأضافت أبو النجا أن هذه الظاهرة بمثابة مصادرة على حق المستمع في استعمال خياله، الذي من الممكن أن ينهار برؤية ديكور برنامج أو ملابس مذيع، أو حتى شكله الذي من الممكن أن يكون مختلفًا تمامًا عن صوته الذي يحمل "كاريزما" ميّزته طول فترة ارتباط المستمع به، لذلك أعتقد أن هذا النوع الجديد من الإذاعة المرئية يحمل الكثير من السلبيات المضرة بالكيان الإذاعي. وقال الإعلامي محمود الفقي، مذيع برنامج "اصحى للدنيا" على "راديو مصر": "لا أعتقد أن مشاهد التليفزيون سيترك كل ما في القنوات الفضائية من وسائل باهرة وجاذبة ويتجه لرؤية البرامج الإذاعية، وحتى إذا حدث ذلك سيكون لفترة مؤقتة، هي فترة الفضول لرؤية شكل المذيعين والربط بينهم وبين أصواتهم، وبعد ذلك سيحدث نوع من الملل، لأن الإذاعة مهما طورت في ديكورات وإمكانيات برامجها لن تجاري إمكانيات القنوات التليفزيونية، وهو ما سيجعل صورتها باهتة وفقيرة، ووقتها من الممكن أن يأتي ذلك بنتيجة عكسية حتى على سماع البرنامج في الراديو نفسه. وأشار الفقى إلى أن ظهور الراديو في التليفزيون أفقده أهم مقوم من مقومات الإذاعة وهو الخيال الذي يعتبر السحر الحقيقي لها، والذي يربط بها الآلاف من المستمعين، مضيفًا أنه من الممكن أن يكون وراء هذا التقليد الجديد هدف من القائمين على هذه المحطات الإذاعية في جذب إعلانات أكثر، ولكنني أعتقد أن هذا لن يحدث على الوجه المرجو، لأن المعلن من مصلحته أن يذهب إلى القنوات صاحبة نسبة المشاهدة الأعلى، وإذا لاحظنا سنجد أن "نجوم إف إم" و"راديو 90 90" ما زالتا تعتمدان في فواصلهما على بروموهات البرامج الخاصة بهما. وأكد أنه من الأفضل أن يفكر القائمون على الإذاعة في تطويرها بدلًا من الذهاب بها إلى منطقة أخرى لن تحقق لها أي نوع من الإضافة.