كان الراديو الترانزستور ومازال من أعز أصدقائى، أجد فيه الونس والخيال الذى لا تكبحه فرامل الصورة المرئية والصديق الهامس بلا فضول والذى لا يحتاج لبروتوكولات وإتيكيت خاص عند سماعه، فأنت تسمعه وأنت مقبل على النوم فى حالة تخدير النعاس، وأيضاً أثناء قيادتك لسيارتك، عشقت الإذاعة وكتبت لها فى فترة كانت من أمتع فترات حياتى، كتبت وتعلمت من نجوم الإذاعة، تعلمت من فاروق شوشة وأبلة فضيلة ونادية صالح وسلوان محمود وهالة الحديدى، عشقت الإذاعة برغم أننى كنت أقبض عن المسلسل الثلاثين حلقة 850 جنيهاً بعد الضرائب والمستقطعات، وعن حلقة البرنامج الأسبوعى خمسين جنيهاً بالتمام والكمال!!، كنت أعرف أن من يكتب مسلسلاً للتليفزيون يقبض عن الحلقة عشرة أضعاف ما أقبضه أنا عن مسلسل إذاعى كامل، ولكنى كنت مستمتعاً بالعمل الإذاعى، وكنت أعرف أن الكتابة الإذاعية مجرد مرحلة فى حياتى وليست مستقبل حياتى كله، من الممكن أن يكون سبب عدم ضيقى وتذمرى حينذاك أننى أعمل طبيباً وأمتلك دخلاً ثابتاً من هذه المهنة، ولكن هذا لم يمنعنى من السؤال: كيف يعيش موظفو الإذاعة الذين لا يملكون عملاً آخر سوى هذا العمل؟، وكيف يعيش المذيعون والمذيعات بهذا الراتب الضئيل الذى لا يكفى العيش الحاف؟! أسعدنى خبر رفع رواتب الإذاعيين الذى وقعه المهندس أسامة الشيخ منذ أيام قليلة، أخيراً عرف واحد من رؤساء الاتحاد أنه اتحاد للإذاعة والتليفزيون، أخيراً انتبه مسؤول لطابور الإذاعيين وحال شبابهم الذين كانوا على شفا الفقر وإعلان انضمامهم إلى حزب أبناء السبيل!!، من الممكن أن يكون قد حصد بعض الإذاعيين الكبار فى المناصب الرئيسية ثروات طائلة، ولكن الأغلب الأعم من عموم الإذاعيين يعانون من ضيق العيش وتبخر الراتب بعد أسبوع من قبضه، ولكن السؤال الذى يفرض نفسه: هل برفع الرواتب فقط سينعدل حال الإذاعة وتستطيع أن تنافس وتتنفس فى غابة الفضائيات؟، بالطبع لا. الإذاعة تحتاج إلى تدريب كوادرها وتقليل ساعات إرسالها وإلغاء ترهلاتها الإذاعية التى تضخمت سرطانياً على هيئة إذاعات لا يستمع إليها بشر، هل استمع أحدكم إلى إذاعة القاهرة الكبرى أو إذاعة الكبار.. إلخ؟!، الإذاعة تحتاج روح التنافس قبل رفع الرواتب، الإذاعة تحتاج قيادات تفكر بجرأة وتتخذ القرار باستقلالية ولا تنتظر تليفون الوزير فتفوتها الأخبار وتحرم من السبق وتظل نائمة فى عسل الروتين وانتظار الأذونات، الإذاعة تحتاج إلى قبلة الحياة بتعلم فن جذب المستمع من أول لحظة، وجاذبية الأداء من أول همسة، الإذاعة ينقصها التجديد والتمرد ورفع سقف الحرية حتى يلتف حولها المستمعون من جديد.