في زمن تتسارع فيه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، بات حضورها طاغيًا في مجالات الحياة كافة، من الطب إلى الاقتصاد، ومن التعليم إلى التربية.. ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه، حتى الآن وربما إلى أمد طويل، أن يلغي دور الأب والأم والمدرسة. قد يساهم في تيسير مهامهم، وقد يقدم أدوات تعليمية وتربوية مذهلة، لكنه يفتقر إلى أهم ما يحتاجه الإنسان في الطفولة..«الإنسانية».. يبقى الأب والأم والمعلمون صناع القيم، الحاضنين للعواطف، والمرشدين في الدروب المعقدة للحياة.. أما الذكاء الاصطناعي، ففي أفضل أحواله، لا يزال خادمًا ذكيًا، لا أبًا أو أمًا أو قدوة.. ومع تنامي الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تربية الأطفال وتعليمهم، يثور تساؤل ملح: هل يمكن أن يُلغى دور الأب والأم والمدرسة في ظل تمدد قدرات الذكاء الاصطناعي ؟ البيت الذكي.. هل يحل محل الأسرة؟ في منازل اليوم، بات «المساعد الذكي» جزءًا من الحياة اليومية.. حيث إن تطبيقات مثل «ChatGPT»، و «Google Assistant»، وأجهزة مثل «Alexa» و «Siri» تُجيب عن أسئلة الأطفال، تروي لهم القصص، تساعدهم في الواجبات المدرسية، بل وتوجههم أحيانًا سلوكيًا. الذكاء الاصطناعي قد يُسهم في دعم دور الأسرة، لكنه لا يستطيع استبدال العاطفة، والدفء الإنساني، والنمذجة السلوكية التي يقدمها الأب والأم.. الأطفال لا يحتاجون فقط لمن يجيب عن أسئلتهم.. بل لمن يحتضنهم، يشكل وعيهم، يرشدهم خلال الأزمات، وهذا ما لا يستطيع أي روبوت أن يقدمه. المدرسة الرقمية.. بدأت منذ جائحة كورونا، تحولت المدارس إلى نماذج افتراضية، وظهرت تطبيقات تعليمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تقدم دروسًا تفاعلية، وتقيم الطلاب، وتتابع مستواهم بدقة قد يعجز عنها المعلم التقليدي.. ولكن هل يكفي هذا؟. الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحل مكان المدرسة، ليست فقط مكانًا لنقل المعرفة، بل لتكوين الشخصية، وتعليم القيم، وتنمية المهارات الاجتماعية.. الذكاء الاصطناعي لا يستطيع ضبط فصل مشاغب، ولا التعامل مع طالب مكتئب. الطفل أمام الشاشة: كفاءة أم عزلة؟ الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي في التعليم والتربية قد ينتج عنه «طفل شديد الكفاءة معرفيًا، لكنه هش اجتماعيًا».. الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يعزز العزلة، ويضعف مهارات التواصل، ويقلل من التعاطف لا بد من توازن بين التكنولوجيا والاحتكاك الإنساني. هل نتجه فعلاً نحو أبوة رقمية؟ يطرح البعض مفهوم «الأبوة الرقمية» «Digital Parenting»، وهو ما يشير إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الإشراف والمراقبة والتوجيه التربوي.. تطبيقات مثل «Qustodio» أو «Family Link» تراقب سلوك الأبناء على الإنترنت، وتحدد أوقات استخدامهم. مخاطر الأبوة الغائبة غياب الإشراف الأبوي الرقمي يمكن أن يترك الطفل فريسة لمخاطر متعددة، منها..المحتوى غير المناسب, مشاهد عنف، أو أفكار متطرفة، أو محتوى جنسي. التنمر الإلكتروني: تعرّض الطفل للسخرية أو الابتزاز من أقرانه على الإنترنت. العزلة الاجتماعية: الانسحاب من العلاقات الحقيقية إلى العوالم الافتراضية. ضعف التركيز والتعلم: بسبب تشتت الانتباه الناتج عن الاستعمال الطويل للشاشات. والآن تأتي دور الإجابة عن سؤال المقال، هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة ؟ في اعتقادي الشخصي لن يستطيع بالرغم من امتلاكه كل أدوات السحر والمعرفة الضخمة والسرعة والتعلم وتواجده الدائم في أي وقت وفي أي مكان.. لكن يظل الإنسان بكل ما يحمله من ضعف وأخطاء وتقصير هو الثابت الوحيد في تلك المعادلة.. يبقى فقط أن يقوم بدوره إنسان وأب وابن وزوج ومربي ومعلم حتى لا يقوم بدوره أحد أو يُستبدل.