من الضرورى دمج تدريس الذكاء الاصطناعى منذ المراحل الأولى من التعليم. تطورت على نحو غريب محاولات تعريف محو الأمية ، فمع تأسيس الأممالمتحدة عام 1945، ثم منظمة اليونسكو عند تأسيسها فى عام 1946، أصبح محو الأمية جزءاً من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، ووضعت اليونسكو محو الأمية الأبجدية على رأس أجندتها التعليمية. ولكن مع ظهور وانتشار التليفزيون، ثم أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، ظهر ما يعرف بالأمية الإعلامية ، وأمية الكمبيوتر، وأمية الإنترنت، والأمية التكنولوجية، ثم ظهرمفهوم الأمية الرقمية ليشمل هذه الأميات الأربع، ومؤخراً ظهرت أمية خامسة هى أمية الذكاء الاصطناعى. وهناك فريق من الباحثين ينظر حالياً إلى محو أمية الذكاء الاصطناعى على أنه عنصر حاسم فى محو الأمية الرقمية، وهو أمر ضرورى للحياة والعمل فى القرن الحادى والعشرين . بينما هناك فريق آخر يركز على محو أمية الذكاء الاصطناعى منفصلاً عن الأمية الرقمية ، وأنا أميل شخصياً لوجهة نظر الفريق الأول، لأن الأمية الرقمية مفهوم أوسع وأشمل من أمية الذكاء الاصطناعى، كما أنه من غير الممكن محو أمية الذكاء الاصطناعى بدون محو الأمية الرقمية . ويقصد بمحو أمية الذكاء الاصطناعى اكتساب الشخص المعرفة والفهم والمهارات المطلوبة للتفاعل الفعال مع تقنيات الذكاء الاصطناعى وتفسيرها وتقييمها بشكل نقدي. والقدرة على التعليم المستمر والتفكير النقدى القادر على التمييز بين ما يمكن للذكاء الاصطناعى فعله، وما لا يمكنه فعله، وفهم المخاطر والفوائد المحتملة منه . ويشمل ذلك مجموعة من المهارات والكفاءات أهمها : معرفة ماهية الذكاء الاصطناعى وقدراته وقيوده وأنواعه المختلفة (على سبيل المثال، التعلم الآلى ومعالجة اللغة الطبيعية والروبوتات). فهم المبادئ الأساسية لكيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعى، مثل الخوارزميات ومعالجة البيانات وتدريب النماذج. القدرة على فهم البيانات وتفسيرها واستخدامها، وهو أمر أساسى للذكاء الاصطناعى. ويشمل ذلك معرفة مصادر البيانات وتحليلها وتصورها. الوعى بالاعتبارات الأخلاقية والتحيزات المحتملة لمبرمجى الذكاء الاصطناعى ، وضرورة احترام الخصوصية والعدالة والمساءلة والشفافية. ويتم تجميع المهارات والكفاءات المطلوبة للذكاء الاصطناعى من خلال الإجابة على خمسة أسئلة هى : ما هو الذكاء الاصطناعى؟، ماذا يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعى؟، كيف يعمل الذكاء الاصطناعى؟، كيف يجب استخدام الذكاء الاصطناعى؟، وكيف يدرك الناس الذكاء الاصطناعى؟. ويضع الباحثون اختبارات ومقاييس لمحو أمية الذكاء الاصطناعى الخاص قابلة للتطبيق على مجموعة واسعة من الطلبة والمعلمين . ومع ذلك يمثل تعليم الذكاء الاصطناعى تحديًا تربويًا كبيرًا لكل من الخبراء والمعلمين، وتحديًا إدراكيًا للطلبة ، من هنا لعل السؤال الذى يطرح نفسه، كيف يمكن تدريس الذكاء الاصطناعى؟. لتدريس الذكاء الاصطناعى بشكل فعال، يحتاج المعلمون أنفسهم إلى معرفة الذكاء الاصطناعى، وفهم أساسيات التعلم الآلي، كما يجب أن يكونوا قادرين على شرح هذه المفاهيم، بالإضافة إلى شرح التبعات الأخلاقية والمجتمعية للذكاء الاصطناعى بطريقة سهلة . ولابد أن يكون تعليم الذكاء الاصطناعى عمليًا، لإن الأمر يتعلق بإعطاء الطلبة خبرة عملية وأمثلة من العالم الحقيقى، ويمكن أن يشمل هذا النهج أنشطة متعددة مثل تنفيذ مشروعات برمجة لإنشاء نماذج بسيطة للذكاء الاصطناعى، واستكشاف إمكانيات استخدام الذكاء الاصطناعى فى الصناعة وفى الصحة والتعليم وغيرها ، والنقاش حول التبعات الأخلاقية للذكاء الاصطناعى فى الحياة العملية. وبالنظر إلى أن الذكاء الاصطناعى سيستمر فى التطور فإنه يحتاج إلى التعليم المستمر، والقدرة على التكيف، وتطوير مقاييس تقييم مستويات تعلم الذكاء الاصطناعى عند الأفراد العاديين غير المتخصصين. من هنا فإن دمج الذكاء الاصطناعى فى المناهج الدراسية منذ المرحلة الابتدائية ، أصبح أمراً ضرورياً. إن تعليم الذكاء الاصطناعى ليس مجرد تعليم أساسي، بل إنه أيضًا يتطلب المعرفة والتأمل النقدى حول كيفية تطوير الذكاء الاصطناعى بشكل يحترم القيم الإنسانية . ومن ثم، فمن الضرورى دمج تدريس الذكاء الاصطناعى منذ المراحل الأولى من التعليم، وتبذل بعض الدول، مثل فنلندا، جهودًا كبيرة لتعزيز تدريس الذكاء الاصطناعى فى رياض الأطفال حتى الصف الثانى عشر ، وتعتمد فى تنفيذه على الذكاء الاصطناعى نفسه ، من خلال تصميم البيانات والبيانات التفاعلية والروبوتات والواقع الافتراضى والألعاب.