شهدت الأيام الماضية جدلا واسعا حول مسلسلات رمضان، التى حاصرت المشاهد من كل الاتجاهات، فى الوقت الذى تعرضت فيه أغلب البرامج التليفزيونية لانتقادات حادة سواء بسبب تفاهة ما تقدمه من موضوعات، أو بسبب ذلك التناول الهزيل لقضايا شائكة.. فى حين بقيت الإذاعة لا حس ولا خبر، فلم تثر أى مشكلات، ولم تحز إعجاب النقاد ولا حتى على هجومهم.. وهو ما يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات حول مستوى أداء الإذاعة، التى كانت تجمع شعب مصر على مائدة واحدة فى ساعة الإفطار.. فهل فقدت الإذاعة اهتمام جماهيرها؟ وهل ذهب البريق عن الإذاعة فى شهر رمضان؟ وهل هناك أمل أمام الإذاعة لتسترد أرضها المفقودة؟ طرحنا هذه التساؤلات أمام عدد من العاملين فى الإذاعة واستطلعنا آراءهم حول ما يتابعونه فى إذاعتهم. التى أنفقت الملايين على البرامج والأعمال الدرامية.. وجاءت النتائج تقريبا متطابقة: الجميع يستمعون لمحطة القرآن الكريم فى فترة ما قبل الإفطار أو إذاعة الأغانى فى فترة الظهيرة، وذلك بحكم وجودهم فى وسائل المواصلات من العمل للمنزل والعكس. ومن أجل توثيق هذه النتائج سألنا رموزا إذاعية من جيل الرواد: كيف تستمعون إلى الإذاعة فى رمضان؟.. وجاءت الإجابات متباينة، فالإعلامية سامية صادق أجابت بمنتهى الصراحة: «لا أتابع الإذاعة، وأقلب قنوات التليفزيون لكى أجد شيئا يمكننى متابعته، ولكنى لم أستقر بعد». وقالت إنها استمعت للإذاعة خلال أول ثلاثة أيام من رمضان بحثا عن شىء يجذبها لتستمر فى متابعته، ولكنها لم تجد فتحولت للتليفزيون. وأشارت إلى وجود عدد كبير من الإنتاج البرامجى والدرامى فى إطار حركة تطوير للإذاعة، لكنها أوضحت أن هذا التطوير لا يرضى كل الأذواق، والدليل أنها لم تجد ما يناسبها كى تحرص على متابعته فى أيام وليالى رمضان، مؤكدة أن الإفراط فى الإنتاج لم يأت فى صالح المتلقى، وإنما أصابه بحالة من التخمة، وقالت إنه قديما كانت تندمج إذاعات البرنامج العام مع صوت العرب والقرآن الكريم فى ساعة الإفطار، وكانت هذه الفترة تتمتع بأعلى نسبة متابعة، بفضل تلاوات الشيخ محمد رفعت وابتهالات النقشبندى، وغيرها من الأعمال التى مثلت كلاسيكيات الإذاعة فى رمضان. إهدار درامى! يرى الإذاعى إمام عمر أن هناك مشكلة حقيقة تواجه الراديو، وهى غزارة الإنتاج وتدفقه، وهو ما يجعل الاختيار صعبا، مشيرا إلى إهدار كم كبير من الإنتاج البرامجى والدرامى فى رمضان من كل عام، من خلال تلك الأعمال التى لا تلقى المتابعة التى تستحقها. ومن هنا يعتقد إمام عمر بأن متابعة الإذاعة تكون من خلال جمهور الصدفة، الذى يفتح الراديو بهدف التسلية، ويدير المؤشر ليجد شيئا يعجبه، وهذا الجمهور قد يعود للمتابعة مرة أخرى وقد لا يعود، ويضيف أن الصورة خطفت الأذن من الاستماع للإذاعة، والتى أصبح معظم جمهورها يستخدمها كخلفية أثناء قيادة السيارة أو القيام بالأعمال اليدوية. وعن قائمة الأعمال التى يفضل الاستماع إليها فى رمضان، يقول إنه يبحث عن الأعمال الكلاسيكية، التى تمثل بالنسبة له ذكريات رمضان زمان والبرامج العريقة مثل عازم ولا معزوم بالبرنامج العام، وضيف الإفطار فى الشرق الأوسط. وأشار إلى افتقاده للأدعية والتواشيح الدينية القديمة، التى استبدلتها معظم المحطات الإذاعية بأصوات نجوم الفن والرياضة خلال السنوات الأخيرة. عودة جمهور الإذاعة يؤكد وجدى الحكيم أنه لا يوجد من يستطيع أن يقف أمام عجلة التطوير، مؤكدا أن الإذاعة شهدت مراحل متلاحقة من التطوير فى التناول والمضمون وشكل الأداء، وقال إنه لم يستطع التعايش مع حالة الصخب، التى تشيعها القنوات التليفزيونية، وأنه بعد الافراط الكبير فى إنتاج المسلسلات التليفزيونية، فإنه لا يشاهد هذه الأعمال ويعيش فى رمضان مع الدراما الإذاعية. وأنه حريص على الاستماع للمسلسلات الدرامية فى البرنامج العام «لا أملك إلا نفسى»، و«دموع وحنين»، كذلك مسلسلات إذاعة الشرق الأوسط، التى يراها تتمتع بخفة الظل، مشيرا إلى حالة المتعة التى يشعر بها من خلال متابعة الدراما المسموعة، التى تثير الخيال وتتمتع بقدر كبير من الرشاقة والتشويق، كما أنها لا تأخذ من وقته الكثير مثل الدراما التليفزيونية. ويتوقع الحكيم أن تنتهى حالة الصخب الإعلامى الرمضانى فى الأعوام المقبلة، وقال إننا نسير فى اتجاه الموضات الإعلامية، فبعد الفوازير جاءت الدراما التليفزيونية، وانطلقت قبل عامين موجة الست كوم، وبعدها ستهدأ حالة الصخب، وسيعود الجمهور للراديو الذى لم يفقد بريقه رغم التطور الهائل فى الإعلام المرئى. متابعة وسط الزحام! الإذاعى عمر بطيشة رئيس الإذاعة الأسبق يرى أن المتابعة وسط هذا الزحام أصبحت أمرا غاية فى الصعوبة، ولكنه رغم هذا يحرص على تخصيص مساحة للاستماع للإذاعة، ومنها فترة العصر، وقرآن وأحاديث فترة المغرب فى محطة القرآن الكريم، لأنها تتمتع بالحميمية المصرية بطقوسها الرمضانية. وأهمها تقديم مجموعة من التسجيلات النادرة لكبار القراء وفرسان التلاوة، وفى الشرق الأوسط يحرص على الاستماع لبرنامج «افتكاسات شريف» الذى يقدمه نجله الإذاعى شريف عمر، وفى نجوم إف إم يحرص على متابعة ذكريات محمود سعد.. كذلك يحرص على الاستماع لبرنامج «عازم ولا معزوم» فى الشبكة الرئيسية، وأشار عمر بطيشة إلى اهتمامه بالدراما الإذاعية التى يراها تحرك الخيال، وذكر منها مسلسل «عيلة كويسه غنية مفلسة» و«شريف مربى لنا الخفيف» على الشرق الأوسط، و«لا أملك إلا نفسى»، و«دموع وحنين» على البرنامج العام. ويعلق بطيشة بأن الراديو يلعب فى رمضان دور الصديق أو الجليس المفيد، حيث لا يحتاج مجهودا كبيرا فى متابعته ويمكن الاستماع له أثناء القيام بأعمال أخرى. بريق مستمر وتؤكد الإذاعية أمينة صبرى الرئيس السابق لشبكة صوت العرب أن الإذاعة لم تفقد بريقها، وان موقع برنامجها «سلطنة» على شبكة الإنترنت تلقى تعليقات من 21 ألف مستمع فى ستة أشهر، وهو ما يدل على أن هناك أضعاف هذا الرقم يستمعون للبرنامج على إذاعة الأغانى، وقالت عن الإذاعة فى رمضان إنها تأثرت بتغير الطقوس، التى يتبعها الناس فى هذا الشهر الكريم، وتطور شكل حياتهم بمرور الزمن. وقالت إنها ما زالت تحرص على الاستماع للفترات المفتوحة فى فترة العصر فى الشرق الأوسط وفترة الإفطار وما قبلها فى البرنامج العام وأنها تتنقل بين المحطات لتستمع لبعض الفترات الخفيفة فى الشباب والرياضة أو إذاعة الأغانى.