من الخطأ الظن أن المعركة التى تدور رحاها الآن مع وزير الثقافة سببها الاحتجاج على إنهاء انتداب بعض القيادات من مواقعهم فى وزارة الثقافة، المتأمل فى المشهد الثقافى الآن يدرك أننا نعيش محنة تطبق على روحنا وتطبع على عقولنا، وتضرب بجذورها عميقا فى صميم الحياة الثقافية المصرية. بالسؤال عن جوهر الثقافة، فنحن بالضرورة نسأل فى نفس الوقت عن المثقف والفعل الثقافى اللذين تربطهما علاقة وثيقة وتجمع بينهما الثقافة. ولكن ماذا تعنى الثقافة؟ سؤال معقد ومركب سنجد صعوبة فى الإجابة عنه، سؤال يحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير. إن الثقافة ليست فقط موروثا أو تراثا نحافظ عليه أو نحاول فك مغاليقه، لكنها موضوعات وأفعال وقضايا للبحث والتحليل والمناقشة والاستمتاع والتذوق، الثقافة، تاريخ وميلاد، موت وهزيمة وانتصار وقدر ومصير وخلق وإبداع وتنبؤ بالمستقبل. ومن هنا كان حريا أن نسأل: مَن الذى يهيمن على آليات السلطة والثقافة فى مصر؟ إننا إزاء هياكل تعادى الثقافة وتفرغ المجتمع من مبدعيه. تغلق المسارح وتضع العراقيل البيروقراطية أمامها، تتحول قصور الثقافة إلى أماكن مهجورة، يتم الاتفاق مع وزارة الأوقاف على عدة مشاريع، يؤكد وزير الثقافة أن المثقفين سيذهبون إلى المساجد لنقل الثقافة، كما أن المشايخ سيأتون إلى المراكز الثقافية! لقد نسى الوزير الدور الذى تلعبه المؤسسات الدينية متمثلة فى الأزهر لمصادرة حرية الأعمال الأدبية والفنية وكتب الفكر والاجتهاد الدينى بل وصل الأمر إلى تكفير بعضهم، مما أدى إلى مقتل فرج فودة، نسى الوزير أن المؤسسات الدينية لا تريد أن تسيطر على ميادين حرية الفكر والإبداع ليس فقط فى ما يخص تناول الشأن الإسلامى، لكن أيضا طريقة تناول التاريخ والتراث، مما يجعلها أشبه بمحاكم التفتيش، هل سيناقش المثقفون فى المساجد ابن عربى والسهروردى المقتول والحلاج وأعمال من تم تكفيرهم وإدانتهم؟! كان أحرى بالوزير أن يطالب برفع وصاية رجال الدين عن الثقافة والمثقفين ويفتح أبواب الوزارة للفكر التنويرى. إن المعضلة تتمثل الآن فى السُّلطان المُطلَق للمسؤولين عن الثقافة فى مشروعاتهم وقراراتهم. والسؤال المبدئى الذى يطرح نفسه بقوة الآن: ما الثقافة التى تريد أن تفرضها السلطة المهيمنة؟ ما الأفكار والأيديولوجيا أو الطرح الثقافى المراد إنتاجه؟ على المثقفين والمفكرين أن يكسروا الاحتكار الذى يهيمن على ميادين الثقافة والإبداع وأن تكون المشاركة بديلا عن الإقصاء والتهميش فحرية الرأى والتعبير هى فى جوهرها قضية ثقافية مجتمعية، ويجب ربط الفكر والثقافة بالواقع العملى والوفاء بالالتزام الفكرى أمام المجتمع هو الجوهر. إن الثقافة التى نريدها يجب أن تضع كل شىء موضع المساءلة، أى أن تكون مفعمة بوعى نقدى، وتقتحم كل ما هو قديم وثابت، وتهتم بفتح حوار دائم يساعد على إطلاق الخيال الابتكارى لمواجهة مشكلاتنا الحالية ونبذ الوعى الأصولى الماضوى، المنغلق على نفسه والدفع بالوعى النقدى الابتكارى فى كل مجالات المعرفة من أجل تحررنا من ربق عبودية الفكر الثابت الجامد.