حسناء الجريسى - منذ أيام تم اغتيال الشاعر الصومالى «ورسمى شرى عوالى» على يد جماعات مسلحة، بعد انتقادات وجهها للجماعات الإسلامية فى بلاده، واصفا إياها بأنها “ تتلاعب بعواطف البسطاء “ وقد أدان أحد الشعراء الصوماليين قتل “ عوالى" باعتباره “ اغتيالاً لضمير المجتمع “ وبذلك يصل عدد ضحايا العنف فى الصومال خلال عام إلى 17 كاتبا. كما أن منظمة العفو الدولية أصدرت منذ أيام تقريرا يدين الحكومة القطرية لاعتقالها الشاعر “ محمد العجمى “ وإيداعه حبسا انفراديا طوال عام، بسبب قصيدة يشيد فيها بثورات الربيع العربى، وينتقد فيها حكومات دول الخليج، ويؤكد التقرير أن محاكمة العجمى تشوبها خروقات كثيرة، علاوة على أنها تجرى بشكل سرى. وأعلنت رابطة الكتاب السوريين عن اعتقال الأجهزة الأمنية السورية للشاعر الشاب نصوح طيارة 19 عاما ولم تحدد الرابطة مكان اعتقال الشاعر أو ظروف اعتقاله. وأشار البيان إلى أن الأجهزة الأمنية أقدمت قبل أيام على تنفيذ إعدام ميدانى بحق الروائى السورى إبراهيم الخريط وولديه فى مدينة دير الزور. هذه عينة مما يحدث الآن فى العالم العربى، وهو ما يعكس علاقة المثقف والسلطة فالصراع دائم بينهما ولا ينتهى الأمر فى أحسنالأحوال إلا بإقصاء الكاتب وحرمانه من الكثير من الحقوق، فهل تخاف الأنظمة العربية من الثقافة والمثقف؟ تؤكد الناقدة عبلة الروينى أن السلطات الاستبدادية دائما ما تخاف من الثقافة والمثقفين، وتفسر ذلك بأن المثقف لديه درجة من الوعى الكاشف، ودائما ما يحلم بالتغيير ولا يتقبل الأمر الواقع بل يناقش كل ما يحدث حوله، وبالتالى فإن المثقفين يمثلون عنصر إزعاج للسلطات الحريصة على تحقيق أهدافها، ومن هنا ينشأ الصدام بين المثقف والسلطة. ويتفق معها فى الرأى الروائى يوسف القعيد قائلاً : «المثقف دائما يكون هدفه تغيير العالم للأفضل، والسلطة الحاكمة هدفها إبقاء الوضع على ما هو عليه ومن هنا ينشأ الصراع والصدام المستمر. ويضيف: لذلك فالصدام بين المثقف والسلطة حتمى، طالما أن المثقف يشعر بهموم وطنه، موضحا أن ما يقلل من الآثار الجانبية للصدام ألا يكون فردياً، فلابد أن يتضامن الجميع فى مواجهة الحاكم. ويشير القعيد إلى مثقفين دفعوا حياتهم وحرياتهم الشخصية ثمنا لرأيهم الذى يصطدم بالسلطة خصوصا فى عالمنا العربى، مثل فنان الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى، الذى مات مقتولاً بسبب رسوماته، وفى العام الماضى تعرض على فرزات لتكسير عظامه من قبل شبيحة بشار الأسد بسبب رسوماته أيضاً التى تتصدى للنظام السورى الغاشم، أيضاً الشاعر مظفر النواب – أطال الله عمره - يعانى الأمرين ويتنقل من بلد إلى آخر بسبب قصائده التى لا تهادن سلطة أو حاكما. ويعتقد أن من يوالى السلطة يصعب أن يطلق عليه مثقف لأنه يفقد ثقة شعبه به، أما المتحولون - فى رأى القعيد - فهم ثلاثة وظهروا فى أثناء ثورة يناير، حيث شاهدنا من كان منهم يتضامن مع نظام مبارك وعند التنحى ذهب للميدان، ثم اتجه لمدح المجلس العسكرى والآن أصبحوا مع سياسة الإخوان المسلمين. وترى الروائية د.سهير المصادفة أنه فى ظل وجود حكام ديكتاتوريين لا يدافعون إلا عن مصالحهم الشخصية، من الطبيعى أن يضطهد المثقف خاصة من يعبر عن مصالح الشعب، لذلك نجد السلطة الحاكمة تتحسس مسدساتها عندما ترى مثقفا يشير إلى أدائها الديكتاتورى. وتضيف، أن الكثير من المثقفين دفعوا أثمانا باهظة لدفاعهم عن حرية الشعب ونقل معاناته فكان استبعادهم من المناصب القيادية نتيجة لتحديهم تلك السلطات ومصادرة أعمالهم ونفيهم خارج أوطانهم، واستبعادهم من الكتابة فى الصحف، بل والزج بهم فى السجون. أما القاص سعيد الكفراوى فيرى أن الصراع بين السلطة الحاكمة والمثقف ليس وليد العقود الماضية بل يمتد إلى قرون طويلة، كان ثمة صراع بين الثقافة والسياسة، فالسياسة دائماً تتجاوز ما يعين الناس على أن يمارسوا حياتهم بحرية، وهنا نتذكر علاقة عبد الناصر بالمثقف الكلام للكفراوى وأيضاً علاقة السادات ومبارك والإخوان المسلمين به، مفسراً ذلك بأن المثقف دائماً يسعى للانتقال بالناس من حالة الضرورة إلى حالة الحرية، بوعى أن البشر دائماً يريدون أن يمارسوا حرية التعبير وينتموا لتنظيمات معارضة تخصهم، ويكتبوا ما يعبر عنهم، وبسبب هذين الموقفين يتم الصدام بين السلطة السياسية والمثقف. كما يرى الكفراوى أن الأمر لا يخلو من مثقفين يعملون فى خدمة النظام السياسى، يرفعون شعاراته ويتحدثون باسمه، ويوجد من يغيب وعى الناس مثلما نرى الآن فى الإعلام وفى الانحياز للسلطة. أما الناقد الأدبى د.عبد المنعم تليمة، فيرى أن الثقافة فى كل مجتمع وكل عصر نقيض للسلطة الحاكمة، لأن الفعل الثقافى فعل نقدى، لافتاً النظر إلى أن الثقافة تبنى على موروثات متواترة لتغير الحاضر الماثل فى اتجاه مستقبل أكثر إنسانية، بينما السلطات الحاكمة تدير المجتمع لفترة محددة وفق برنامج محدود. ويرى أن السلطة عابرة تتشبث بنظر قصير، فهى دائماً ما تجمع اللحظات الثلاث"الماضى والحاضر والمستقبل" فى تاريخ المجتمع، فالحكم فى تناقض أبدى مع الثقافة هذا إذا كان الحكم يتم فى ظروف عادية، أما إذا كان يتم فى ظروف استثنائية يتمثل فيها القمع والبطش فهنا لا يكون الحكم نقيضا للثقافة بل يصير عدواً لها. وحسب رأى د.تليمة فإن المجتمعات العربية عاشت عقوداً هى مرحلة استثنائية فى تاريخنا الحديث، حيث كان شموليا تسلطيا, احتكر إدارة جميع حيوات المجتمع وفى القلب منها الحياة الثقافية، واصطنع البيروقراطية المتخلفة العاجزة، مما جعل أداءه فى الشأن الثقافى يفرض التوجه الواحد، ومعاملة المغايرين والمختلفين بأساليب المحاصرة والمصادرة، غير أن الجماعة الثقافية المصرية استنفرت مخزونها التاريخى من الحس المقاوم. ويوضح أن التاريخ المعاصرشهد مثقفين مصريين يخرجون من بلادهم وهم يحملون همها ومدخرها الثقافى العريق فكان من بينهم العلماء والمفكرون، لكن هناك من هذه الجماعة الثقافية من تقدم إلى السلطات بالولاء التام وساعد فى إقامة دولة الطغيان – والكلام مازال للدكتور تليمة إنهم المتحولون الجاهزون للتجنيد لصالح أى سلطة وأى سلطان، هم فى مجملهم قلة غير مؤثرة فى مجرى التقدم المصرى الذى تتصارع خطاه إلى مستقبل آت لا ريب فيه. ومن ناحيته يقول د.محمد عبد المطلب: إن وقوف السلطة ضد الإبداع موغل فى تاريخ الثقافة العربية، وكلما شعرت السلطة بأن الإبداع يمكن أن يهز مكانتها تدخلت على نحو مباشر أو غير مباشر، موضحا أنه عندما أحست السلطة بأن “الحلاج" هذا المتصوف الأول من الممكن أن يهز مكانتها وسلطتها الدينية، أوعزت إلى بعض الفقهاء بأن يتهموه بالزندقة، والعجيب أن كثيرا من أعلام الشعر العربى انتهت حياتهم بالقتل المباشر من السلطة، لافتا النظر إلى أن هذه الظاهرة كانت حاضرة بشدة فى العصر الجاهلى وأول الشعراء الذين راحوا ضحية السلطة كان طرفة بن العبد الذى تآمرعليه الحاكم آنذاك مما أودى بحياته، وكذلك بشار بن برد وابن الرومى، وعبيد بن الأبرص والمتنبى الشاعر الذى انتهت حياته نهاية كان سببها بيت شعر، والسهروردى الذى أمر القائد صلاح الدين الأيوبى بقتله بتهمة الزندقة. ويشير د.عبد المطلب إلى أن السلطة تستخدم مسارين فى علاقتها بالمثقف: الأول اتباع الشدة والحزم فى مواجهته، والثانى “الخداع"أى احتواء المثقفين وإغداق المكاسب المادية عليهم وكثيرا ما ينخدع البعض ويجارى السلطة، وهذان الأمران تحتكم إليهما السلطة فى كل بلدان العالم العربي. ويعيب الشاعر عبد المنعم رمضان على المثقفين، بأنهم ليسوا جماعة متجانسة، وأن الغالبية منهم تجيد التعامل مع السلطة مهما كانت مستبدة، وظهر هذا بشكل كبير بعد ثورة يناير، لافتاً النظر إلى قدرتهم على تغيير برامجهم للتواؤم مع كل نظام جديد. ويدلل رمضان على قوله بإغفال الجمعية التأسيسية للدستور فى تشكيلها للمثقفين، فهم الذين جنوا على أنفسهم، ويصفهم بأنهم خميرة الفساد فى المجتمع، أما عندما يصطدم المثقف بالسلطة، وهؤلاء قليلون، فلا نجد منهم كثيراً طوال السنوات الأخيرة. ويتعجب رمضان مما فعله المثقفون الذين دعوا إلى الدولة المدنية خلال العشرين سنة الأخيرة من حكم “مبارك"وكانوا سلاحه فى مواجهة التيارات الدينية، وهم أنفسهم الذين حولوا اتجاههم ليتواءموا مع الوضع الجديد وهم أنفسهم من تنكل بهم سلطة الإخوان لأنها لا تصدقهم، الفساد يوجد فى المثقفين البارزين وهم لا يصطدمون مع السلطة فى كل الأزمنة.