تواجه الثقافة والإبداع والفن في مصر حملات شرسة لتكفير وتخوين الكتاب والمثقفين والفنانين واستباحة دمائهم، وذلك في ظل سيطرة افكار جماعات وتيارات الإسلام السياسي على ارادة طبقة البسطاء والاميين رغبة فى التغلغل فى مفاصل الحكم. وما يطغى اليوم على المشهد الثقافي المصري محاولة احتلال منابر المساجد والجوامع والزوايا بغرض تحريض البسطاء والفقراء والعامة على الكتاب والمثقفين والمبدعين والفنانين من خلال تشويه سمعتهم وأعمالهم والنيل من وطنيتهم وإسلامهم، و لا يزال حاضرا في الأذهان اتهام أعمال نجيب محفوظ بالدعوة للفسق والفجور. وقبلها اغتيال فرج فوده والشيخ الذهبى وهو ما دعانا إلى طرح السؤال حول المستقبل المنتظر للثقافة والفن والإبداع في مصر. والواقع أن رهان الثقافة المرتبط بالمتغير السياسي هو ما يجعل الثقافة تابعة للسياسي بينما المفترض العكس، أي أن تكون الثقافة هي رأس الحربة لأي أمة، لكن في ظل ما نشهده من تراجع وتهديدات مباشرة لحرية الكتابة والإبداع، والتي للأسف يقف بعض الكتاب في دعم تلك الأفكار تكون هناك مواجهات حادة ودامية فى ظل التهديدات الداعشية والاخوانية بالوكالة وعلى الكتاب والمثقفين المدافعين عن الحريات بشكل عام قبل حرية الكتابة أن يخوضوا معاركهم من أجل تحرير العقول من ربقة الجهل والتخلف والانقياد لأن تلك رسالتهم، لن يكون هناك طرف للانعزال أو التعالي، فالكل سوف يناله التضليل والتهديد والتكفير، ويكفى ما نراه من قتال سياسي بين تلك الفئات ومن يخالفونهم في التوجهات، فما الوضع والحال هذه مع من يحاولون فك أسر العقل في السمع والطاعة والنقل والتقليد الأعمى دون نقد أو تمحيص. فعن أي ثقافة نتحدث هنا؟فتابعو الاسلام السياسى لا يعرفون إلا هوامش شروح على المتون، والمرء عدو ما يجهل، وإلا فإن الثقافة التراثية مليئة بالعيون فى عصريها الزاهرين الأموي والعباسي، حتى الغزل في الذكر، والغزل الفاحش الذي كتبته نساء، ولخصه" أوليفيه روا" فيما سماه "الجهل المقدس" حين يقول يقول: "إن المتعصب يتعامل مع كل ثقافة بعد النص المؤسس "القرآن أو التوراة أو الإنجيل" على أنها ضلال، حتى لو كانت شروحا له، ويتعامل مع الثقافة الحديثة على أنها إباحية بورنوية، وبالتالي كلما ازداد جهلا كان إيمانه قويا" بعد ذلك لا معنى لأي ثقافة في عرف هؤلاء القوم، هم أعداؤها من المنبع، والحقيقة انه لا جديد فيما يخص الثقافة، فالسلطة والمثقف في صراع دائم، واغتيال المثقفين حدث في عهد مبارك ذي التوجه "الليبرالى" ومن قبله السادات وعبد الناصر ومنذ الأزل، والتيارات الدينية هي دوما أداة كبح حريات الشعوب وترهيبهم لخدمة السلطة، حتى الدولة الصهيونية على ما تتشدق به من ديمقراطية مزعومة تعتمد على سطوة الأحزاب الدينية المتشددة لتمرير ما تشاء من قرارات ومواقف. من المؤكد أن وتيرة القمع والتهديد سوف تشتد، ومن المؤكد أننا سنرى ركابا للموجة، إلا أن ذلك سوف يكون حافزا للمبدع وتحديا ملهما له مهما قصف قلمه"و مستقبل الثقافة والإبداع العربى مهدد في ظل هذا المناخ السياسي المرتبك، بعد اجتياح حواضر الدول العربية ذات الاصول الثقافية التاريخية فى عصورها الذهبيةووصولها بمباركة قوى استعمارية بوجوه ليبرالية مزيفة إلى سدة الحكم، وهجومهم الشديد والشرس على كل ما هو ثقافي وفني، ونعت كل من يختلف معهم بالليبرالي أو العلماني بالاتكاء على ايات واحاديث مجتزئة او غير صحيحة احيانا لخدمة اغراضهم يسوقها بعض شيوخ الارهاب من طالبى الزعامة والمال من ساكنى قطر وكأن هذين المسميين وغيرهما، يضعان من ينعت بهما على أنه ملحد أو كافر والعياذ بالله. والواقع أن المجتمع المصري على مدى تاريخه انقسم على نفسه هذا الانقسام المرعب والمشين، وأن يكون هناك خندقان لا ثالث لهما خندق المسلمين وخندق الكافرين، وكأن من لم ينتم إلى أي من التيارات الدينية يصبح في الخندق الآخر، لقد استطاع نظام فى سنة حكمه الوحيدةأن يضعنا على مشارف حرب أهلية -لا قدر الله- من جراء سياسة الإقصاء والتهميش التي اتبعها هذا النظام الفاشي، الذي لا يعترف مطلقا بالاختلاف في الرأي أو التوجه، بل يسعى سعيا حثيثا الى أن يحول مصرإلى دولة دينية، وهذا عكس ما وعد به الشعب، والدليل على ذلك إصرارجماعته وقتهاعلى تمرير الدستورالمعيب والإقصائي التفصيل، والذي لا يعترف من قريب أو بعيد بالثقافة والمثقفين والمبدعين، بل يعتبرهم مجموعة من المفسدين، من الذين أفسدهم الإبداع فهم يتحدثون في إبداعهم عن أشياء تحرك الغرائز وتحرك الخيال. وهذا من وجهة نظرهم ليس إبداعا بل هو فسق وفجور، لذا أخاف على مستقبل الإبداع والثقافة في العالم العربى ما بقي الحال علي ما هو عليه، فلا مستقبل حقيقيا لشئ، وأظن أننا سوف نحيا فيما يشبه الدولة، علينا أن نتيقن في حال استمرار مثل هذه الجماعات في التحالف على تخريب الدول ولو تآمرت مع المستعمرفى الخفاء،ولو كان الثمن فقد استقلال الدولة ذاتها,فلا مستقبل لشئ طبيعي يضمن حياة أفضل للمصريين، ما أقوله مرده إلي أن رؤية هؤلاء الناس للدولة قائمة علي نوع من التواطؤ بين مجموعة من الأفراد الذين لا يملكون، رؤية لما يمكن أن تكون عليه الدولة ومؤسساتها، فهم فقط لديهم عناوين واكليشيهات براقة وعريضة تسقط في حال اختبارها علي الأرض، والمشكلة الرئيسية تكمن في الوعي الجمعي لهذه الأمة التى انخدعت فى انواع من الخطاب الدينى التحريضى بالشرائط وبعض القنوات الخاصة والموجهة وبعض المساجد خاصة تلك التى ما زالت بعيدا عن قبضة الدولة ومؤسسة الازهر يعتمد أصلا علي المجاز، والكناية، وكثرة التأويل، وبالتالي تجد في الخطاب الواحد الكثير من التبرير، حتى لو كان هذا الخطاب مباشرا، مثل الأمر بقتل المخالف، وتعتمد أيضا علي لعبة المقدس في إنهاء أي خصومة، وإلقاء تهمة ما علي المخالف. ثم إنهم يعتمدون علي النقل في كل شيء. أما الثقافة فإنها تعتمد بالأساس علي الإبداع والابتكار، وكشف المستور عن أعين الناس، والاحتفاء بالحياة، ولا سبيل لنا إلا التجاور، والاختلاف في إطار وحدة كلية تجمعنا، وهى مصر الدولة، ودون نفي، أو تهديد، أو فرض قيم على أي شخص. لمزيد من مقالات ياسر عبيدو