ليست أحداث الثورة هي التي عطلت احتفالنا كما يجب بمئوية نجيب محفوظ، فقد كان المفترض ان تكون الاستعدادات لهذا الاحتفال قد اكتملت قبل الثورة بكثير، وأن تبدأ من يناير وتستمر حتي نهاية العام. كان المفروض ان يكون اليوم ذروة هذا الاحتفال. ان تتزين الجمالية والحسين كما لم تفعل من قبل للاحتفاء بابنها الرائع. ان تعاد طباعة كل أعماله بأسعار رمزية. ان تعرض كل الأفلام التي كتب لها السيناريوهات أو أخذت عن رواياته. ان يكون موسم دار الأوبرا هذا العام احتفالا به.. يقدم الأعمال التي احبها ويستوحي ما كتبه ليقدم الموسيقيون والمسرحيون ابداعاتهم في تحية سيد الرواية العربية. ان يأتي ادباء العالم ليحتفلوا معنا، وأن تفتح القاهرة ذراعيها لتحتضن كل المبدعين العرب في حب هذا المبدع العظيم. لكن شيئا من ذلك لم يحدث، تم تجاهل المناسبة ولم يستعد أحد لها، تماما كما حدث مع طه حسين والعقاد وسلامة موسي وسيد درويش وبيرم التونسي وكل المبدعين والمفكرين الذين أسسوا لنهضة مصر! فقد كنا في ظل نظام عاش لأكثر من ربع قرن في خصام مع الثقافة والابداع الحقيقي. كان من نتيجته ترك الساحة خالية لفكر متخلف أو غريب علي ثقافتنا، يريد الآن ليس فقط أن يسرق ثورة الشعب، بل أيضا أن يخنق الحريات ويقتل روح مصر الحقيقية، ويهدر كل جهود شعب مصر علي مدي السنين من أجل النهضة والتحديث وبناء الدولة التي تبني المستقبل ولا تعود بنا إلي كهوف التخلف والجهالة. لكن شعب مصر العظيم احتفل بمئوية نجيب محفوظ أجمل احتفال. أهلنا في الاسكندرية التي عشقها الاديب العظيم الراحل أسقطوا هذا »الشحات« الذي اراد مصادرة أعمال محفوظ لأنها -بتفكيره المريض- تحض علي الفسق والفجور والالحاد! أهلنا في الاسكندرية منعوا فضيحة أن يدخل من يقول هذا الكلام الجاهل البرلمان بأصواتهم، لكن المعركة لم تنته، بل انها في بدايتها، انها معركة علي روح مصر وعقلها.. هل نتركهما في قبضة الجهل والتخلف؟ وهل نهدر كل تراث النهضة وكل معارك حرية الفكر والابداع، وكل التضحيات من أجل دولة العدل والحرية والمساواة؟! باليقين.. مصر التي انتصرت لنجيب محفوظ الأسبوع الماضي، سوف تنتصر لنفسها في النهاية، وسوف تهزم كل دعاة التخلف وكل خفافيش الظلام!!