ما كل هذه الكوارث والمصائب المتتابعة علينا؟! المصريون يتم قتلهم وسحقهم وجلدهم كل يوم، وأنهار الدم تتدفق بجنون فى حوادث عبثية تتوالى هنا وهناك بلا حساب ولا عقاب لأحد من الجناة! وما كل هذا الإهمال والتسيب والاستهتار الحكومى بحياة الناس وكرامتهم؟! وما هذه اللا مبالاة من المسؤولين فى مصر المحروسة؟! وكيف ينظر المسؤولون إلى حياة المصريين وحقوقهم؟! لقد قدم لنا وزير العدل (!) الإجابة عن جميع الأسئلة السابقة، حين تفضل معاليه بصفع موظف فى وزارة العدل (شوف المفارقة) على وجهه، وصرخ فى من يعملون معه: «إنتوا شوية رعاع وولاد كلب». لا أكاد أصدق أن ينقلب حال البشر بهذا الشكل المؤسف، بعد جلوسهم، لأسابيع معدودة، على مقاعد السلطة! فمن يصدق أن القاضى الجليل أحمد مكى، صاحب التاريخ القضائى المُشرف، وأحد رموز تيار استقلال القضاء فى عصر المخلوع، يتعامل مع من يعملون معه بهذه الطريقة اللا إنسانية؟! فهل ثمة علاقة بين السقوط السياسى، والسقوط الأخلاقى؟! لقد سبق لى أن التقيت أحمد مكى فى نادى القضاة أيام معركة استقلال القضاء الشهيرة، واستمعت إليه كثيرا، وهو يتحدث فى وسائل الإعلام، ولاحظت استشهاداته الدينية، وذِكْره لبعض المواقف العظيمة فى حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، وفى تاريخ الصحابة الكرام، رضى الله عنهم، ومن ثم أتساءل: هل هذا هو ما تعلمناه، يا معالى الوزير، من نبينا الكريم، وسلفنا الصالح؟! إذا ما أردنا يا «أحمد بك» أن نلتزم حقا بروح ديننا الحنيف، فى مثل هذا الموقف المؤسف، فلا بد من القصاص العادل، وعليك أن تتلقى صفعة مماثلة من هذا الموظف الصغير أو السائق الذى توجه إليك بشكواه أو مظلمته، فكان ردك عليه بكل هذه القسوة والتكبر والجبروت، مما يدل على روح جاهلية قديمة، وقد جاء الإسلام لتحرير البشر من هذه النظرة المتخلفة، التى تقسم الناس إلى سادة وعبيد! وأنت تعلم، يا سيادة المستشار الكبير، أن الإسلام يساوى بين البشر جميعا، وأن قيمة الإنسان الحقيقية تنبع من مدى تقواه، وقربه من خالقه، ولا تنبع من أى شىء آخر، كما أنك، ولا بد، تعلم حديث نبينا الأكرم الذى يؤكد فيه أن من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر، مجرد ذرة، فلن يدخل الجنة، فماذا أنت فاعل؟! يمكنك، بالتأكيد، أن تفعل أشياء كثيرة لمعالجة ما حدث، وتداعياته التى لم تكن تتصورها، لأنك نسيت أن ثورة شعبية قامت فى مصر، من أجل حقوق البشر وكرامتهم، ومع ذلك يمكنك تسوية مثل هذا الموضوع (الصغير)، بطرق عديدة، يتم من خلالها ترضية هذا المواطن البسيط، ومن يلتفون حوله، لكن لا يصح لمثلك أن ينسى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فثمة يوم قريب، ولعله قريب جدا للحساب الحقيقى، وللعقاب العادل، بيد من لا تغيب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء، فماذا ستفعل يومئذ يا معالى وزير العدل؟!