«البلد دى فيها ناس عايشة كويس وناس كويس إنها عايشة»، جملة عبقرية توّج بها والساحر والساخر جلال عامر في أحد أعمدته الصحفية قبل أن يواري جسده الطاهر الثَّرى في إسقاط على ما يعانيه المواطن المصري سواء كان عالمًا أو مشهورًا أو شخصية ذات دور مؤثر في مجتمعه وحاضنه الكبير المتمثل في الوطن الذي قالت عنه شيرين عبدالوهاب الشهيرة "بشيرين آه ياليل" "مشربتش من نيلها.. طب جربت تغنيلها"، ليرد المصريون ساخرين" لأ.. مش لم ترحمنا من عنادها معانا" ! «التحرير» ترصد عدد من النماذج المصرية الخالصة الذين قهرتهم الحياة وصرعتهم تحت قدميها قبل أن يكونوا حديث الأمس والحاضر الذي خيّب أمانييهم وأصبح ملاذهم الشارع مشردون ومغيبون عن كلمة وطن الذي قال عنه عامر:" صلوا جميعاً من أجل الوطن قبل أن نصلى جميعاً عليه" فإلى أبطال الوجع نسرد حكاويهم . دكتوراه في الشارع "سامحني يا زمن، فأنا وحيدة من كل ناحية، مفروض أهتم بنفسي، اللي عي ربنا بتمنالها أنها تترحم برحمته، فأنا مش عايزة أي حاجة من الدنيا، علاقتي بربنا مش كويسة، فالوحدة قهرتني وغلبتني، كانت هذه كلمات الدكتور جيهان المكاوي، مواليد 11 يونيو 1939 والتي أبدعت في العديد من الأعمال الروائية منها:مشروع زواج ابريل 1987"، هاوية السحر ابريل 1994"، "أنت تعلم إذن انت حر 1978"، حرية الفرد وحرية الصحافة 1980، والإعلام بين النظرية والتطبيق، والعديد من المؤلفات في المجال الإعلامي إلاّ أن مرض الزهايمر غلبها وما عادت تذكر إلا القليل عن حياتها الماضية التي انفض عنها أهلها ولا تتذكر إلا أن جدران منزلها تحمل شهادات جامعية بالزّي الجامعي تفوح منه رائحة الذكاء والعبقرية. فستان زفاف سبعينية "إيديها تتلف في حرير"، آنسة سبعينية تدعى ليلى صالح محمد، خياطة فساتين عرايس، عرفت نفسها الأنسة ليلي، قالت عن عمرها، عندي ألف سنة، تتخذ من الرصيف مكانًا آمنًا يلوث ملامحها النقية. فهذه الآنسة السبعينية تعدُّ من أقدم وأشهر مصمّمي فساتين الزفاف بالإسكندرية، عملت لدى أتيلية نادية الشيخ منذ كان عمرها بالعشرين، وتقاضت منه راتب قدره 500 جنيه، قالت عنه إنه حلو وقتها، حال مرض أمها لرعيتها الطبية، في أن يطرق على بابها عريس القدر، لذا ودّعت الزوجية واتخذت من طلاق الفرح ورقة مسبّبة حتى لا تفارق والدتها في سنوات العمر الأخيرة، برًا وإبرارًا بها ولها حتى كتبت ورقة زفافها في الشارع بدون فستان الفرح الذي طالما ما برعت في حياكته. وتتخذ ليلى من إذاعة القرآن الكريم عبر الإذاعة المصرية عن سبيلاً لقضاء الوقت في وحدتها القاتلة، ترنو أذنيها إلى السيارات المارة، وتمنى نفسها في قريب أو غريب يسأل عليها أو يساعدها في حياكة أثواب الفرح وإن طال! راحيل .. ورحيل روائي متجمّد ! على صوت مؤذن فجر الخميس الماضي، ودّع الروائي والشاعر والفنان التشكيلي محمد حسين بهنس، 43 عامًا، حياة الأدب والسرد القصصي من الحياة الآنية إلى الحياة الابدية، حيث جاء خبر وفاته صدمة لمثقفي السودان وأصدقائه في مصر، بعدما فارق الحياة متجمّدًا من شدة البرد القارس على أحد أرصفة وسط البلد بالقاهرة. كان بهنس يحيا مشرّدًا بلا مأوى ولا غطاء لينضم إلى قائمة طويلة من المواطنين واللاجئين الذين رحلوا هذا العام موتا من البرد في بلدان العالم العربى. وجاء الروائي السوداني إلى القاهرة منذ أكثر من عامين، ليقيم معرضًا تشكيليًا فى القاهرة، قرر بعدها الإقامة فيها، فعاش فى البداية فى أحد منازل منطقة العتبة، ثم تدهورت أوضاعه المالية ووضعه النفسي، ولم يجد ما يعينه على الإقامة أو العيش فاتخذ من ميدان التحرير سكنًا له وأرصفة وسط القاهرة منصات لإعلان السخط على الوضع السياسى والثقافى والإنساني. الكاتب الذى تتشابه بعض فصول حياته مع حياة المصرى نجيب سرور عاش فى فرنسا 5 سنوات وتزوج من فرنسية وأنجب منها طفلا عام 2005 ثم طلق زوجته، وقامت الحكومة الفرنسية بترحيله بحسب ما ذكر حمور زيادة وبدأت من هنا أزمته النفسية. وعنه يقول الروائي السوداني، حمور زيادة، الحائز على جائزة نجيب محفوظ لعام 2014 عن رواية "شوق الدرويش" إنه فوجئ ببهنس في القاهرة منذ عام، وكان فى وضع يرثى له، يختلف تمامًا عن وضعه الذى رآه عليه في الخرطوم، حيث كان شابًا متعدد المواهب ومليئًا بالطاقة والحيوية والإبداع المتجدد، مضيفًا بأن الراحل أهداه روايته "راحيل" والتي وصفها زيادة بأنها كانت بديعة ورائعة للغاية. سهى الأمير.. و«أعتب عليك أعتب» شوهدت المغنية العراقية "سهى عبد الأمير" تتسول في شوارع العاصمة بغداد ،بحثًا عن لقمة عيش، بعد أن سلبها نظام صدام عقلها في آواخر الثمانينات، وأهملها النظام الحالي فأصبحت مشردة. الصدفة وحدها قادت المخرج الإذاعي فائز جواد عندما شاهد الفنانة الكبيرة في زمانها نائمة في أحد طرقات شوارع منطقة الصالحية ببغداد، فتعرف عليها، قبل أيام وهي في هذا وضع مشين لفنانة بحجمها. حققت سهى العديد من النجاحات في فترة الثمانينات وغنت الكثير من الأغاني المشهورة، وكان أبرزها "أعتب عليك أعتب"، فتركت بصمة وأصبحت اسمًا لامعًا وراحت أغنيتها تتردد، ثم توالت أغانيها، لاسيما أن لهجتها كانت مميزة، وكان من أشهر أغانيها "خلاني حبك حايرة". سهى مطربة فقدت عقلها في زمن النظام السابق، نظام صدام حسين، لأسباب اختلف عليها الكثيرين، ولازالت فاقدة العقل، تجوب الشوارع وتنام على الأرصفة وتأكل من الفضلات والقمامة.