وكأنما عرف أن الزاد لن يكفي الرحلة الطويلة، فلم يقتصد بل كان سخائه في إبراز موهبته أهم ما ميزه خلال مشواره الفني الذي لم يتجاوز 15 عاما، ما بين مسرحيات ومسلسلات وأفلام أجمع فيها الجمهور على موهبته وحضوره الطاغي، ولد خالد صالح في مثل هذا اليوم 23 يناير عام 1964، تخرج من كلية الحقوق وعمل بالمحاماة فترة بسيطة ثم أتجه للتجارة، وبدأ حياته الفنية من خلال مسرح الجامعة ومنه إلى مسرح الهناجر وشكل هو وخالد صاوي ومحمد هنيدي ثلاثيا مسرحيا مميزا في مسارح الهواة، وتفرغ للتمثيل عام 2000. الموهوب عرفته في دور صغير في فيلم "جنة الشياطين" عام 1999، تأليف مصطفى ذكري وإخراج أسامة فوزي، هو الباحث عن المتعة مع العاهرة- الشونة- شوقية- صفوة في دور أصغر من حضوره وإمكانياته بكثير وإن كان من الصعب نسيانه، ولكن المرة الأولي التي أدركت فيها أنني أشاهد ممثل يحترم موهبته ويقدسها ويعمل على صقلها وتطويرها بشكل سريع، كان في فيلم "خلي الدماغ صاحي" عام 2001 تأليف منى الصاوي وإخراج محمد أبو سيف، فهو المواطن المطحون المحب لزوجته، والباحث عن أبسط حقوقه في شقه ليكون له ولزوجته حجرة مستقله بعيدا عن "عفرته " العيال، والمنغمس في تغييب همومه بالمخدارت، وعلى الرغم من كل المأخذ على الفيلم لكن لايمكن أن تخرج منه متناسيا صوت خالد صالح وهو يغنى "على قد الليل ما يطوّل " مع زوجته فوق السطوح . أما تجربته الثانية في نفس العام فكان داخل عالم "رأفت الميهي" الواسع والقادر على إحتواء موهبة بحجم خالد صالح، فجاء فيلم "شرم برم" عام 2001 تأليف وإخراج رأفت الميهي، ورغم أن الفيلم يعد مجهولا للكثير، إلا أن خالد صالح يثبت مرة بعد أخرى أنه الممثل القادر على تطوير موهبته في كل عمل وأن لديه القدرة على التجديد والدخول للشخصية من حيث لا تتوقع. أما عام 2002 فيعد نقطة الإنطلاق الحقيقة لخالد صالح حيث عرفه الجمهور في فيلم "النعامة والطاووس" في التعاون الثاني مع محمد أبو سيف وفيلم "محامي خلع" إخراج محمد ياسين وتأليف وحيد حامد، لتظهر كاريزما خالد صالح كوحش يلتهم من يظهر معه في الكادر مشهد واحد فقط، إستطاع أن يحفر ملامح خالد صالح في أعين جمهور الفيلم، مشهد يعلن عن ميلاد ممثل من ذوات الكاريزما الطاغية والكوميديا الهادئة البسيطة البعيدة عن التكلف أو الإفتعال. ليعاود صالح الظهور في أفلام الموجه الشبابية كما أطلق عليها وقتها، حيث شارك في فيلم "ميدو مشاكل" عام 2003 للمخرج محمد النجار و تأليف أحمد عبد الله، بجوار النجم الصاعد وقتها أحمد حلمي، ليخرج كالعادة مكتسبا مساحة أكبر من الإنتشار لدي الجمهور، لتأتي محطة التألق والبزوغ بعيدا عن الكوميديا ومتأخرة 5 سنوات كاملة منذ مشهده الأول في جنة الشياطين حيث اشترك في فيلم "تيتو" 2004 إخراج طارق العريان وتأليف محمد حفظي و طارق العريان، ليعلن خالد صالح انتهاء مرحلة الإنتشار و البدء في مرحلة تأكيد الوجود. كاريزما يدخل تاجر السعادة في سلسلة أفلام تظهر معدنه الفني النادر، وموهبته المتفجرة ليبدء مشوار تأكيد وجوده كحالة إستثنائية، من فيلم "أحلى الأوقات" عام 2004، مع المخرجة هالة خليل وتأليف وسام سليمان وهالة خليل، فلا يمكن أن تنسى شخصية إبراهيم زوج يسرية الذي يرى أن الكباب أكثر رومانسية من الورد ليعبر عن الزوج المصري العادي بكل تلقائية وبساطة وبعيدا عن التكلف . وتتوالى أعمال خالد صالح الساعي لتأكيد وجوده على الساحة وسط مرحلة شهدت صعود نجوم في عالم السينما، وإختفاء أخرون وتغير في تقنيات العمل الفني في مصر، كما تغيرت الموضه السائدة للأفلام التي تجذب الجمهور ففي 2005 يشارك خالد صالح في أربعة أفلام تنوعت فيها أدواره بين الضابط خفيف الظل في "خالي من الكوليسترول" مع المخرج محمد أبو سيف في اللقاء الثالث بينهم والذي جاء من تأليف عثمان شكري سليم ومحمد أبو سيف، وفيلم "فتح عينيك" إخراج عثمان أبو لبن وتأليف محمد حفظي، وفيلم "ملاكي إسكندرية" إخراج ساندرا نشآت وتأليف محمد حفظي ووائل عبدالله، وفيلم "حرب إيطاليا" إخراج أحمد صالح وتأليف حازم الحديدي. ويستمر خالد صالح في مرحلة الإنتشار وتأكيد التواجد على الساحة في العام التالي 2006 بأربع أفلام ايضا، يبرز خلالها وجه أخرى للمثل متعدد الوجوه وجوانب جديدة من موهبة تثرى نفسها كلما أخذ منها حيث جاء دوره في فيلم "عن العشق والهوى" إخراج كامله أبو ذكري وتأليف تامر حبيب، ليثبت للجميع انه لا يمكن حصر موهبة هذا الفنان في قالب واحد أو نمط معين من الأدور، ليصدمك بعدها بدور " بوبو" في فيلم "1/8 دستة أشرار" مع المخرج رامي إمام و تأليف وائل عبدالله وخالد جلال، ثم فيلم "أحلام حقيقة" مع المخرج محمد جمعة وتأليف محمد دياب وفيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية علاء الأسواني وإخراج مروان حامد و سيناريو وحوار وحيد حامد، ليدخل بعدها خالد صالح مرحلة أخري غاية في الأهمية وهي مدرسة "جو" . في حضرة الأستاذ يعود يوسف شاهين للسينما بعد توقف دام ثلاثة سنوات بعد فيلمه "إسكندرية نيويورك" ليجد أن الساحة الفنية مليئة بالنجوم فلا تخطئ عينه الفاحصة الباحثة عن الموهبة المميزة والمختلفة رؤية هذا الفنان ذو الأوجه المتعدده " خالد صالح " فجاء به إلى فيلمه الجديد "هي فوضى" لتكون أول بطولة مطلقة لخالد صالح مع يوسف شاهين، وليكون خالد صالح أحد الفنانين القلائل الذين لم يتأثروا بطريقة "جو" في الحديث ليمثل خالد صالح دور أمين الشرطة "حاتم" دون ان يتأثر بشاهين لينضم لنجوم بقامة توفيق الدقن ومحمود المليجي وحسين رياض وزكي رستم وفريد شوقي الذين عملوا مع شاهين ولم يتأثروا به مثلما تأثر الأخرون، ليثبت خالد صالح مرة أخرى أنه استثناء خاص في السينما المصرية. ليخرج صالح من مدرسة شاهين نجما وممثلا قادرا على أداء الأدوار الصعبة والمعقدة و يتجلي هذا في دور "عمر حرب" في فيلم "الريس عمر حرب" 2008 إخراج خالد يوسف و تأليف هاني فوزي، ومن محطة لأخري يؤكد خالد صالح استثنائيته كممثل قادر على تطوير موهبته في كل شخصية يلعبها ليقدم "إبن القنصل" 2010 و"كف القمر" 2011 و"المصلحة" 2012 و"الحرامي والعبيط" 2013 و"فبراير الأسود" 2013 و الذي يعد فيلمه الأخير الذي شاهد عرضه ورد فعل الجمهور حيث وافته المنية قبل أن يشاهد أخر أفلامه الجزيرة 2 ، والذي أعتبره مع الأسف أسوء أدواره على الإطلاق. وعلى الرغم من تألقه السينمائي وتأخر النجومية بعض الشئ في السينما كان لخالد صالح حظ أفضل مع الدراما التلفزيونية، حيث شارك في العديد من المسلسلات مثل دور فرج خنزيرة في مسلسل "أحلام عادية" مع النجمه يسرا، قبل ان يحصل على أول بطولة مطلقة له في 2007 في مسلسل "سلطان الغرام" ليتبعها بعدد من الأعمال الدرامية المتميزه كمسلسل "بعد الفراق" 2008 و مسلسل "تاجر السعادة" 2009 و"موعد مع الوحوش" 2010 و "الريان" 2011 و"9 جامعة الدول" 2012 و"فرعون" 2013، و"حلاوة الروح" 2014. ودعنا خالد صالح في 25 سبتمبر 2014 بعد مسيرة فنية دامت حوال 15 عاما كان فيها ممثلا إستثنائيا بكافة المقاييس وموهبة غير عادية جعلته واحد من نجوم الصف الأول في زمن اختلت فيه موازين النجومية وتغيرت فيه التركبيبة السينمائية كثيرا.