تترك بصماتها في كل بيت وشارع، تُلهبهما أحيانًا وتؤسلمهما أخرى، للمرأة دور في مسيرتها، فالنساء يرعين جماعة تُنهك قوى السلطات في السيطرة عليها، يُعلمن الأطفال مبادئ الجماعة وقيمها، يُجرين الاتصالات وينظمن المسيرات ويلعبن دورًا واضحًا في السياسة. وانزوت الجماعة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو عام 2013، وشنّت السلطات حملة ضدها، وأعلنتها جماعة إرهابية محظورة واعتقلت بعض أعضائها. وتصدرت النساء المشهد بعد وجود معظم قيادات الجماعة إما في السجون أو في المنفى، عشن طويلا في كنف هذه الجماعة، طليعة المشهد لخوض معركتها من أجل البقاء. ودأبت نساء الجماعة، منذ زمن طويل، على التركيز في القيام بدور مساعد في مجالات التعليم والعمل الاجتماعي، إلا إن تجربة الأشهر السبعة عشر الأخيرة أيًا كانت مرارتها، شبّعت هؤلاء الأخوات المسلمات، مثلما تسميهن الجماعة، بجرعة جديدة من الثقة. ويبدو من غير الواضح المدى، الذي يُمكن أن يذهبن إليه، لكن بالنسبة إلى الكثيرات منهن، لا للتقهقر، وخاصة داخل حركة تُهيمن عليها المفاهيم المحافظة للمجتمع الأبوي الذكوري. وقالت هبة، إحدى الأخوات المسلمات في مدينة الإسكندرية، "إحنا خلاص التجربة أثبتت إني أنا أخوض وأغلط وأصلح غلطي أحسن من إني أقف بعيدة اتفرج"، مضيفة: "مش هيكون فيه بالتأكيد تراجع". ودفعت بعد مرور ثمانية عقود على ذلك بهن إلى غمار الانتخابات البرلمانية، وشغلت إحداهن وهي باكينام الشرقاوي، منصب مستشارة للرئيس السابق مرسي خلال العام الذي قضاه في السلطة. ولم تنل أي من الأخوات المسلمات قط عضوية أعلى كوادر الجماعة، مكتب الارشاد، لكنهن يُساهمن في الانتخابات الداخلية للجماعة على المستوى المحلي، رغم منعهن من خوض انتخابات مجلس شورى الجماعة، وهو الهيئة المنوط بها وضع سياسات الجماعة، أو الإدلاء بأصواتهن فيها. وتقول أخوات مسلمات في الجماعة، إن ذلك قد يتغير لأن قيادات الجماعة، التي انفصلت عن قاعدتها الجماهيرية، تعول بشكل متزايد على النسوة والشباب بوصفهم همزة الوصل لها مع المجتمع. وتقول وفاء حفني حفيدة البنا وصاحبة الصوت المؤثر داخل الحركة، "عملوا الكيان ده، اللي هو من الستات، وبقوا يقعدوا مباشرة مع مسؤول الستات في مكتب الإرشاد، وهذا أصبح موجودا بهذه الطريقة بحيث يبقى وسيلة الوصل بين القاعدة والقمة". وتضاءلت الاحتجاجات مع تزايد حملات الاعتقال، إلا إن النسوة يتصدرن المشهد الآن، وقالت وفاء حفني إنه في ثلاث مناطق بالقاهرة نُمارس تجربة كي تضطلع النسوة بتنظيم الاحتجاجات "من الألف إلى الياء". وأتاحت ضرورة التنظيم على المستوى المحلي، بغية تجنب الاعتقال، مستوى لم يسبق له مثيل من اللامركزية في الهيكل التنظيمي للجماعة، مما يمنح النساء والشباب من أعضاء الجماعة قدرًا أكبر من الحرية للحركة. وقالت إحدى الأخوات المسلمات في الاسكندرية، غاب معظم الرجال لذا فإنه دون النساء فلن توجد احتجاجات، إنها الحقيقة ولقد اعترفوا بها عدة مرات، يقولون إنه دون وجودنا فإن الأمر لن يجدي". النساء طريق التغيير غير المنقطع وقامت النساء سابقًا بدور أساسي في إبقاء جماعة الإخوان المسلمين على قيد الحياة، أثناء جولة سابقة من القمع في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لكنهن تراجعن إلى الظل بعدما خفت حدة الضغط. وقال خليل العناني، وهو خبير في الجماعات الإسلامية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، إن البروز المتنامي للمرأة مسألة مهمة، لكنه ليس من الواضح ما إذا كان يمكن أن تحدث أي تطور في التسلسل الهرمي داخل الجماعة. وأضاف العناني، دور المرأة كان مدفوعًا بأزمة وليس بتغيير فكري، لكن يمكن لذلك أن يؤدي إلى تغييرات في المستقبل، وتابع، "الإخوان المسلمون في فترة انتقالية". وتقول الأخوات إن دورهن يتطور بالفعل، وتُنتخب المرأة الآن لتقود الأسر النسائية، وهي مجموعات محلية تُمثل لبنات البناء للجماعة، وفي السابق كانت زوجات زعماء الأسر يعملن كنائبات غير رسميات بخصوص المرأة. وتُنتخب في بعض المناطق نساءا لقيادة شُعب المرأة، وكل شعبة منها مسؤولة عن عشرات الأسر رغم إن المرأة ما زالت تركز على تعليم الفتيات كيف يُصبحن زوجات وأمهات صالحات وسفيرات للإخوان المسلمون في المجتمع. ويقول البعض إن التحركات كانت جارية على قدم وساق لانضمام المرأة إلى مجلس الشورى قبل أن تدفع حملة القمع الجماعة إلى تركيز جهودها على مجرد البقاء على قيد الحياة وستواصل المرأة لاحقًا الضغط من أجل مزيد من السلطة. وتقول أستاذة اللغة الانجليزية ومسؤولة شعبة وفاء حفني، يوجد أمران تصر عليهما المرأة على مستوى الجماعة، وهما أن تُمثل بقوة في الشورى ومكتب الإرشاد. وما زالت الانقسامات قوية بشأن ما إن كان يمكن للمرأة أن تقود الرجال أو أن تتولى منصب المرشد العام نفسه، وحتى النسوة اللواتي يُردن الإصلاح ويعتبرن أن دورهن كزوجات وأمهات له الأولوية. وتصف شيماء وهي تجلس في مكتب زوجها في الإسكندرية، كيف تغيرت حياتها منذ إلقاء القبض على زوجها المحامي الحقوقي خلف بيومي في سبتمبر 2013 وابنها البالغ من العمر 16 عامًا وشقيق بعد ذلك بخمسة أشهر. ودرست شيماء القانون لكنها تخلت عن ممارسة المحاماة لترعى أسرتها، وتتولى الآن عبء متابعة قضايا زوجها، وهي العائل الرئيسي للأسرة وترعى أيضا ابنيها الأصغر وتتولى القيام بزيارات للسجن وتقديم المساعدة القانونية. وقالت، "المرأة فقدت دورها كإمرأة، ونساء التيار الإسلامي كانوا غالبًا ما بيفكروش بالعمل، ومعظم أفكارهم كانت في تربية الأولاد أو البيت أو العمل الدعوي، وأضافت أنها مثال لكثيرات".