60 يومًا وبضمان ترامب.. تفاصيل المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة    رئيس وزراء اليابان يحذر من التوتر بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهة الاتحاد ضد القادسية في نهائي كأس الملك السعودي    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2025 بالاسم في محافظة الفيوم    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    الإفتاء: الأضحية المعيبة لا تُجزئُ عن المضحي    لتغيير مفهوم رحلة اليوم الواحد، تفاصيل إقامة معارض أثرية في روسيا    حاسوب فائق سمي تيمنا بعالمة الكيمياء جينيفر دودنا يعزز الذكاء الاصطناعي    اليوم.. الأوقاف تفتتح 20 مسجداً جديداً بالمحافظات    «مكتب شكاوى المرأة».. مأساة «سمر» تتحول لقصة فيلم مُلهم لضحايا العنف    العجالي قائم ب 190 جنيها.. أسعار الأضاحي 2025 في أسواق الشرقية    قناة عبرية: ترامب أمر بوقف التعاون العسكري مع إسرائيل (تفاصيل)    «الجينوم الرياضي».. أولى الخطوات العلمية والعملية نحو مربع الدول العظمى    فوائد الزنجبيل، لتقوية المناعة وصحة الدماغ وجمال البشرة    هيشتغل إلى 2.30 صباحا، تعديل تشغيل قطار العاصمة الكهربائي اليوم بسبب حفل ضخم بالنهر الأخضر    كان نايم.. مصرع شاب دهسًا بسيارة والده في العاشر من رمضان    إمام عاشور يوجه رسالة ل حسام حسن    ياسر إبراهيم يسخر من احتفالات بيراميدز بالدوري    "قبل ريفيرو".. ماذا قدم المدربين الإسبان مع النادي الأهلي؟    مدحت العدل يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن شكوى جمعية المؤلفين.. ما علاقة حسين الجسمي؟    إنييستا: إنريكي موهوب.. وإنتر يمتلك لاعبين كبار    «قرار الأهلي».. رد مفاجئ من سيد عبدالحفيظ على مزاعم بيع زيزو    منصات إطلاق صواريخ وقذائف.. إسرائيل تقصف مواقع عسكرية ل حزب الله اللبناني    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    مصرع تلميذ صعقاً بالكهرباء أثناء تشغيله التليفزيون بمنزله في سوهاج    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    الحوثيون يعلنون مهاجمة مطار بن جوريون وسط إسرائيل بصاروخ فرط صوتي    عيار 21 يسجل رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة بعد الانخفاض    «بنتلي» تشوق لنسخة جديدة من بنتايجا عالية الأداء مع وضع الانجراف    حزب "الجبهة الوطنية" يطلق مؤتمرًا موسعًا لريادة الأعمال في بورسعيد    ديوان عام محافظة الجيزة يعلن توفر عدد من الوظائف    مصرع شاب في انقلاب سيارة على طريق أسيوط – الوادي الجديد    «الأرصاد» تكشف عن طقس اليوم الجمعة.. والعظمى في القاهرة 32    موعد أذان الفجر اليوم الجمعة ثالث أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    بالأسماء، وزير البترول يصدر حركة تكليفات وتنقلات لبعض رؤساء شركات القطاع    رئيس "حماية المستهلك": 550 موظفا بالجهاز لخدمة 110 ملايين مواطن    أوروبا تضغط على إسرائيل لوقف مجازر غزة    ريا أبي راشد: مسرحية «ريا وسكينة» سبب تسميتي بهذا الاسم (فيديو)    إمام عاشور: زيزو هنأني بعد الفوز بالدوري.. وهذه رسالتي لميسي قبل كأس العالم للأندية    هل يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وأيام قضاء رمضان؟    "الإفتاء توضح" بعد الجدل الدائر.. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟    أسامة كمال: 600 يوم من الإجرام الإسرائيلي وغزة لا تزال تتنفس وتكتب التاريخ بالدم    روسيا تتهم حليفتها صربيا بالخيانة لتوريدها الأسلحة إلى أوكرانيا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 30 مايو 2025    بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر رسميًا    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    "مصر الخير" تطلق جائزة ريادة العطاء 2025 لمحور المياه النظيفة    والدة إبراهيم شيكا: "عايزة كل قرش في ورث ابني ومراته بصمته في المستشفى"    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    شيكابالا يكشف تفاصيل أزمته مع حسن شحاتة    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موكب الفلاحين
نشر في التحرير يوم 12 - 11 - 2014

عندما كنت طبيبا صغيرا فى ريف المنيا كنت أستيقظ فجرا، أقف أحيانا فى شرفة الوحدة الصحية على أطراف البلدة، أشم أنفاس الصباح الندية، حيث السكون بلا حد والأرض راقدة تحت طبقة من الندى الشفيف، ثم يبدأ موكبهم الصباحى فى الزحف، طابور طويل من فلاحى القرية ونسائهم وعيالهم وحيواناتهم، يسيرون جميعا من القرية الهاجعة تحت النخيل، يتجهون إلى الأرض التى تنتظرهم، يسيرون فى صمت مهيب جدير بالمهمة التى يسعون إليها، مهمة الغرس والزرع، هكذا يبدأ كل يوم من أيام التقويم المصرى مبكرا لأن هذا هو الوقت المناسب لغرس البذور حين تكون أرحام الأرض طرية مهيأة للإخصاب، وهو وقت الرى لتهبط المياه الباردة على جذور الزرع المستكينة دون أن تحرقها، هذا هو الوقت الذى وهب الحياة لهذا الوادى على مدى آلاف السنين، موكب صغير وصامت يكسوه البؤس أحيانا ويحركه الجوع غالبا، ولكنه كان دائما وسيظل أهم من طوابير جيوش الفاتحين، ومن استقبالات الملوك والرؤساء، فالفلاحون هم مادة البعث الأول، ينهضون بعد كل وباء فيدفنون موتاهم، ويبقون رغم كل فيضان ليحرثوا أرضهم، ويصمدون بعد كل غزو ليضمدوا جراحهم. دامت مصر وبقيت لأن الفلاح ظل محافظا على جذوة الحياة بداخلها، يلعب مع القدر والطبيعة لعبة الموات والبعث.
لكنه الآن لا يعيش فى أفضل أيامه، وربما كان يعيش أسوأها على الإطلاق منذ عهد الفراعنة، فهو محاصر، مهدد بالإفلاس من جهة، ومن تبوير أرضه من جهة أخرى، ويوشك أن يهجر أرضه ومهنته، ولحظتها لن يجوع وحده، ولكننا سنجوع جميعا معه، فهو السند الرئيسى فى تلك الظروف الصعبة، ولو تخلى عنا فلن يقف أحد بجانبنا، ولكنه يقاسى كثيرا بسبب السياسات الحكومية المتضاربة، ومن الأخطاء التى تُرتكب فى حقه، فالمسؤولون يخدعونه دون رحمة، ويوجهون إليه ضربات تجعل حياته صعبة، فبعد أيام قليلة من الاحتفال بهذا العيد الوهمى المسمى عيد الفلاح، ورغم وعود أكبر المسؤولين بتحسين ظروف حياته، فوجئ بزيادة سعر الأسمدة إلى 33% فوق سعرها المرتفع أصلا، لم يبالِ أحد بشكواه من ارتفاع سعر الأسمدة، وكيف أنها تتسلل من الجمعيات الزراعية لتباع فى السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وبدلا من أن تدعمه الحكومة وتساعده فوجئ بها تتحالف ضده مع أصحاب المصانع وحفنة من التجار الجشعين تحت شعار خادع أنها تعمل من أجل توفرها دوما.
وقبل أن ترتفع الأسمدة ارتفعت أسعار السولار وأصبحت إدارة ماكينات الرى عملية باهظة الثمن، ووسط التهليل الذى صاحب رفع الدعم عن المحروقات والشماتة فى أصحاب السيارات التى تنهب أسفلت المدن، ولم يتذكر أحد ماكينات الفلاحين التى يجب أن تدور قبل أن يموت الزرع عطشا.
وقبلها كان وزير الزراعة الأسبق، وقد ابتلانا الله حقا بسلسلة مخزية من وزراء الزراعة، قد طالب الفلاحين بزيادة زراعات القطن الطويل التيلة الذى كان العالم يتهافت عليه قديما، وذلك حتى يصدره ويستورد بدلا منه القطن القصير التيلة الذى تستخدمه معظم المغازل المصرية. وأطاع الفلاحون أحلام الوزير، رغم أن القطن من الزراعات المكلفة والتى تجهد الأرض، ولكن الوزير فقد منصبه فجأة لسبب غير معلوم، وجاء وزير آخر ليسحب وعود الذى سبقه ويترك القطن مثل مقلب ساخن ليشربه الفلاحون. خدعة حكومية أخرى كلفتهم غاليا، حتى إن البعض منهم أحرق الجَمْعة الرابعة للقطن وهى ما زالت فى الأرض.
وقبلها أيضا تلقى الفلاحون أكثر من وعد حكومى بأن يتم إسقاط الديون الموجودة على صغار المزارعين حتى يتحرروا من عبء فوائدها، وحتى الآن لا يبدو أن هذا الأمر قد تحقق، وما زال هناك نحو 300 ألف فلاح يعانون جميعا من كابوس الحجز على أرضهم لحساب بنك التسليف. وقبل ذلك ودائما، هناك مشكلات البذور التالفة التى تفرض عليه وتفسد زراعته، الكيماويات والمبيدات المسرطنة التى تسمم أولاده وبهائمه دون أن تؤثر على الآفات، فى مقابل ذلك فكل دعم كان يقدم إليه كان يضيع، يتبخر وسط دهاليز الفساد الحكومى، فالفلاح محاصَر بعدة كيانات وهمية تدّعى أنها تحميه وتدافع عن مصالحه ولكنها لا تفعل أكثر من أنها تستغله، هناك اتحاد تعاونى مركزى يمثل أكثر من ستة آلاف جمعية زراعية، لا يفعل شيئا غير أن يتقاضى منهم الرسوم، ويحوّلها إلى بدلات وحوافز لموظفيه مكافأة لهم على إصدار القرارات الخاطئة، ماذا كان يمكن أن يفعل بهم المماليك أكثر من هذا؟
ملكية الفلاح للأرض هى مجرد ملكية اعتبارية، فهو يزرع من أجل الآخرين، وكلما زادت غَلَّته كان هذا فى صالحنا نحن، لأن محصوله سريع التلف ولا يستطيع أن يخزّن منه إلا القدر اليسير وعليه أن يبادر ببيعه سريعا، والأسعار التى يبيع بها متدنية دوما لأن فارق الأسعار الضخم يذهب إلى جيوب التجار، وكل قرش يكسبه يعيد استثماره مرة أخرى داخل البلد، عليه أن يعمل حتى آخر لحظة من عمره لأنه لا يملك معاشا، وأن يموت واقفا على قدميه لأنه لا يملك تأمينا صحيا، الفلاح المصرى على وشك الانقراض، وإذا لم تتدخل الدولة لإنقاذه وتكفّ عن إيذائه فسوف نفقد الظهر الذى نرتكن إليه، سنفقد خط دفاعنا الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.