رئيس وزراء اليونان يلتقي محمود عباس في رام الله ويؤكد دعم بلاده لغزة    الرئيس السيسي يبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وتنزانيا    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    السيسي: مستعدون لدفع المزيد من الاستثمارات المصرية إلى السوق التنزانية    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    جنوب أفريقيا ضد أنغولا.. فوز مثير للبافانا بافانا في الكان    نجوم الفن يشاطرون أحمد الفيشاوي حزنه في عزاء الفنانة الراحلة سمية الألفي    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    فيديو.. الصحة مستشهدة بالتعريف العالمي: لا يوجد نقص في أدوية علاج البرد    مصلحة الضرائب تكشف تفاصيل الحزمة الجديدة من التسهيلات الضريبية    توني يقود هجوم الأهلي ضد الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة    السيسي يشيد بتطور العلاقات المصرية التنزانية والحرص على تعزيز التشاور السياسي    أية عنتر تُدير مباراة مسار أمام وادى دجلة غدا فى دورى الكرة النسائية    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    السيسي يهنىء رئيسة تنزانيا بمناسبة فوزها لولاية ثانية    إيهاب هيكل: خريجو كليات أطباء الأسنان مش لاقيين شغل (فيديو)    رئيس جهاز مستقبل مصر يوجه الشركات المنفذة للدلتا الجديدة بسرعة تنفيذ الأعمال    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    آيتن عامر تعتذر عن استكمال "حق ضايع" قبل بدء التصوير    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ضمن أفضل الجامعات العربية في تصنيف 2025    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    رمضان عبدالمعز: احذر دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    كأس أمم أفريقيا 2025.. تعرف على تشكيل زامبيا لمواجهة مالى    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    تشكيل مجلس إدارة غرفة الرعاية الصحية فى اتحاد الصناعات    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    «لأول مرة ببني سويف الأهلية» إجراء أول امتحان إلكتروني تطبيقي لطلاب جيولوجيا البترول    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    عاجل- مدبولي: توجيهات رئاسية بالإسراع في تطبيق المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل وضم أكبر عدد من المحافظات    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    روائح رمضان تقترب    كامل الوزير يلتقى وزير التجارة والصناعة فى عمان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    أكسيوس: لا توجد مؤشرات حتى الآن على هجوم إيرانى وشيك ضد إسرائيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلاح المصرى.. أبرز ضحايا الانفتاح والخصخصة
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 10 - 2010

الفلاح يعانى إهمال الحكومة وسجون بنك التسليف ولعبة الأسعار فى الأسمدة والمحاصيل ثلاثة محاصيل دمرتها الدولة .. القطن والقمح والأرز .. ولا عزاء للمزارعين زراعة فدان القطن تتكلف 8 آلاف جنيه ما بين الإيجار والأسمدة.. فماذا يبقى للفلاح بعد ذلك؟
مافيا استيراد القمح وصفقات الكويز ومصدَّرو الأرز أفسدوا منظومة الزراعة
لابد أن نعترف بأن الحكومة الذكية أهملت شئون الفلاح المصرى سنوات طويلة بل إنها جارت على كل حقوقه بما فيها أرضه وزراعاته وجعلته «ملطشة» ما بين أسعار السماد التى ترتفع كل يوم وأسعار المحاصيل التى رفضت أن تشتريها وبنك التسليف الزراعى وهو معقل من معاقل التنكيل بالفلاح المصرى..
لم يتعرض الفلاح لمثل هذه الهجمات الساحقة الماحقة منذ عهد المماليك والجباية وأعمال السخرة فى حفر قناة السويس.. ومن يشاهد الآن الفلاح المصرى وهو يعيش أسوأ أيامه يكتشف أن الحكومة الذكية كان ينقصها الكثير من العدل والقليل من الرحمة حتى لا يصل حال الفلاح المصرى إلى ما وصل إليه الآن.
إن أسوأ ما فى هذه الصورة القاتمة أن الفلاح كان دائما يمثل الحائط المائل فى تاريخ السلم الاجتماعى فى مصر المحروسة.. إنه الأجير فى عهود المماليك.. وهو السخرة فى تاريخ الأسرة العلوية خاصة عشرات الآلاف الذين ماتوا تحت سياط الفرنسيين فى حفر قناة السويس ومشانق الإنجليز فى دنشواى.
كان الفلاح المصرى دائما هو الوسيلة المضمونة فى نظام الجباية سواء كانت ضرائب عينية فى صورة محاصيل أو مادية فى صورة نقود.. وعاش الفلاح المصرى مشتتا ما بين سياط المماليك وخراج العثمانيين ونهب الإنجليز.. فى كل عصر من هذه العصور كان الفلاح وسيلة من الوسائل التى توفر سلعة أو تدفع الضرائب.
كان الفلاح المصرى يزرع القطن لكى تعمل مصانع الغزل والنسيج فى لانكشير فى إنجلترا ويزرع القمح ليأكل أباطرة المماليك فى قصورهم وفى كل الحالات كان الظلم قدرا مرسوما على وجه الفلاح المصرى عشرات بل مئات السنين.. ولم يكن هذا الكائن المظلوم يملك شيئا من تراب هذا الوطن غير بيوت من طين كثيرا ما تهاوت تحت أمطار الشتاء أو السيول..
وكان موسم الفيضان قبل بناء السد العالى أكبر تهديد لحياة الفلاح المصرى فى بيته وأرضه ومحصوله ومواشيه.. كانت هذه هى الصورة القاتمة التى عاش عليها الفلاح فى ظل الإقطاع الذى كان يملك كل أراضى مصر الزراعية وقامت ثورة يوليو وأفاق الفلاح على زمن جديد واستطاعت الثورة فى سنوات قليلة مع بدايتها أن تنتشل الفلاح من فقره وتخلفه وجموده وصدرت قوانين الإصلاح الزراعى ومهما كانت سلبيات التجربة وعواقبها بعد ذلك إلا أنها ساهمت فى خروج الفلاح المصرى من هذا النفق المظلم الذى عاش فيه سنوات عمره.
امتلك الفلاح جزءا من الأرض.. وبدأ يظهر على خريطة المجتمع ويتقدم الصفوف وأصبح له ممثلون حقيقيون وليسوا مزورين فى مجلس الشعب ومع مجانية التعليم تقدم أبناء الفلاحين الصفوف وأصبحوا من قادة المجتمع ما بين أساتذة فى الجامعات وقضاة ومحامين ومهندسين وعلماء وكتاب وشعراء وفنانين.
ودخلت هذه الأجيال الجديدة وصعدت السلم الاجتماعى وأصبح منهم الوزراء وكبار رجال الدولة.. وتغيرت أحوال الفلاح المصرى فى بيته وحياته وأسرته وأصبح صاحب دور ومسئولية ورسالة ولكن الحلم لم يدم طويلا فسرعان ما هبطت على رأس الفلاح مواكب الانفتاح وتغيرت الأحوال ووجد الفلاح نفسه يتراجع فى منظومة المجتمع فلا هو بقى صاحب الأرض ولا هو عاد إلى مواكب الأجراء.. وإذا كان الفلاح قد استطاع أن يمتص صدمة الانفتاح ويسلم أمره لله أمام أبناء الطبقة الجديدة إلا أنه انهار تماما أمام صدمات الخصخصة حيث، تغيرت موازين كل شىء ولعل هذا هو آخر ما وصل إليه الفلاح المصرى مع الحكومة الذكية حيث لا استقرار ولا اهتمام ولا رعاية.
لقد تركت الحكومة بنك التسليف الزراعى هذا الشبح المخيف، يحاصر الفلاحين من كل جانب فمن تأخر فى السداد دخل السجون ومن لم يتأخر وجد تلالا من الفوائد التى لا تعرف لها أولا من آخر.. وكانت صفحة الفلاحين مع بنك التسليف واحدة من أسوأ صفحات التعامل بين الحكومة والفلاح.
أغلقت الحكومة الجمعيات التعاونية الزراعية وحررت أسعار كل شىء ابتداء بالأسمدة وانتهاء بالبذور والمبيدات.. ووجد الفلاح نفسه أمام تقلبات غريبة لقد ارتفعت أسعار الأسمدة بنسب تزيد على 500% وما كان سعره عشرة جنيهات أصبح سعره مائة جنيه وبعد أن كانت الجمعيات التعاونية تقدم الدعم للفلاح تحولت إلى مؤسسات للجباية.
وضعت الحكومة سياسة غريبة ومريبة لتسعير المحاصيل الزراعية وتحديد المساحات المنزرعة فإذا أراد الفلاح أن يزرع القمح طالبته بزراعة القطن وإذا أراد زراعة الأرز قالت له ان الماء لا يكفى.. وفى الوقت الذى كانت فيه المنتجعات والفيللات ومساحات الجولف الخضراء تستهلك المياه بكميات مهولة كانت الحكومة تعاقب الفلاح إذا زرع الأرز.
حدث هذا رغم أن الأرز يمثل الغذاء الرئيسى للفلاح المصرى.. إن كل بيت فى ريف مصر يحرص على توفير احتياجاته من الأرز طوال العام ولعل السبب فى ذلك أن الأرز هو الطعام المفضل على كل مائدة مصرية.
ودخلت الحكومة فى صراع مع الفلاحين بسبب زراعة الأرز.
لم تكتف الحكومة بما فعلت ولكنها كانت دائما تبخل على الفلاح بحقوقه وهى تشترى المحاصيل الزراعية بنصف ثمنها.. وقد حدث ذلك مع المحاصيل الرئيسية التى ينتجها الفلاح المصرى.
كانت الأزمة الأولى بين الفلاح والحكومة هى أزمة القمح.. أن مصر لا تنتج ما يكفيها من القمح ولهذا تستورد سنويا 8.5 مليون طن لتغطية الاستهلاك المحلى.. ومنذ ثلاثة أعوام ارتفعت أسعار القمح العالمية وهرولت الحكومة إلى الفلاحين وقررت زيادة أسعار القمح لكى تشجع الفلاحين على زراعته. وبالفعل زادت مساحة الاراضى المزروعة قمحا وتجاوزت مصر الأزمة وتم توفير الكميات اللازمة للاستهلاك.
ولكن سرعان ما انخفض سعر القمح عالميا وهنا عادت ريما إلى عادتها القديمة ورفضت الحكومة تسلم القمح من الفلاحين وخفضت الأسعار وساءت العلاقة مرة أخرى بين الفلاح والحكومة فقد تراجعت مساحات زراعة القمح واتجه الفلاح إلى زراعة محاصيل أخرى.. ولم يدم شهر العسل على الحكومة طويلا فقد تسببت الحرائق فى روسيا فى وقف تصدير القمح.. وأغرقت الفيضانات المحاصيل الزراعية فى باكستان مما جعل الحكومة توقف تصديره للخارج وكانت السيول فى باكستان سببا فى تدمير أكثر من 500 ألف فدان من القمح و200 ألف فدان من الأرز و700 ألف فدان من القطن، وأمام نص الإنتاج العالمى هرولت حكومتنا الرشيدة إلى الفلاح مرة أخرى تطلب الصفح والغفران وتسليم ما لديه من محصول القمح.
لم يكن القمح هو الضحية الوحيدة فى سلسلة ضحايا الزراعة المصرية لقد كان القطن من أهم المحاصيل التى تعرضت لأزمات كثيرة.. كان القطن فى يوم من الأيام تاج الزراعة المصرية وكان يتمتع بسمعة دولية فى الأسواق خاصة القطن طويل التيلة ولا ينتجه فى العالم غير مصر وأمريكا هذا بجانب أنواع أخرى قصيرة ومتوسطة التيلة.. لقد أهملت الحكومات المتعاقبة محصول القطن وتراجع فى قائمة الصادرات المصرية واستوردت الحكومة أنواعا سيئة من البذور منها الأحمر والأصفر وكانت جميعها تجارب فاشلة.. ولم يكن غريبا أن يهرب الفلاح المصرى من زراعة القطن فلم يعد هذا المحصول يغريه فى شىء.. إن أسعاره لا تغطى تكاليف زراعته كما أن الحكومة شجعت المصانع لاستيراد أنواع رخيصة من القطن.. وفى إطار اتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل فإن مصانع المنسوجات المصرية كانت تستورد القطن من الخارج لأن أسعاره أقل من القطن المحلى.. وانخفضت مساحات القطن من مليون فدان إلى 300 ألف فدان فى السنوات الأخيرة.. وفى حالات كثيرة بقى محصول القطن فى بيوت الفلاحين بعد أن رفضت الحكومة أن تشتريه الموسم التالى.
وللأسف الشديد أن ما حدث للقمح حدث للقطن فقد ارتفعت أسعاره هذا العام بنسبة 100% ووصل سعر الطن إلى 1300 جنيه فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ صادرات القطن المصرى.. وهنا أيضا هرولت الحكومة إلى الفلاحين الذين طردتهم من جنتها تسألهم الصفح والغفران وتسليم ما لديهم من الأقطان.
وكانت الأزمة الحقيقية أن محصول القطن لا يكفى احتياجات الصناعات المحلية وهنا بدأت ثورة رجال الأعمال وأصحاب مصانع الغزل والنسيج تطالب الحكومة بوقف تصدير بوقف تصدير القطن لتوفير احتياجات المصانع التى يعمل فيها عشرات الآلاف من العمال وهى مهددة بالتوقف لعدم وجود الغزل وسارعت الحكومة تطالب الفلاحين بإخراج ما لديهم من القطن وخفضت الجمارك وهيأت كل شىء لراحة رجال الأعمال وأصحاب المصانع.
إن السوق المحلية فى مصر تحتاج إلى 4 ملايين قنطار من القطن لتوفير احتياجات صناعة الغزل والمنسوجات وهذه الكميات غير موجودة والأسعار العالمية فى ارتفاع مستمر والحكومة لا تستطيع أن تفرض على الفلاح سعرا وهنا ظهرت الأزمة الثانية مع محصول القطن وأصبحت مصر تواجه أزمتين فى وقت واحد فى محصولى القمح والقطن وهما من المحاصيل الرئيسية.
أمام التخبط والعشوائية والارتجال فى السياسة الزراعية فى مصر جاءت الأزمة الثالثة مع محصول الأرز.. أن مصر من الدول المهمة فى إنتاج الأرز والشىء المؤكد أن للأرز المصرى أسواقه التى تحرص عليه خاصة فى الدول العربية.. وقبل هذا فإن الأرز هو المحصول الوحيد الذى يحرص الفلاح المصرى على تخزينه.. وفى السنوات الاخيرة زادت صادرات الأرز للأسواق العربية بصورة غير مسبوقة وارتفعت الأسعار وزاد الإقبال على شراء الأرز المصرى.. وفى الوقت الذى كانت فيه أسعار الأرز تشهد ارتفاعا كبيرا وإقبالا فى السنوات الماضية كانت العلاقة بين الفلاح وسلع أخرى مثل القطن والقمح قد تدهورت.
وانخفضت مساحات القطن والقمح لكى ترتفع مساحات الأرز من 750 ألف فدان إلى ما يقرب من مليونى فدان.. وهنا تدخلت الحكومة خوفا على المياه ووضعت ضوابط ومساحات فى كل محافظة لزراعة الأرز.. ولكن الفلاحين خالفوا هذه الضوابط وقاموا بزراعة مساحات كبيرة من الأرز.
هنا شهدت الساحة خلافات حادة بين الحكومة والفلاحين حول زراعة الأرز وبدأت الحكومة تطارد الفلاحين بالغرامات وقررت فرض رسوم على تصدير الأرز للخارج بواقع ألف جنيه على كل طن.
ورغم هذا توسعت زراعات الأرز وارتفعت أسعاره وحاولت الحكومة أن تستفيد من هذه الزيادة بجمع أكبر كميات ممكنة من الأرز من بيوت الفلاحين ومخازنهم بل إنها رفعت أسعار توريد المحصول.
نحن هنا أمام ثلاثية خطيرة فى الإنتاج الزراعى المصرى إنها ثلاثية القطن والقمح والأرز وهى تمثل أهم موارد الفلاح المصرى الذى يمثل نصف هذا المجتمع.. قد لا تكون الحكومة حريصة على هذه المحاصيل لأنها ترى أن الخيار والفراولة والكانتلوب أهم بالنسبة لها وقد تكون صادرات الكويز والملابس الجاهزة أهم فى قائمة الصادرات وقد تكون القرية الذكية أهم من حقول القمح والقطن والأرز إلا أن ما حدث فى السنوات الأخيرة من تقلبات فى أسعار المحاصيل الثلاثة جعل الحكومة تعيد التفكير فى سياساتها الزراعية الخاطئة.
ربما أدركت الحكومة الآن أن أسعار هذه المحاصيل قد تحركت بصورة مخيفة فى الأسواق العالمية.. وأن هذه المحاصيل يمكن أن توفر دخلا أو تمنع إنفاقا خاصة أن مصانع الغزل والملابس الجاهزة مهددة بالتوقف أمام نقص محصول القطن.. وربما وجدت الحكومة نفسها أيضا مطالبة بزراعة أنواع جديدة من القطن تتمتع بإقبال أكبر فى السوق العالمية وتحتاجها المصانع المحلية.. وربما وجدت الحكومة نفسها فى موقف لا تحسد عليه أمام استيراد القمح والإقبال الشديد على شراء الأرز المصرى فى الأسواق الخارجية.
هنا فقط بدأت الحكومة تعيد قراءة ملفاتها القديمة عن إنتاج المحاصيل الثلاثة التى أربكت حساباتها ووضعتها فى موقف لا تحسد عليه بسبب الإهمال والتخبط.
إن أخشى ما نخشاه أن تهمل الحكومة هذه الملفات إذا عادت الأسعار العالمية إلى سيرتها الأولى وتراجعت ولكن يجب أن ندرك أن الزراعة المصرية فى خطر وأن دولارات الكويز لا تغنى عن صادرات القطن وأن مافيا استيراد القمح هى السبب فى كل هذه الكوارث وأن إهمال الفلاح المصرى كان سببا فى هروبه من أرضه.. قد لا يعلم المسئولون فى الحكومة أن نفقات زراعة فدان القطن الآن لا تترك للفلاح شيئا.. إذا كان سعر إيجار الفدان 4000 جنيه فإنه ينفق عليه خمسة آلاف جنيه ما بين الأسمدة والبذور وجنى المحصول خاصة أن أجر عامل الزراعة الآن خمسون جنيها فى اليوم وهذا يعنى أن الفلاح يحتاج أكثر من 1000 جنيه لجنى محصول الفدان الواحد وإذا أضفنا 1200 جنيه للأسمدة وألف جنيه أخرى للبذور والمبيدات لاكتشفنا أن الفلاح لا يحصل على شىء على الإطلاق من زراعة القطن وبحسبة بسيطة فإن فدان القطن إيجارا وزراعة وأسمدة وجنيا يتكلف أكثر من 8 آلاف جنيه فماذا يبقى للفلاح بعد ذلك؟
ومن هنا فإن أباطرة القاهرة يجب ان يتركوا مكاتبهم ويخرجوا إلى الريف ليشاهدوا ما وصلت إليه أحوال الفلاح المصرى وقد كان يوما ملك الزراعة فى هذا العالم.
لقد خرج إنتاج مصر الزراعى من قائمة الصادرات منذ زمن بعيد فتراجعت صادرات القطن والثوم والبصل والبطاطس وأصبحنا نستورد كل شىء حتى القطن والثوم والطماطم.
لقد أفاقت الحكومة هذا العام على ثلاثية الدمار فى الزراعة المصرية القطن والقمح والأرز وهذه المحاصيل الثلاثة هى قلب الزراعة فى مصر وهى المورد الرئيسى للفلاح ومعنى إهمالها أننا نعرض نصف هذا المجتمع وهم الفلاحون لظروف اقتصادية واجتماعية غاية فى القسوة.. إن أسلوب التعامل بين الحكومة والفلاحين شىء لا يليق بالحكومات التى تدرك معنى المسئولية وهذا التلاعب فى هذه العلاقة الشائكة يتطلب نوعا من التقدير لهذا الجزء من المجتمع خاصة أننا جميعا خرجنا من رحم هذا الريف العظيم الذى كان دائما مصدر الخير والثراء فى كل شىء ابتداء بالرجال وانتهاء بالاكتفاء ويكفينا فشل تجارب الخيار والفراولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.