حريق سنترال رمسيس لايزال يكشف أبعاد الفشل الذى تتحمل مسئوليته حكومة الانقلاب العاجزة عن إدارة بلد كبير مثل مصر الأزمة جاءت مع تجاهل الانقلاب تحذيرات صادرة عن جهات محلية ودولية منذ عام 2020 من أن السنترال لا يتحمل الضغوط التى تلقى على عاتقه وأنه فى حاجة إلى صيانة وتحديث خاصة أنه يمثل نقطة محورية في الشبكة المصرية، تمر من خلاله نسبة كبيرة من الزيارات المتكررة من العملاء على مدار الساعة "الترافيك" المحلي والدولي، وهو ما يفسر حجم التأثير الناتج عن الحريق، ويدعو إلى إعادة النظر في تصميم الشبكة ومدى مرونتها في حالات الطوارئ. الخبراء أعربوا عن دهشتهم من التداعيات السلبية الكثيرة للحادث، بينما الجهات الحكومية الانقلابية، بما في ذلك مجلس الوزراء أو وزارة الاتصالات، لم تعلن أي بيان تفصيلي يوضح المسؤوليات أو يعلن تحقيقات إدارية على مستوى القيادة التنفيذية. وحذر الخبراء من أن غياب المحاسبة العلنية أو السياسية في مثل هذه الأزمات يعزز من الشعور العام بغياب آليات رقابة فعالة، رغم وجود نصوص دستورية تضع سلامة المواطنين والخدمات الحيوية ضمن مسؤوليات حكومة الانقلاب . وأوضحوا أن الأزمات الكبرى التي تمس البنية التحتية، لا سيما إذا أدت إلى تعطيل قطاعات مالية وخدمية، تتطلب استجابة مؤسسية شاملة، تشمل إيضاح الأسباب، وتحديد مواطن القصور، واتخاذ إجراءات تصحيحية، فضلاً عن تحميل المسؤولية للجهات المعنية على مستوياتها المختلفة، سواء من خلال لجان تحقيق مستقلة أو استجوابات برلمانية. وأكد الخبراء أنه في ظل غياب تلك الإجراءات، تبقى المساءلة الفنية داخل الجهاز البيروقراطي محدودة التأثير، ولا تفي بمتطلبات الشفافية أو استعادة ثقة الجمهور في كفاءة مؤسسات الدولة.
هشاشة الموقع
من جانبه قال خبير الاتصالات والأمن السيبراني المهندس هاني محمد، إنه سبق له العمل في الشركة المشغّلة لسنترال رمسيس لسنوات، مشيرًا إلى أن ما حدث أعاد إلى الأذهان تحذيرات قديمة بشأن هشاشة الموقع وأهميته الحيوية. وأضاف محمد فى تصريحات صحفية : تفاجأت أن الوضع لم يتغير كثيرًا منذ أن تركت العمل منذ سنوات طويلة، لا على مستوى البنية الأساسية ولا من حيث إدارة الأصول التقنية مشيرا إلى أن سنترال رمسيس يُعد البوابة الرئيسية لمعظم مناطق الجمهورية، وليس فقط القاهرة، حيث تمر من خلاله الكابلات الأرضية التي تربط مصر بشبكات الإنترنت الدولية عبر الإسكندرية، التي تُعد بدورها نقطة الاتصال بالكابلات البحرية. وأوضح أنه رغم تطور وسائل الاتصال، تظل البنية الفعلية تمر عبر كابلات، وتظل رمسيس نقطة التحول الأهم لافتا إلى أن من أبرز الإشكاليات أن الأجهزة والمعدات الحساسة، وكذلك النسخ الاحتياطية، كانت تُخزن في الموقع نفسه. وكشف محمد أنهم كانوا يحذرون دائماً من أن وقوع حريق أو خلل في هذا المكان يعني فقدان المعدات الأصلية ونسخها الاحتياطية معًا، وهذا ما يبدو أنه لم يتغير. وأشار إلى أن المشكلة الأكبر هي في "المركزية المفرطة" في تصميم الشبكة، موضحًا أن رمسيس تمثل نقطة تجمع رئيسية لدوائر متعددة من مناطق مثل الجيزة، والعباسية، والوايلي، والنزهة، وحتى بعض المسارات المؤدية إلى الإسكندرية. وأكد محمد أن هذا الوضع يجعل أنه إذا توقفت رمسيس، تتأثر الشبكة على شكل سلسلة متتالية، لأن أغلب السنترالات الكبرى متصلة بها، بما في ذلك سنترالات أخرى كبيرة لكنها لم تُفعّل كمسارات بديلة نشطة. وقال : في وقت سابق، قدّمنا مقترحات لإنشاء عدد من السنترالات الرئيسية الموزعة على غرار رمسيس، بحيث يكون لكل نطاق جغرافي نقطة ارتكاز مستقلة، لكن لم تُنفذ هذه المقترحات لأسباب مختلفة، قد تكون لوجستية أو مالية، أو بسبب غياب الأولوية لمسائل الأمان واستمرارية الخدمة.
التوثيق الفني
وأوضح محمد أن من الكوارث المستمرة غياب التوثيق الفني (Documentation) للواجهات والربط بين الأجهزة، ففي أزمات سابقة – ومنها قطع كابل بحري – كنا نضطر للاعتماد على الذاكرة الشخصية لتحديد الواجهات ونقل الترافيك بين الأجهزة، وهو أمر غير مقبول في بنية وطنية بهذا الحجم. وأشار إلى غياب الإجراءات التشغيلية المنظمة داخل السنترال، مؤكدا أنه ليس هناك أدلة تشغيل واضحة (Processes) تشرح ما يجب على الموظفين فعله لحظة وقوع عطل أو حريق، لا على مستوى خطوات الاستجابة، ولا على مستوى توزيع الأدوار الفنية وكان الكثير من الإجراءات يتم بالخبرة أو التقدير الشخصي. وشدد محمد على أن التغلب على هذه الثغرات ليس أمرًا مستحيلًا، لكنه يتطلب إعادة هيكلة للبنية الشبكية تقوم على مبدأ اللامركزية، بحيث لا تكون نقطة واحدة مسؤولة عن تمرير هذا الكم من الخدمات الحيوية. وأضاف: لا يمكن الاكتفاء بسنترال مركزي واحد، بل يجب أن يكون لكل مجموعة مناطق نقطة ارتكاز رئيسية خاصة بها، مثل أن يخدم سنترال الجيزة غرب القاهرة فقط، دون أن يكون مسؤولًا عن مناطق أخرى، وهكذا مع باقي المحافظات. واختتم محمد قائلًا: الاعتماد المفرط على رمسيس يجعل الشبكة كلها قابلة للشلل في لحظة واحدة، وهذا ما حدث بالفعل مؤكدا أن ما نحتاج إليه هو تصميم مرن يضمن استمرارية الخدمات في حال تعطل أي مكون، بدلًا من أن تتوقف الدولة بأكملها في انتظار إعادة تشغيل نقطة مركزية .
تطبيقات مؤسسية
وقال خبير إدارة الأزمات رائد سلامة، إن العالم أصبح أكثر ترابطًا وتشابكًا من أي وقت مضى، وهو ما أدى إلى تزايد حجم ونوع المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات الحكومية والشركات العامة والخاصة، مؤكداً أن جوهر إدارة المخاطر يكمن في الاستعداد المسبق والتحوط، وليس فقط التعامل مع الأزمات بعد وقوعها. وأكد سلامة فى تصريحات صحفية أن القدرة على عبور الطريق وسط المخاطر لا تعني إنكار وجودها، بل تعني الإحاطة بها والتجهيز لها بإجراءات وقائية واضحة وممنهجة. وأوضح أن أدبيات إدارة المخاطر تتفق على أنها منهج استباقي يهدف إلى الحيلولة دون وقوع الأزمات أو التخفيف من آثارها قدر الإمكان حال حدوثها، لافتا إلى أن هناك ثلاث فئات رئيسية للمخاطر: الاستراتيجية، والمالية، والتشغيلية، والأخيرة – وهي ذات الصلة بحادث سنترال رمسيس – تتطلب إعداد خطتين محددتين: واحدة لإدارة الأزمات (Crisis Management Plan)، وأخرى لاستمرارية الأعمال (Business Continuity Plan). وتساءل سلامة: هل كانت وزارة اتصالات الانقلاب جاهزة بهاتين الخطتين عند وقوع حريق سنترال رمسيس؟، مؤكدا أن الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بما ستسفر عنه لجنة تقصي الحقائق التي طالب البعض بتشكيلها. وشدد على أن مثل هذه اللجنة تمثل رقابة لاحقة، في حين أن إدارة المخاطر الفعالة تقوم على الرقابة الاستباقية والتحوطية معربا عن أمله فى أن يعكس تقرير اللجنة بشكل شفاف مدى كفاءة الإجراءات الحكومية في إدارة المخاطر، وما إذا كانت هناك خطط فعلية مسبقة لضمان استمرارية الخدمات الحيوية في حالات الطوارئ. وخلص سلامة إلى القول أن الأمر لا يقتصر فقط على محاسبة المقصرين، بل الأهم هو فرض تطبيقات مؤسسية أفضل في المستقبل .