ابيض منور علي عوده يحيي الأمل عند وجوده جل اللي بيديه ويعيده ويغير الحال بعد الحال كانت له يوم شنة ورنة عمر بيوتنا وصهللنا يارب يحيي لنا أملنا وتخلي مصر في اسعد حال ياللي سهرت الليل ترعاه وفضلت تروي وتستناه آن الأوان والرزق اهو جاه يارب جود واسعد دي الحال لانملك سوي ان نبدأ سطورنا المقبلة بكلمات شاعرنا الراحل احمد رامي التي تغنت بها العبقرية ثوما. اذا هو من يعمر بيوت كادحيه الشقيانين والعرقانين والمطحونين والغارقين ليلا ونهارا في طينه وتربته الحارسين له والواقفين زنهار, ديدبان من أجل تلك اللحظة التي ينتظرونها بفارغ الصبر. اللحظة التي تمتد فيها ايدي الفتيات الصغيرات اللي زي القمر صاحبات الخدود الحمراء اللاتي يشمرن عن أذرعهن ليقطفن ثماره. هيصة ولمة وفرحة وكأنه يوم عيد لا والله بل هو العيد نفسه عند الفلاحين الذين ينطلقون للغيط بعد الفجر لتنطلق الضحكات والاغاني الرنانة. اجمعوا يابنات النيل يا حلاوة عليك ياجميل. لوزته جميلة حاسبوا عليها حلوة اصيلة والخير فيها ده حرير يا بنات والله اذا هو الطويل والمتوسط والقصير, جيزة77 المصري الاصيل هو الذهب الأبيض الذي نفتح ملفه علي مصراعيه لنسأل ونعرف ونرصد وننقل علامات استفهام عديدة نحاول جاهدين الاجابة عليها وعلي رأسها.. ما الذي حدث لذهبنا الأبيض وكيف ولماذا ومتي واين؟ تحول إلي نحاس بل ربما قصدير؟ لماذا تراجعت زراعته ولماذا يصرخ الفلاحون ويستغيثون؟ وما الذي جري لصناعة الغزل والنسيج التي كانت من أهم واخطر الصناعات في مصر؟ بل لانبالغ عندما نقول: انها كانت تعد مصدرا من أهم مصادر الدخل القومي؟ نفتح الملف.. ووسط الغيطان في قلب الريف المصري بمنأي عن ضوضاء المدينة, ننزل للناس الحزاني الذين اتشحوا بالسواد حدادا علي صدأ الذهب الأبيض. ومن الفلاحين للعمال في المصانع.. ننتظر من تبقي منهم ونجا من غول الخصخصة, بعد الوردية ومع كوب الشاي الثقيل المغلي وحجر الشيشة علي قهاوي العمال.. نستمع إلي أنين الماكينات التي اشتاقت إلي جيزة77 القطن المصري الطويل التيلة, ونضع ايدينا علي الحلقة المفقودة في ملحمة القطن ومأساته.. الحلقة المفقودة بين عنصري القطن.. الفلاحين والعمال. الفلاحون بيغيروا الكتان بالكاكي.. ويغيروا الكاكي بتوب الدم وبيزرعوك ياقطن ويا السناكي..وبيزرعوك عوك ياقمح سارية علم وبيدخلوكي ياحرب فحم الحريقة.. وبيزرعوكي يامصر.. يامصر شمس الحقيقة. هكذا كان الحال كما رصده الشاعر العظيم زين العابدين فؤاد في عصر النهضة الزراعية خلال حكم عبدالناصر, واليوم نزور تلك الغيطان غنوة الحرية في الميدان يوم25 يناير لنرصد حالة غيطان القطن في عزبة برجل احدي القري التي زرعت القطن في وقت تحول فيه الفلاحون إلي زراعة اللب والقرع. ومع اولي خطواتنا إلي قرية برجل التي حصدت محصولها وكان من المفترض ان تعقد الافراح والليالي الملاح.. وجدنا القطن جثة هامدة مقتولة ووجدنا العرس قد تحول إلي مأتم وتحولت الغيطان إلي مقابر.. مقابر الذهب الأبيض. المحصول في اكفان والبيوت مقابر والفلاحون يأخذون العزاء شفقة وسلامات وتقارير وتصريحات. هكذا بدأ الحديث ابراهيم برجل احد فلاحي عزبة برجل والذي استقبلنا علي ابواب القرية ليكون بمثابة مفتاحنا إلي بيوت وقلوب وغيطان الفلاحين. ابراهيم يسكن في منزل صغير تقاسمه مع ماشيته من جهة ومحصول القطن المجمد في اجولته البنية من جهة اخري, اقتادنا إلي داخل منزله ومع مروره بجانب محصول القطن ربت علي كتف الاجولة وأومأ برأسه حزينا ولسان حاله يقول مش بإيدي رميتك علي الرصيف, والتفت الينا قائلا ثلاثة أشهر في هذا المكان حتي ضجت الاجولة وذابت انسجتها جراء القائها علي الرصيف. دقائق وكنا داخل منزل ابراهيم لتبدأ ضجة اعداد الطعام للضيوف وفي لحظات ينتهي واجب الضيافة ليلتقط قوالح الذرة والدمس وشيشته البوري وعلي دخانها نستغل اعتدال مزاجه بعض الشئ لنسأله عن حكايات الفلاحين ومآسي محصول القطن ليجيب.. الحكاية وما فيها ان مصر منذ أيام محمد علي وكما يقرأ اولادنا في كتب التاريخ تشتهر بالقطن طويل التيلة بل وتتميز وتنفرد بزراعته وتصديره, لكن الحقيقة ان مصر تنفرد وتتميز باهدار محصول القطن الفريد بعد ان رفعت الحكومة يدها عن الفلاح واوقفت الدعم الموجه له وللزراعات الرئيسية والاساسية والاستراتيحية كالقطن والقمح حتي تحول الفلاح إلي زراعة المحاصيل الترفيهية وغير الاساسية التي تدر عليه ربحا مضمونا بعض الشئ فأصبحت اراضي القطن تستقبل بطيخ اللب والقرع والفراولة والكنتالوب بجانب البرسيم وبعض الخضراوات. ولكن في العام الماضي تعاقد وزير الزراعة علي تصدير القطن المصري ومع تناقل الانباء ارتفع سعر القطن قبل زراعته إلي1800 جنيه للقنطار فعاد الفلاح لزراعة القطن مرة اخري بعد ان اصبح اكثر ربحا من غيره وبالفعل تمت زراعة اغلب المساحات بالقطن طويل التيلة. لكن الفلاحين فوجئوا بتخلي الحكومة عنهم وتركهم في العراء فريسة سهلة لجشع التجار, فقد قامت بتحديد سعر القنطار قبل الزراعة ولكنها لم تجد آلية لتنفيذ ذلك وضمانة وصول هذا السعر إلي الفلاح, فقط اعلنت عن السعر, ولم تقترب خطوة واحدة من عمليات البيع والشراء. ومن وجهة نظره يري ابراهيم ان الحل يبدأ من استيعاب اسباب الازمة والتي تتلخص في تخلي الدولة عن الفلاحين بوقف الدعم الموجه إليهم ورفع يدها عن المحاصيل الرئيسية وكذلك في الافساد المتعمد لمصانع الغزل والنسيج المصرية التي قام النظام البائد بخصخصة معظمها, وتبديل الماكينات التي تعمل علي القطن طويل التيلة باخري لاتعمل إلا علي القطن الأمريكي قصير التيلة وذلك فيما تبقي من مصانع وشركات القطاع العام. اما عن الحلول فيري ابراهيم انه من الضروري ان تقوم الدولة بدعم البذرة والكيماوي والاسمدة للفلاحين مع امكانية اعادة الدورة الزراعية التي كانت الدولة تحدد من خلالها المحاصيل التي يجب علي الفلاحين زراعتها وتجبرهم علي نسب المحاصيل في الفدان الواحد من ناحية وتدعمهم وتؤمن المقابل المادي المجزي والعادل لكل محصول من خلال الجمعيات الزراعية. رحلة إلي الغيط حدثنا فيها ابراهيم عن معاناة فلاحي القطن قائلا: غالبية الفلاحين لايحصلون علي الكيماوي اللازم لزراعة اراضيهم لان الجمعية الزراعية توفر شيكارة الكيماوي بنحو75 جنيها ويحتاج الفدان إلي نحو4 شكائر, وتقنع الجمعية الزراعية الفلاح بنفاد الكمية المطروحة او تطلب منه دفع المديونية السابقة لصرف كمية جديدة فلا يجد إلا شراء الكيماوي من السوق السوداء والذي تبدأ اسعار الشيكارة فيه بنحو150 جنيها, ويضاف إلي ذلك تكلفة رش المبيدات علي المحصول والتي تتراوح بين1500 جنيه و2000 جنيه وكذلك تكلفة جني القطن والتي يحتاج فيها الفدان إلي نحو15 شخصا بأجر يتراوح بين40 و45 جنيها للفرد في اليوم الواحد. ويضيف.. القطن يحتاج إلي6 أشهر في الارض الزراعية ومشاكله كثيرة وربحه غير مضمون, الفلاحون يتعرضون لابشع اشكال الجشع والاستغلال, بينما قرع اللب يحتاج إلي ثلاثة اشهر فقط في الارض ويتهافت عليه التجار لانه سلعة ترفيهية وكأننا اصبحنا من دول العالم الأول لدينا ما يكفينا من الغذاء والسلع الرئيسية فنتحول إلي السلع الترفيهية ولكن كل ذلك كان نتيجة طبيعية للاحتكار الذي تبناه نظام مبارك والذي كان سكرتيره التنفيذي في مجال الزراعة الوزير السابق اباظة. من جهة اخري يقول ابراهيم ان هناك جزءا مهما يجب الا نتناساه وهو بنك الائتمان الزراعي الذي يتعامل مع الفلاحين بشكل تجاري بحت ويظهر ذلك جليا في قيمة الفائدة التي تم وضعها علي قروض الفلاحين الصغيرة والتي تصل إلي20% مما يؤدي إلي تراكم ديون الفلاح وقد يصل الأمر في معظم الحالات إلي الحجز علي أرض الفلاحين التي لاتتجاوز عدة قراريط. سعد زكريا احد فلاحي قرية ابوالمطامير قدم إلينا من قريته فور علمه بفتح الأهرام المسائي لملف القطن المصري لينفجر قائلا.. حتي الآن لم يتم بيع مايزيد علي75% من محصول القطن والحكومة تركتنا إلي التجار الجشعين الذين وصل بهم الأمر إلي شراء قنطار القطن من الفلاحين المديونين والذين يمرون بضائقة مالية قد تعرضهم للسجن بمقابل يتراوح بين750 و800 جنيه للقنطار الذي حددت الحكومة سعره بنحو1200 جنيه والذي كلفه الفلاح نحو900 جنيه علي الاقل. ويضيف سعد ان زارع القطن يقع بين فكي الجمعية الزراعية والوزارة من جهة, وكذلك التجار وبنك الائتمان من جهة اخري واعتبر كل ذلك خطة محكمة للقضاء علي الفلاح المصري, وتجميد الأرض الزراعية وتحويلها إلي اراض خرسانية تسمن الاغنياء وتزيد فقر الفقراء. فالجمعية الزراعية علي سبيل المثال تمنع الفلاحين المدينين من تلقي حصتهم من الاسمدة والكيماوي والبذور قبل دفع المديونيات السابقة, هذا يعني أن مديونية القطن الذي ورطتنا فيه الحكومة ستمنعنا من زراعة محصول القمح وهو ما يؤكد الرغبة الجامحة لدي الحكومة في القضاء علي الرقعة الزراعية للتفرغ لتجار الاستيراد والتصدير وسماسرة الصفقات المسرطنة في ظل انعدام الانتاج الوطني من الغذاء الاساسي والمحاصيل الرئيسية. ومع هذه الكلمات كنا في طريقنا إلي الغيط ليستوقفنا مشهد درامي يقوم به احد الفلاحين امام باب منزله فاقتربنا منه لنرصد المشهد عن كثب.. امسك بأحد اجولة القطن امام باب منزله واخذ يلقي القطن في الهواء ليسقط مرة اخري في الاجولة, فبدا الأمر وكأنما كان يحتفل بقتيله المكفن, لكن خطوات اكثر إليه جعلته يجيبنا عما كان يقوم به وهو يكاد يبكي.. القطن رطب من الركنة فنقوم بفضه ونشره في الشمس مرة اخري ونستبدل بالاجولة البالية اخري جديدة. لم يكن جوال القطن الوحيد الذي يملكه بشير اسماعيل فما احتل دواره من اجولة القطن جعله هو وابناؤه وزوجته يفترشون الأرض لان كل الحجرات تحولت لمقابر للمحصول الذي لم يجد له مشتريا حتي الآن. ومع اولي خطواتنا داخل طين الغيط استقبلنا شعيب عبدالحميد احد الفلاحين صارخا القطن مسجون في البيوت, والثورة غيرت من حال الجميع إلا الفلاح ظل حاله علي ماهو عليه قبل الثورة بل ازداد سوءا بعد ان توجهت كاميرات الثورة إلي التحرير واقتصرت صورة الثوار علي شباب محمد محمود ومجلس الوزراء بل حتي العمال باضراباتهم واعتصاماتهم دائما ما تتحول إليهم الانظار وتستجيب الحكومات إليهم بسياسة لي الذراع ومع الصمت الذي يتبناه الفلاح لم يحصل علي شيء من حقوقه بينما ارتفعت اجور امناء الشرطة والضباط. وفي رسالة إلي رئيس الوزراء قال شعيب.. احنا مابقاش عندنا حاجة نخاف عليها والقطن زي قلته يبقي نولع فيه ونقطع الطريق ونبقي زي العمال وناخد حقوقنا, احنا بنأكل البلد ومن غيرنا الفقراء يموتوا من الجوع واللي بيسمسروا من الاستيراد مش في بالهم لافلاح ولاعامل ولا فقير. اما محمد عطية غازي 45 عاما فقال الفلاح المصري حياته كلها متوقفة ومرتبطة بمحصول القطن وانا اعتقد ان الطقس الذي سأقوله لك كان يحدث منذ ايام الفراعنة وليس ايام محمد علي كما يقول البعض.. واستطرد: عندكم في القاهرة لما مديون يسأل عن دينه بيرد يقول.. لما تفرج أو حين ميسرة أما الفلاح المصري فيرد في الحالة دي علي القطن, اي بعد بيع محصول القطن فزواج البنات علي القطن وتحديث الاثاث علي القطن وعلاج المريض والسفر للحج وكسوة الاطفال ومصاريف المدارس والعيش والعيشة واللي عايشينها هنا.. واقفة علي القطن, وامام كل ذلك تجد الحكومة رفعت ايديها عن القطن بعد ان ورطت الفلاحين في زراعته بقولها: إن فدان القطن سيتم شراؤه من الفلاح بقيمة1400 جنيه للقنطار, ثم يقوم البنك بفرض قيمة فائدة عالية علي الفلاح وتقوم الجمعية الزراعية بمعاقبته علي زراعة القطن بمنعه من تسلم حصته لمحصول القمح من كيماوي وبذور وغيرهما, اما عبدالمنعم عوض عبدالعاطي فقال: لابد ان تكون للفلاحين رابطة أو حزب أو ائتلاف علي غرار ما يقوم به العمال وشباب الثورة فلا يمكن ان نكون في مهب الرياح ملطشة للحكومة والتجار والبنك والجمعية ونحن القطاع الوحيد الذي يدفع كل ما عليه من ضرائب تحت مسمي المال الميري وفوائد بنوك ولانتلقي سوي العقاب لاننا نحاول ان نكتفي ذاتيا والقصة سهلة وبسيطة ولكن من يقف امام تحقيقها وياللعجب حكوماتنا قبل الثورة وبعدها فإعادة الدورة الزراعية بشكل يترك للفلاح حرية علي مساحة كافية من ارضه ليزرع عليها ما يشاء.