المبالغ التى تم تحصيلها من الشهادات لم تؤثر على السيولة المصرفية.. وسيعاد تشغيلها لحين إنفاقها مشروعات القناة تحتاج إلى تشريعات استثنائية للتغلب على البيروقراطية هناك ضرورة لطرح مشروع قومى جديد للاكتتاب على غرار قناة السويس الأمر لم يستغرق سوى ثمانية أيام فقط، فى ذلك المدى الزمنى القصير جدا نجحت البنوك المصدرة شهادات استثمار قناة السويس الجديدة فى تحصيل أكثر من المبلغ المطلوب، وهو 60 مليار جنيه، وبينما أغلقت البنوك أبواب التحصيل لتبدأ رحلة سداد فوائد الشهادات على مدار خمس سنوات قادمة، يبقى التساؤل المهم «وماذا بعد شهادات استثمار قناة السويس؟»، بمعنى النتائج المنتظرة لتلك الشهادات على معدلات النمو والسيولة المصرفية بالسوق وحجم الودائع بالجهاز المصرفى ومعدلات الإقراض والتوظيف، هنا كان الحوار مع الخبير المالى محسن عادل، بحثا عن خريطة مفصلة لنتائج أكبر عملية تمويل واكتتاب قام بها المصريون فى تاريخهم. ■ هل يمكن توقع أثر المرحلة الأولى من مشروع قناة السويس على مؤشرات الاقتصاد الكلى؟ - بالطبع يمكن توقع أثر المرحلة الأولى فقط من مشروع قناة السويس، والمتمثلة فى حفر القناة الموازية على مؤشرات الاقتصاد الكلى، خصوصا أن ملامح المرحلة اتضحت بشكل كبير، كما اتضح حجم الاستثمارات الخاصة بها، مما يتيح إمكانية احتساب أثرها على معدل النمو. ■ وما تلك التداعيات من وجهة نظرك؟ - المشروع سيؤثر حتما على نسبة العجز الكلى من الناتج المحلى بشكل سلبى خلال العام الحالى، إذ تشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تصل نسبة العجز إلى نحو 11. 3٪، والزيادة فى العجز ناتجة عن عبء دفع عوائد شهادات الاستثمار سنويا، التى ستمثل نحو 7. 2 مليار جنيه سنويا، فضلا عن قيمة الشهادات نفسها، التى ستضطر الحكومة إلى توفير 12 مليار جنيه سنويا لسدادها بموعد الاستحقاق، خصوصا أنه ليس متوقعا تحقيق المشروع أى عوائد خلال العام الحالى. ■ هل ترى أن المبالغ التى تم ضخها فى الشهادات سيكون لها تأثير على معدلات السيولة؟ - تؤكد كل المؤشرات الاقتصادية أن أموال الشهادة ما زالت داخل القطاع المصرفى، وستعمل البنوك على إعادة استثمار أموال الشهادة محليا، لحين صرفها على مدار العام المخصص لحفر قناة السويس الجديدة مما يؤكد أن حجم السيولة فى السوق المحلية لم يتغير ومتوفر داخل الجهاز المصرفى فى حساب هيئة قناة السويس داخل البنوك، التى ستقوم بدورها بإعادة استخدام أرصدة الحساب، واستثمارها مرة أخرى لحين إنفاقها على مدار عام فى شكل دفعات. ويجب هنا الأخذ فى الاعتبار أن ترقب قرارات الحكومة يدعم استقرار العائد خلال الفترة المقبلة لحين الوقوف على نية الحكومة فى طرح شهادات استثمار جديدة من عدمه. ■ طرحت الشهادات بسعر فائدة هو الأعلى بالسوق 12% فهل تتوقع ارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترة القادمة؟ - التوقعات الحالية تشير إلى استقرار نسبى فى اتجاهات العائد على أذون الخزانة والسندات الحكومية خلال الفترة المقبلة، بعد إغلاق الاكتتاب فى شهادات قناة السويس، وإعادة هيكلة حجم السيولة النقدية المتاحة داخل البنوك لتعاود الأخيرة الاكتتاب مجددا فى مزادات وزارة المالية قبل طرح الشهادة. ومن الواضح أيضا أن البنوك ستعمل حاليا على إعادة ترتيب محافظ فائض سيولتها النقدية بعد التغيرات التى شهدها القطاع المصرفى فى فترة طرح شهادات قناة السويس الجديدة، التى أدت إلى تراكم فائض السيولة بقيمة تتجاوز 64 مليار جنيه فى خزائن البنوك المصدرة للشهادة، لذلك فإن الفترة المقبلة ستشهد إعادة توزيع لفائض السيولة بين أغلب البنوك مجددا، كما أن البنوك تعمل على إعادة ضبط هيكل سيولتها لمحافظها المالية، خصوصا أن البنوك تمر حاليا بمرحلة فجوة الاستحقاقات الناتجة عن ارتباط السيولة النقدية بآجال استحقاق مختلفة تبعا لفئات أدوات الدين المستثمرة بها سواء قصيرة، أو متوسطة أو طويلة الأجل، كما تختلف استحقاقات الأدوات المالية من بنك إلى آخر. ■ وماذا تحتاج قناة السويس لاستكمال نجاح المشروع؟ - الأمر يستلزم الآن إعداد مجموعة من القوانين الخاصة للاستثمار فى مشروع تنمية إقليم قناة السويس منفصلة عن التشريعات الحالية المنظمة للاستثمار، خصوصا أن القوانين الحالية «تحتاج إلى بعض التعديلات حتى تكون جاذبة للمستثمرين وضامنة لحقوقهم». ومن الضرورى أن تركز الخريطة التشريعية المرتقبة للاستثمار فى القناة على توحيد الإجراءات وتسهيلها وجعلها أكثر شفافية، إلى جانب جعل تلك الإجراءات أكثر مرونة من خلال تفادى التباطؤ البيروقراطى الموجود حاليا. إذا كنا نريد تشغيل المشروع وجذب مستثمرين له، فإننا نحتاج إلى الخروج من البيروقراطية وتسهيل إجراءات استخراج التراخيص وتأسيس الشركات والحصول على الأراضى، وهذا لا يعنى بالطبع الخروج عن سيادة الدولة وعن الاختصاصات المخولة لوزير العدل أو الدفاع أو جهاز الشرطة. عندما درسنا مشكلات الاستثمار فى مصر وجدنا أن أغلب مشاريع الاستثمار لجأت إلى التحكيم بسبب التشريعات، درسنا جميع مشكلات التحكيم (وعرفنا) كيف نتجنبها ووضعنا تصورا لقانون المنطقة الذى يحقق للمستثمر النجاح فى الاستثمار ويحقق للبلد الربحية من هذا الاستثمار. ■ ما الخطة التالية التى ترى ضرورة إلحاقها بالمشروع؟ - بعد نجاح طرح شهادات قناة السويس الجديدة أصبح هناك ضرورة طرح مشروع قومى جديد مدروس أسوة بمشروع حفر قناة السويس لجذب المدخرات الراكدة فى البنوك وخارجها لإقامة مشروعات ذات قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد القومى مع ضرورة فتح الباب أمام المصريين للاكتتاب فى مشروعات بمحور قناة السويس فى حدود 30% من رأس المال، بشرط أن تكون ذات عائد مجز ومدروس، كما أنه من الممكن أن يكون ذلك جزءا من المشروعات القومية الأخرى مثل المثلث الذهبى، وتنمية الساحل الشمالى، ومشروعات الإسكان وغيرها، فهذا النموذج يمكن أن يتكرر فى مشروعات أخرى فى القريب ومشروعات الإسكان وغيرها. وأعتقد أن مشروعات محور التنمية فى قناة السويس يمكن أن تجذب اهتمام المصريين، ولذلك يجب أن تعطى لها الأولوية فى التنفيذ، خصوصا أن ما يحدث الآن من الإقبال المنقطع النظير من المصريين على شراء شهادات استثمار حفر قناة السويس هو فتح كبير فى مجال الاستثمار، ويمكن قصر الاستثمار فى مشروعات محور تنمية قناة السويس على الأجانب فى الجانب المتعلق بالتكنولوجيا فقط، ويتم اكتتاب المصريين فى باقى مشروعات المحور. ولا بد أن نأخذ فى الاعتبار أن نجاح عملية طرح الشهادات كشف عن حقيقة مهمة وهى «المشكلة فى الاستثمار ليست فى التمويل، لكن فى عودة الثقة والعائد المناسب»، كما أن أى مشروعات تتوافر لها خامات محلية ستكون مجدية للمصريين مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يوجد مشروع آخر يعادل فى درجة الأهمية مشروع حفر قناة السويس، لأنه يولد إيرادات دولارية عالية، وذات عائد مرتفع، وسيتم إنجازه فى فترة زمنية قصيرة. ■ هل تقترح نماذج لمشروعات بعينها لتنمية محور قناة السويس؟ - لتنشيط عملية الاستثمار فى تنمية محور قناة السويس نقترح عمل قنوات فرعية فى قناة السويس الجديدة تضم ميناء لليخوت ومنتجعات سياحية وميناء لوجيستيا، وذلك بهدف إيجاد مجتمعات عمرانية جديدة. مع الوضع فى الاعتبار أن الاستثمار بمشروع محور التنمية بمنطقة قناة السويس يجب أن يبدأ بالاستثمارات الوطنية، حيث يتم فتح الباب أمام الاستثمارات العربية والأجنبية، وذلك بشرط عدم المساس بالأمن المصرى من خلال أن يتم البدء فى عمل مشروعات سريعة لتوفير فرص العمل للشباب، حيث تتم إقامة مشروع الاستزراع السمكى على مياه قناة السويس النظيفة بدلا من مياه الترع والمصارف الملوثة. إلى جانب إقامة محطة لتموين السفن بمنطقة شمال غرب خليج السويس، كما يجرى تجهيز مراكز تدريب بالمنطقة بالتنسيق مع شركة «المقاولون العرب» ووزارة الصناعة لإعداد التدريب الفنى اللائق للعمالة التى ستعمل بالمشروع، حيث سيتم إلزام المستثمرين بأن لا تقل نسبة العمالة الوطنية فى المشروع عن 75 %، كما ستتم إقامة البنية الأساسية للمشروع من خلال الشركات الوطنية، وذلك بشرط الالتزام بمعايير الجودة والمقاييس العالمية فى هذا المجال. ■ هل ترى أن لنجاح اكتتاب شهادات استثمار قناة السويس تأثيرا واضحا على الاستثمار الأجنبى والمحلى؟ - بالطبع نجاح الاكتتاب فى شهادات قناة السويس، أسهم فى استعادة ثقة المواطنين فى الاقتصاد، وتحفيز المستثمرين الأجانب على إعادة توجيه استثماراتهم إلى السوق المصرية، وتعتبر أكبر عملية طرح شهدها القطاع المصرفى على مدار تاريخه. كما أن قيام المكتتبين فى شهادات استثمار قناة السويس ببيع عملات أجنبية بقيمة 1. 5 مليار دولار واستخدام الحصيلة فى شراء الشهادات الجديدة، وهو ما عزز من موقف السيولة الأجنبية لدى البنوك. إضافة إلى أن الاعتماد على المصريين فى تدبير تمويلات حفر القناة الجديدة، لا يلغى دور المستثمرين والعالم الخارجى فى ضخ استثمارات جديدة داخل البلاد، فالنمو لا يعتمد على الاستثمارات المحلية فقط، بل يتطلب جذب استثمارات خارجية ومشاركته فى تنفيذ مشروعات التنمية. ■ ولماذا لا يتم تمويل المشروعات القومية التى تحتاجها مصر بنفس الطريقة إذن؟ - رغم نجاح تجربة إصدار شهادات استثمار قناة السويس الجديدة، كأداة تمويلية جديدة بالسوق المحلية لتمويل مشروع حفر القناة، فهناك صعوبة للاعتماد على الآلية الجديدة فى تمويل مشروعات التنمية الضخمة المدرجة ضمن الخطة الاستثمارية للحكومة، لأنه فى النهاية الشهادات الاستثمارية ما هى إلا دين على الحكومة أو على المقترض أيا كانت الجهة، لا بد أن يرده يوما ما، ويدفع له خدمة أيضا، ومن ثم فالاعتماد على الشهادات فى باقى المشروعات الضخمة التى تحتاج إلى تمويلات تتجاوز المئة مليار سيصبح أمرا مكلفا على الحكومة، وسيرفع حتما من عجز الموازنة، التى تسعى الحكومة بكل جهدها إلى تخفيض هذا العجز، وليس بالضرورة أن يتم الاعتماد على الشهادات كآلية لتمويل المشروعات الضخمة، فجميع خيارات التمويل مطروحة، سواء عبر إصدار أسهم أو سندات سيادية، إلى جانب الأدوات التمويلية الأخرى، وفقا لاحتياجات كل مشروع. ■ هل ترى أى أبعاد سياسية لنجاح الاكتتاب فى شهادات استثمار قناة السويس أم أن الأمر مردود إلى ارتفاع عائد الشهادات؟ - الرغبة فى الربح أو معدل الفائدة الكبير على الشهادة لم يكن من وجهة نظرى هو الدافع وراء الإقبال الكبير من قبل المصريين على الشراء، خصوصا مع توافر بديل كالبريد، لكن المشروع من وجهة نظر المصريين يمثل صفعة على جبين أعداء الوطن، ويجهض محاولات البعض لإسقاط الدولة المصرية، كما أن الملحمة الاقتصادية لتغطية شهادات قناة السويس الجديدة تؤكد الدعم الشعبى للإصلاحات الاقتصادية، كما أن الاكتتاب العام من أجل إقامة مشاريع وطنية له سوابق فى التاريخ المصرى، أبرزها عند إنشاء جامعة القاهرة وبنك مصر، فالفكرة موجودة فى الذاكرة الوطنية عند المصريين، الذين قاموا باستدعائها خلال الفترة الأخيرة خوفا على مصر من التهديدات والمخاطر الخارجية، هذا إضافة إلى المصداقية الكبيرة التى يتمتع بها الرئيس السيسى لدى الشعب وقيامه بالترويج للمشروع، وهو ما عزز ثقة المصريين فيه. فى الوقت نفسه يجب ملاحظة أن نجاح الاكتتاب على شهادات قناة السويس الجديدة جاء نتيجة ترويج إعلامى سياسى واقتصادى ناجح مدفوع بأسباب تاريخية وإقليمية، ويعد تدعيما لشرعية النظام السياسى فى البلاد. ■ وهل ترى أن نجاح الاكتتاب فى شهادات استثمار قناة السويس بمدة قصيرة له مدلول سياسى أو اقتصادى؟ - بالطبع إن نجاح الاكتتاب فى شهادات قناة السويس الجديدة، يتضمن عدة رسائل مهمة، الأولى تتعلق بالسوق المحلية، وقدرة الاقتصاد المصرى على المضى قدما نحو تحقيق هدف بعينه بشرط الشفافية الكاملة، وتوافر الفرص الاستثمارية الجيدة، أما الرسالة الموجهة إلى العالم الخارجى فتؤكد أن مصر تستطيع النهوض اقتصاديا كما توضح قوة الجهاز المصرفى المصرى وقدرته على الصمود ومساندة الاقتصاد، خصوصا أن العالم الخارجى أبدى انبهاره من قدرة المصريين على تجميع أكثر من 64 مليار جنيه فى 8 أيام، وهى الحالة التى يجب أن تدرس عالميا. والرسالة المهمة لنجاح الطرح موجهة بالأساس إلى العالم الخارجى ومؤسسات التقييم الدولية والبنك الدولى محتواها أن مصر قادرة على إعادة بناء قوامها بنفسها دون الاعتماد على العالم الخارجى، كما أن نجاح الأمر يحفز المستثمرين الأجانب على الاستثمار فى مصر، إضافة إلى شهادات القناة تبعث برسائل داخلية، أهمها وعى المواطن المصرى بالمشاريع الوطنية المدروسة بجدية والشفافية فى إعلانها، وإقباله على تمويلها، بجانب الحس الوطنى، وتشجيع المستثمر الخارجى الذى يأتى بعد الإقبال المحلى، والرسالة الخارجية التى أكدت لجميع الدول «عزم المصريين على بناء بلادهم بأيديهم أولا».