الريان لم يكن أمير توظيف الأموال. فكما كشفت أحداث الحلقات التليفزيونية، أنه كان أحد البارعين فى توظيف الإسلام.. هو أول نجوم الثروة السهلة، صائد ثروات من نوع سيدخل التاريخ. فى الثمانينيات أقنع أكثر من 200 ألف شخص بوضع ثرواتهم فى خزائنه، بدلا من البنوك. كانت مرحلة البحث عن مكسب خرافى، صفقة واحدة تضمن الانتقال من قطيع الطبقة الوسطى إلى أغنياء ما بعد دولة الاشتراكية المهزومة على جبهة الحرب مع إسرائيل. الحلم الشائع فى تلك الأيام، هو ضربة واحدة (شحنة مخدرات، سرقة بنك...) يحدث بها الانتقال ثم يستريح الأفندى بعدما يكون قد انتقل إلى شريحة أعلى. هكذا أصبحت شركة الريان تملك فى منتصف الثمانينيات ما يتجاوز ال6 مليارات، فى وقت كان المليار فيه اسما من عجائب وأساطير تنافس الألف ليلة وليلة. الريان نجم اقتصاد ما بعد الهزيمة، ظهر بعد سنوات من انتقال فكرة «هجرة المجتمع الحديث» التى انتقلت من جماعات الإرهاب إلى المجتمع عبر قنوات منظمة، اعتمدت فى انتشارها على فشل الدولة الحديثة فى استكمال مؤسساتها، ووقوعها فى أسر الحاكم الفرد وحاشيته، أى الاستبداد والفساد. عاد الريان إلى مرحلة ما قبل البنوك، مستفيدا من خطة غير واضحة فى الانتقال من «رأسمالية الدولة» أيام عبد الناصر إلى «رأسمالية الدولة» أيام السادات. وإذا كانت الدولة فى العهد الناصرى لم تنجح فى «اشتراكيتها» فإن دولة السادات انتهت، أى «رأسمالية الأشطر» وظهرت من بين شقوق «الدولة» كل طموحات العودة إلى شكل من أشكال «ما قبل الدولة». تفكك الدولة أحيا الغرائز، والتقطها الشطار ليصنعوا منها جسورا إلى ثروات سهلة، تغطيها «بركة» الحلال، هكذا ظهرت شركات توظيف الأموال فى الثمانينيات، لتحصد فشل الدولة وتخطف مدخرات العاملين فى الخارج، وتصنع وحشا ماليا خارج السيطرة. الريان لعب على شرخ صنعته فتاوى متطرفة عن فوائد البنوك، وأدى دور سفير الأحلام. تكلم باسم «بركة» السماء واستهدف مدخرات شرائح واسعة من العائدين من الخليج. عائدون يريدون فوائد أضخم من التى تعلنها البنوك (فوائده المعلنة كانت 24 فى المئة). لمع الريان فى ظل جمهورية الاستبداد والوصاية، حيث كان الاقتصاد يسير على هوى راكب المقعد العالى، يوزع الثروات على أهل ثقته، ويمنح تراخيص بجمع الأموال. الديكتاتور يوزع عطاياه ومنحه، اقتصاده هو حركة أموال، وهذا ما فهمه الريان، وما فهمته أسراب الجراد التى امتصت الثروات، فى ظل مناخ يشجع على الفساد أكثر من التشجيع على الاستثمار. عرف الريان الطريق السهل، وميزته أنه لم يدخل لعبة السلطة والثروة.. ولكنه صعد من أسفل وعرف كيف يغرى وحوشا يعيشون فى رعاية «الرجل الكبير» وحاشيته التى تلعب بالبيضة والحجر. تعرف على ثغرات قوانين تصنعها وتعرف كيفية المرور من خلالها، وتفرض نسبتها على كل مليون يدخل جيب أى مليونير. هذا مناخ يلمع فيه شطّار بلا مؤهلات لكن لديهم قدرة على التقاط الرغبات. لماذا يهوى المصريون توظيف الأموال لا بناء الاقتصاد؟ لماذا تتوحش الإمبراطوريات المالية وفى المقابل تتحرك المؤسسات الاقتصادية بهدوء السلاحف؟ الثروة هى مفتاح السلطة، هى الغنائم التى يوزعها النظام على حاشيته، وهى أيضا سر الغضب الشعبى على النظام، التصور الشعبى بأن النظام غير عادل فى توزيع الثروة، والمؤشرات القوية عن وجود محميات سياسية تعيش خلفها شخصيات مختارة لتكون ثروات. الاقتصاد المصرى لم يكن عبر سنوات خروجه من اشتراكية عبد الناصر (رأسمالية دولته بتعبير أدق) رأسمالية حقيقية. هى رأسمالية محكومة بيد النظام. لاعبون مهرة يمنحهم النظام رخصة صيد الثروات. وهم مع الزمن تصيبهم عدوى الاحتكار. يريدون منع المنافسة. الشاطر منهم يمتص السوق ويضعه فى جيبه. «رأسمالية متوحشة» قد يكون الوصف مختلا. هى متوحشة لكنها تفتقد كثيرا من مفاهيم الرأسمالية وتجلياتها فى الليبرالية. إنها تركيبة خاصة بمصر. مزيج وصلت إليه عقول النظام «بمنطق التجربة والخطأ». فصّلت نظاما رأسماليا على مقاسها. طراز فريد تحكم فيه الدولة حركة رأس المال عن طريق مندوبيها فى ملاعب البزنس. مندوبون لا يملكون ثرواتهم. هى وديعة النظام لديهم، يستردها فى لحظات الغضب بالسجن والتشهير، وأحيانا بمنح الفرص للنصابين.