"الزيبق" رمز اتخذه إتحاد بنوك مصر للتحذير من الوقوع بشباك مدعى توظيف الأموال ولحث الناس على ايداع مخراتهم مهما كانت ضئيلة بالبنوك المعتمدة التى تعمل فى النور حيث توفر ربحا مضمونا وإن كان قليلا وتساهم فى اعمال عجلة الاقتصاد القومى وتوفير فرص العمل. ويشير الزيبق الى وصف فى الاعلان بأنه "مضمون زى الجنيه الذهب" الى "الريان" و"الهدى" و"الشريف" و"الهلال" و"البوشي" وغيرهم. واستخدمت الحملة شعارات منها "لازم يكون لك بنك" و"تعرف يعنى ايه بنك؟" و"مش انت لوحدك المستفيد" لحث المصريين على ايداع مدخراتهم بالبنوك. وبدأ الإتحاد أول حملة إعلانية من نوعها بعد أن عاد نشاط توظيف الأموال الذى عرفه المصريون فى العقود الاخيرة من القرن العشرين ليطل برأسه من جديد مع تراجع الفوائد البنكية والركود الذى لون النشاط الاقتصادى ككل نتيجة للأزمة المالية العالمية التى انطلقت من وول ستريت واصابت العالم فى مقتل. وجاء اختيار الحملة لأسم "الزيبق" موفقا فمن ناحية يعرف الجميع أن أهم خصائص الزئبق أنه لايمكن الإمساك به وهو من أهم صفات القائمين على أنشطة توظيف الأموال فلديهم القدرة على الهروب بأموال المودعين. وفى السياق ذاته، استلهمت الحملة أسطورة على الزيبق التى يعرفها غالبية المصريين مع اختلاف طيبعة وأسباب السرقة.لكن الزيبق الجديد هرب بأموال البسطاء ومدخرات متوسطى الحال وتركهم معدمين فى الغالب. ونقلت كتب التراث الشعبى أسطورة الزيبق اللص الشريف الذى يسرق السلطة التى تستولى على ثروات الناس بالبطش والطغيان ويعيدها لأصحابها وبقى رمزا للحيلة والدهاء والمكر والمراوغة والقدرة على التخفى وتأتى سيرة على الزيبق فى سلسلة ألف ليلة وليلة فى عصر تعرض فيه الناس لحروب و مجاعات وظلم. وبينما لم تلتئم جروح المصريين من شركات توظيف الاموال السابقة ها هى تظهر من جديد وفتحت قضية الملياردير المصرى نبيل البوشى مالك شركة "أوبتيما جلوبال هولدنج لتداول الأوراق المالية" المتهم بالاستيلاء على أموال تجاوزت 37 مليون دولار بزعم توظيفها واستثمارها فى نشاط تجارة الأوراق المالية مقابل عائد شهرى بدا خياليا مقارنة بمجالات الاستثمار العديدة الملف من جديد وتبعتها العديد من القضايا الأصغر حجما. وقال محمود شعبان عضو مجلس ادارة البورصة المصرية فى تصريحات خاصة لموقع أخبار مصر: إن توظيف الأموال فى مصر يتم على طريقة مادوف بانتهاج نظرية ماكنزى التى تعتمد على صرف موظف الأموال عوائد المساهمين القدامى من ايداعات الجدد وهكذا وبالتالى فهى لا تمثل استثمارا حقيقيا إنما مجرد وهم بالاستثمار. ورفض الدكتور على لطفى وزير الاقتصاد الاسبق الربط بين حركة الفائدة سواء بالصعود أو الهبوط ووجود نشاط توظيف الاموال موضحا ان البنك المركزى يحدد هامش الفائدة بناء على معطيات اقتصادية منها نسب التضخم وتكلفة الدين العام ومهما تراجعت الفائدة بالبنوك الشرعية فهى تمثل استثمار آمن بينما يفقد توظيف الاموال الافراد رؤوس أموالهم . وخفضت لجنة السياسات بالمركزى المصرى سعر الفائدة 5 مررات متتالية لتبلغ 8.5% و10% على الايداع والاقراض على الترتيب بعد هبوط معدل التضخم فى أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان من ذروته عند 24% فى أغسطس 2008 إلى 9.8% فى يوليو/ تموز 2009 نتيجة لاعتدال أسعار الغذاء. ورغم تعجب الخبراء من استمرار المواطنين فى الوقوع بشباك لصوص الأموال إلا انهم اتفقوا على أن الخفض المستمر للفائدة والركود الذى خلفته الأزمة المالية العالمية يمثلان مناخا صحيا لعودة ظاهرة توظيف الأموال للانتشار مرة أخرى فى مصر. ونال نشاط توظيف الأموال من قدرة قنوات الاستثمار خاصة البنوك على العمل، وأفادت تقارير صحفية بأن 1 من كل 10 أشخاص فى مصر يتعاملون مع البنوك. وفى هذا السياق تهدف الحملة الى طمأنة المدخرين بأن إيداع أموالهم فى البنوك مضمونا ويتمتع بغطاء من السرية ويدر عليهم فوائد بدلا التعامل مع جهات غير مضمونة. وعوّل المراقبون على عاملين للتصدى للظاهرة، أولهما كفاءة الجهاز المصرفى المصرى فى تطوير أدوات مالية متعددة وقيام وسائل الإعلام بتوعية صغار المستثمرين. وقبيل حملة إتحاد بنوك مصر، بدأت البنوك الوطنية الإعلان عن نفسها بصفتها قنوات رسمية تتمتع بتاريخ من العمل المصرفى الجاد فيتخذ البنك الأهلى المصرى من "بنك أهل مصر" شعارا ويصف بنك مصر نفسه بأنه "بنكك اللى تتمناه وزيادة" وأعلن البنك عن عدد من الجوائز على الشهادات الدولارية ويقول بنك القاهرة "معا لغد مشرق". ولتوظيف الاموال تاريخ مؤلم فى مصر، ظهر على السطح فى منتصف السبعينيات وزاد عدد محترفيه على 60 شركة كان أبرزها الريان والشريف والهدى مصر وكانت تعطى فوائد مالية عالية تصل الى 40% اى تفوق تلك التى يقدمها البنك بنحو ثلاث او أربع مرات مما ضاعف الاقبال عليها خاصة من المصريين العاملين فى الخارج وتوسع نشاط تلك الشركات ليغزو القطاعات الاقتصادية المختلفة حتى دخلت فى أزمتها مع الحكومة أواخر الثمانينيات. وفى عام 2006، أعلنت مصر اغلاق ملف شركات توظيف الأموال بتوقيع بروتوكول تعاون بين البنك المركزى المصرى والنائب العام لسداد باقى مستحقات المودعين واعلنت الحكومة منافذ صرف المستحقات. وقدرت الحكومة آنذاك إجمالى ايداعات المواطنين فى شركات توظيف الأموال بنحو مليار و 137 مليون جنيه واستفاد من البروتوكول 47 ألف أسرة وقالت ان ما تم بيعه من أصول الشركات لايتجاوز ما نسبته 10 % من قيمة مستحقات المواطنين. وعن مصير أبرز الشركات، حُكم على الريان واشقائه بالسجن لاستيلائهم على أموال 159670 مودعاً بمجموع ايداعات بلغ 3 مليارات و381 مليون جنيه والمضاربة بها فى البورصات العالمية، كما قاموا بتحويل جزء كبير منها إلى بنوك أجنبية. أما أشرف السعد رئيس مجموعة "السعد للاستثمار" فقد وصلت قيمة الأموال التى يديرها إلى حوالى مليار جنيه، وفى فبراير / شباط 1991 بدأت رحلته الأولى مع الهرب حيث سافر إلى باريس بحجة العلاج وبعدها بثلاثة أشهر صدر قرار بوضع اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد. وفى يناير/ كانون الثانى 1993 عاد أشرف السعد الى مصر حيث تمت إحالته إلى محكمة الجنايات لعدم إعادته 188 مليون جنيه للمودعين بالإضافة الى 8 اتهامات أخري، وفى نهاية العام نفسه أخلى سبيله بكفالة قدرها 50 ألف جنيه وتم تشكيل لجنة لفحص أعماله المالية إلا أنه سافر مرة أخرى للعلاج فى باريس فى 4 يوينو/حزيران 1995 ولم يعد حتى الآن. أما شركة الهلال فهى ثالث أكبر الشركات التى تم القبض على رئيس مجلس ادارتها محمد كمال عبد الهادى لعجزه عن سداد 950 مليون جنيه للمودعين فى 19 شركة كان يمتلكها، وكان بها 20003 مودع طبقاً لتقرير لجان الجرد التى شكلتها النيابة والمحاسب القانونى الذى أكد ان عدد الذين تم سداد ايداعاتهم بالكامل ورد أموالهم 1583 مودعاً ممن لا تتجاوز ايداعات كل منهم مبلغ 125 ألف جنيه. وشركة "الشريف" التى استحوذت بجانب الريان على نصيب الاسد من الايداعات فتم بيعها عام 1998 بتفويض للنائب العام، ولكن الإدارة الخاصة بها اقترضت من البنوك 67 مليون جنيه بدون ضمانات، فتم التحقيق معهما وأحيلت ليلى الفار وشقيقها للمحاكمة الجنائية وتم فرض التحفظ على هذه الشركات. وفى 28 اغسطس/ اب 2009، ألقت السلطات المصرية القبض على هدى عبدالمنعم الملقبة ب"المرأة الحديدية" لتهم تراوحت بين الاستيلاء على أموال بنوك وتوظيف أموال بعد هروب دام نحو ربع قرن. واسست المذكورة شركة هيدكو مصر للانشاءات والمقاولات عام 1986 جمعت أكثر من 45 مليون جنيه مصرى، وحررت شيكات بدون رصيد بمبالغ وصلت الى 30 مليونا. ويبقى السؤال مطروحا هل يتعلم المودعون من التجارب السابقة ويستجيبون لتوعية الحملات الاعلانية والاعلامية أم تنتظرنا حلقات من مسلسل توظيف الاموال مازالت فى طى الكتمان؟