فى مثل هذا النوع من المناسبات يمصمص خلق الله البسطاء شفاههم ويقولون «ياما فى الجراب يا حاوى»، أما أهل الفصحى والحزلقة فقد تراهم يمصمصون شفاههم أيضا، لكنهم يهتفون بأن القريحة يبدو لا تنضب والجعبة ملأى وتفيض بألاعيب لا أول لها ولا آخر. فأما المناسبة التى استدعت سيرة الحاوى والجراب والجعبة والقريحة وخلافه فهى ما جرى قبل أيام فى موقع الضبعة النووى، حيث قامت عصابة مسلحة بشن هجوم شامل وكاسح ومنسق على الموقع الخطير، أسفر عن احتلاله بالكامل تقريبا، فضلا عن تخريب وإتلاف وتفجير ونهب ممتلكات عامة ومعامل ومنشآت حساسة بلغت قيمتها أكثر من مليار جنيه. وحسب الأنباء التى لم ينفها أحد، فإن العصابة المهاجمة أنجزت مهمتها الإجرامية بسهولة ويسر ومن دون أى مقاومة.. ليه؟ لأن قوات الأمن التى كانت تحرس الموقع لملمت هدومها وسلاحها وهرولت منسحبة من المكان وذهبت للنوم قريرة العين فى بيت حضرتها، بعدما علمت وتأكدت واطمأنت تماما أن الست العصابة صدرت لها الأوامر بالتحرك، وأنها بالفعل على وشك الوصول بالسلامة إلى مسرح العمليات!! وربما يلوم البعض هذه القوات الأمنية الباسلة وقيادتها الفخمة القاعدة حاليا على كراسى الحكم فوق قلوب أهالينا، ليس لهروبها وجبنها وأنها لم تصد هجوم العصابة، وإنما لتقاعسها عن أداء واجب الضيافة وتقديم حاجة ساقعة للمجرمين، غير أننى عن نفسى أتفهم أسباب ودوافع إخواننا بتوع الأمن والأمان والقوات وخلافه للهرولة والهروب السريع من موقع المشروع النووى وتركه أمانة فى إيد الست العصابة تفعل به ما تشاء وما يلبى حلم وطموح جنابها فى استكمال مشروع نهب الست مصر وتحويلها إلى خرابة، لكن الذى لم أفهمه ويكاد يذهب بما تبقى من عقل العبد لله إلى «الخانكة» (لأن العباسية مزدحمة ومشغولة هذه الأيام بالأغلبية الخرساء) هو نتيجة المقارنة بين تعامل أسيادنا فى الحكم والأمن مع عصابات الإجرام المسلحة حتى وهى ترتكب عربدات شنيعة ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى وإلحاق أشد الضرر بالأمن القومى للبلاد، وبين سلوك هؤلاء الأسياد أنفسهم فى مواجهة شباب مسالم أعزل يتسلح بنبله وتحضره وهو يتظاهر أو يعتصم فى الساحات، مطالبا بحق الشعب المصرى فى إنجاز أهداف ثورته. فبينما تتواتر الوقائع والحوادث التى تشى بأن التعامل مع قطاع الطرق وعصابات التخريب مقيد على الدوام وملتزم طول الوقت التزاما صارما بأصول الكرم والرقة والخفة والدلع، فإن العكس تماما يحدث مع شبابنا، إذ تنقلب الحملان الوديعة المايعة التى رأيناها تفر وتهرب من المحطة النووية فى الضبعة إلى وحوش كاسرة رعناء تعجن وتسحق وتقتل عمدا وتهتك الأعراض علنا وتسحل الأبدان وتفقأ العيون قصدا، على النحو الذى روعنا مع الدنيا كلها فى مواقع وغزوات «ماسبيرو» و«محمد محمود» و«مجلس الوزراء»!! هذا التناقض الصارخ وتلك المفارقة الفاضحة تعيدنى مع سيادتك إلى حديث الجراب والجعبة والحاوى الذى بدأت به هذه السطور (هل ما زلت تذكره؟) إذ يبدو أن الحاوى الذى يدير شؤوننا ويلعب فى عقولنا منذ خلع المخلوع أفندى حتى الآن، بعدما جرب فينا كل الأسلحة التى استعملتها كل الثورات المضادة (من العقاب الجماعى للناس على قيامهم بالثورة إلى محاولة تكفيرهم بها وشيطنتها.. إلخ) ولم يفلح، يسحب من جعبته الآن سلاح «التجنين» الشامل.. بمعنى أنه يقصد تماما أن تقارن حضرتك تشطّره الإجرامى على شبابنا وبناتنا بتسامحه ودلعه وميوعته مع عصابات الضبعة وغيرها، فتتجنن جنابك ويبخر عقلك، ويتبسط سيادته ويستمتع بالرقص طربا على جثة الثورة المجهضة!! وصباح الخير بالليل..