لم تحظَ قضية من قضايا الرأى العام باهتمام ملايين المواطنين أكثر من قضية أموال التأمينات الاجتماعية، القضية التى تجاوز عمرها أربعة عقود، طرفاها المواطن أو صاحب المصلحة من جانب، والدولة بأجهزتها التنفيذية المتعاقبة من جانب آخر. المواطنون حاولوا خلال تلك الفترة الزمنية إثبات حقّهم الدستورى والقانونى، فلم يجدوا إلا تنصلًا وتسويفًا من السلطة، بخصوص إعادة الأموال إلى أصحابها. «التحرير» تنبش تاريخ هذا الصراع الذى لا يزال قائمًا دون حلول حقيقية.. 1980.. بداية المشكلة بدأت مشكلة أموال التأمينات الاجتماعية منذ عام 1980 عندما صدر قانون رقم 119 لسنة 1980 بإنشاء بنك الاستثمار القومى، منذ ذلك التاريخ أجبرت التأمينات الاجتماعية بتحويل احتياطيها إلى البنك بفائدة قدرها 6%، واستمر الوضع هكذا حتى الآن، وكانت النتائج المترتبة على ذلك: 1- زيادة المبالغ المحولة نقدًا إلى بنك الاستثمار القومى من سنة إلى أخرى، حتى وصلت نسبة الأموال المستثمرة فى البنك القومى عام 2006 إلى نحو 94% من أموال الصندوقين العام والخاص. 2- بداية من عام 2007 تم تحويل جزء كبير، تجاوز ثلثى الأموال طرف بنك الاستثمار القومى، إلى صكوك على الخزانة العامة لصالح هيئة المعاشات، وتقوم الخزانة العامة بتحويل عوائد استثمار هذه الصكوك إلى الهيئة شهريًّا لتمويل الأعباء غير الممولة. 3- يقوم بنك الاستثمار بإضافة عوائد الاستثمار على الأموال المستثمرة (تعلية الاستثمارات)، أى لا يقوم بتحويل هذا العائد إلى الهيئة شهريًّا. بعد تراكم الأموال صالح التأمينات الاجتماعية دون أن تحصل على فوائد ملموسة يشعر بها «أصحاب المعاشات»، صدر قرار وزير المالية رقم 272 لسنة 2006 بشأن ضم أموال التأمينات الاجتماعية إلى الخزانة العامة للدولة، وتم الطعن على هذا القرار، وانتهى الأمر بصدور قانون التأمينات الاجتماعية رقم 135 لسنة 2010، والذى قصد به تحويل نظام التأمينات الاجتماعية إلى نظام ادخارى فردى يشبه التأمين الخاص، كما قصد كذلك إخفاء عملية الاستيلاء على أموال التأمينات الاجتماعية، هذا القانون الذى ألغاه رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور. أموال التأمينات خط أحمر بأمر الدستور إن أموال التأمينات الاجتماعية هى مال خاص وفقًا للقانون رقم 79 لسنة 1975 (النظام العام للتأمينات الاجتماعية)، هذا إلى جانب الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، والتى أقرّت أن الحماية التى أظلّ بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان عليها، وفقًا لنص المادة 34 منه، تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو حق ذو قيمة مالية، سواء كان هذا الحق شخصيًّا أم عينيًّا. وأكدت «الدستورية العليا» أكثر من مرة فى الأحكام الصادرة عنها أن أموال التأمينات أموال خاصة ولا يجوز المساس بها، وفقًا للدستور المصرى. وفى السياق ذاته، أكد عديد من الفقهاء الدستوريين أن محاولة الدولة ضم أموال التأمينات إلى الخزانة العامة وفقًا للقرار الوزارى هو تعدٍّ صارخ، فمحاولة الدولة تصوير الأمر على أنه قرض تم إبرامه بين وزير المالية وهيئة التأمينات هى محاولة غير موفّقة، فالمقرض لا بد أن يتّخذ قراره بمحض إرادته، فإذا كان المقرض شخصًا معنويًّا، وجب أن يصدر القرار عن ممثله القانونى، وهى فى حالة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى غير مخوَّلة للتصرف فى أموال التأمينات، بل هى تقوم فقط على إدارتها لأن الأموال مملوكة فى الأصل للمؤمَّن عليهم. أخيرًا.. البرعى يعترف بأموال التأمينات بعد عقود من الصراعات شهدتها أروقة المحاكم بين الدولة وأصحاب المعاشات، استطاع وزير التضامن الاجتماعى الأسبق أحمد البرعى، الوصول إلى اتفاقية تضمن تحديد أموال التأمينات وكيفية استردادها والتى بلغت، حسب الاتفاقية الموقعة بين وزارتى المالية والتضامن الاجتماعى، لدى وزارة المالية، 397.7 مليار جنيه، إضافة إلى الفوائد التى سيتم تحديدها خلال الفترة المقبلة، وكذلك وجود مبلغ يتراوح من 83 إلى 86 مليار جنيه لدى بنك الاستثمار القومى، وشملت الاتفاقية على أنه بمجرد استرداد أموال التأمينات سيتم استثمارها بشكل آمن وبموافقة الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية التى تضم بين أعضائها ممثلى أصحاب المعاشات وكذلك العمال. من جانبه أعلن الدكتور أحمد سيد النجار رئيس اللجنة المنوطة باسترداد أموال التأمينات من وزارة المالية، أن قيمة أصول أموال التأمينات تبلغ 539.5 مليار جنيه، منها 235.5 مليار جنيه قيمة صكوك مستحقّة لدى الخزانة العامة، و162 مليار جنيه مديونية لدى وزارة المالية، و73.4 مليار جنيه استثمارات مباشرة لدى هيئة التأمينات، و68.8 مليار جنيه مديونية لدى بنك الاستثمار القومى. وأضاف النجار أن اللجنة أوصت بالتفاوض مع وزارة المالية على احتساب العائد على مديونية الأموال لدى وزارة المالية وبنك الاستثمار القومى على أساس المفاضلة بين سعر الفائدة بالسوق وفقًا للبنك المركزى، أو على أساس سعر الإقراض، مشيرًا إلى أن هيئة التأمينات تسعى للوصول إلى سعر الإقراض، وذلك لصالح المؤمَّن عليهم أصحاب المعاشات، لافتًا إلى أن اللجنة أوصت بقيام وزارة المالية بدفع مستحقات أصحاب المعاشات العسكريين إليهم مباشرة، بعيدًا عن الهيئة، إضافة إلى أنه تم اقتراح بشأن ضرورة عمل الدراسات الاكتوارية قبل تحمّل صندوقَى التأمين الاجتماعى للعاملين بالقطاع الخاص والقطاع الحكومى الزيادة السنوية لأصحاب المعاشات، للتأكد من وجود فائض لدى الصناديق. الهيئة تؤكّد إصدار سندات بقيمة 28.4 مليار جنيه لصالح الصندوقين العام الماضى خطة لاسترداد أموال الغلابة من الدولة «التحرير» حصلت على نص الخطة التى بحثها المجلس واللجنة المشكلة لاسترداد الأموال واستثمارها، والتى تضمَّنت الأمان والربحية، فى هذا الإطار عرض مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مقترحاته من أجل تحقيق سداد مديونية الدولة لصناديق التأمين الاجتماعى. وأول هذه المقترحات هو الإبقاء على هذه السندات فى صورتها الحالية ذات العائد الشهرى، على أن يتم الاتفاق مع وزارة المالية برفع العائد الإجمالى لهذه السندات من 8% وبما لا يقل عن العائد الذى روعى عند الحساب الاكتوارى والذى يحافظ على أموال النظام، إذ إن نحو 85% من هذه السندات ما زال العائد السنوى لها يبلغ 8%. أما المقترح الثانى فيعتمد على خطة طويلة الأمد تتراوح من 15 إلى 20 سنة تعتمد بالأساس على التعافى المنتظر للاقتصاد المصرى فى المستقبل، إذ يقوم صندوقا التأمينات بإعادة استثمار الأموال المستردة فى أوعية استثمارية ذات درجة مخاطرة منخفضة وتحقّق عائدًا دوريًّا منتظمًا، مثل الشراكة مع المؤسسات المالية الكبرى فى تأسيس شركات مساهمة. والثالث هو مبادلة جزء من هذه السندات بأصول مملوكة للدولة يراعى عند اختيارها أن تحقّق عائدًا مجزيًا بشكل منتظم مع ارتفاع قيمتها الرأسمالية على المدى الطويل والتعاقد إحدى شركات تقيّم الأصول المعتمدة لدى الهيئة العامة للرقابة المالية لتقيّم أصول الشركات وتحديد قيمتها السوقية، أما المقترح الرابع فيتمثّل فى دمج المقترحات الثلاثة السابقة، لضخامة حجم المديونيات. مديونيات غير مثبتة وفى ما يتعلق بالنوع الثانى من المديونية وهو «غير المثبتة» والتى بلغت قيمتها 162 مليار جنيه فى 30-6-2013 والتى تم الاتفاق مع وزارة المالية على سدادها بإصدار سندات بنسبة 10% من إجمالى المديونية كل عام، وعلى مدى 10 سنوات بمعدل عائد 9%، حيث أكدت هيئة التأمينات أنه تم إصدار سندات بقيمة 28.4 مليار جنيه للصندوقين فى الفترة من 1-7-2012 إلى 1-7-2013. مجلس إدارة الهيئة تقدَّم بأربعة مقترحات للاستفادة من هذه الأموال، وهى الاستمرار فى الاتفاق مع وزارة المالية السابق، والمقترح الثانى أن تقوم وزارة المالية بسداد جزء من هذه المديونية بشكل نقدى قبل انتهاء مدة السنوات العشر فى صورة شرائح سنوية بعد تحسّن الأوضاع الاقتصادية المنتظرة، أما المقترح الثالث فيتمثل فى مبادلة جزء من المديونية بأصول مملوكة للدولة فى صورة استثمارات عقارية سكنية وإدارية وتجارية أو سياحية، تتميّز بزيادة قيمتها السوقية على المدى الطويل، فى حين يتمثَّل المقترح الرابع فى دمج المقترحات الثلاثة السابقة، نتيجة لضخامة حجم المديونية المستحقة لصناديق التأمينات لدى وزارة المالية.